ما أن يُذكر مصطلح القصيدة الموجزة أو القصيرة، حتى يجري استحضار قصيدة الهايكو اليابانية، وكأنها نموذج حصري لهذا النمط من الكتابة الشعرية، في حين أن معظم الفضاءات الشعرية في العالم احتوت أشعاراً قصيرة، من بينها ما عُرّف بـ"قصيدة البيت الواحد" في التراث العربي، وكثير من القصائد القديمة في شعر اللغات اللاتينية.
مرة أخرى نجد هذا التكريس في كتاب جماعي صدر مؤخراً بعنوان "الشعر الموجز والزمنية" (منشورات "سيبتانترون"، باريس 2017) حين يتصدّى الباحثون العشرة المشاركون فيه لدارسة علاقةٍ مفارقة: حضور الزمن في قصيدة شعرية لا تتجاوز في الغالب مدى جملة واحدة.
توزّعت الدراسات بين فضاءين؛ الشعر الغربي بتنويعات لغاته، والشعر الياباني، وكذلك العلاقات بينهما، وهو ما يظهر جلياً في مخطط العمل حيث ينطلق من دراسات حول الشعر الياباني، فالفصل الأول بعنوان "في اليابان: قِصر القصيدة وقِصر الحياة" وتضمّن إضاءة وضعها الباحث الياباني ماكيكو أندروأويدا عن تاريخ كتابة القصائد القصيرة في اليابان، وتضمّن نفس الفصل دراسة عن أعمال الشاعرة اليابانية ناكاجو فوكيما (1922 – 1954) وضعها توشيو تاكيموتو.
بعد ذلك، ينتقل الفصل الثاني؛ "زمن الرحلة"، إلى مرور قصيدة الهايكو إلى المشهد الأدبي الغربي من خلال نماذج من الشعر باللغتين الإنكليزية والألمانية، مع تخصيص فصل كامل لعلاقة الهايكو بالشعراء الفرنسيين كملحق في نهاية الكتاب. يجري تصوير زمن الرحلة هذا في شكل موجات؛ الأولى في بدايات القرن العشرين، تلتها ثانية في سبعينياته، قبل أن تصبح قصيدة الهايكو بداية من التسعينيات "تخصّصاً شعرياً" في حدّ ذاته.
الجزء الرئيسي من العمل يتكوّن من دراسات أربع، أنجزها باحثون فرنسيون، تبدو هي الأكثر تخلّصاً من زاوية النظر التاريخية في ظهور الشعر الموجز، وهو أيضاً الفصل الأكثر ارتباطاً بالعنوان العام للكتاب، حيث تنطلق هذه الدراسات من تحوّل شكل القصيدة الموجزة إلى معطى ضمن تاريخ الشعر الفرنسي، وليس كوافد من ثقافة شعرية أخرى.
هذا الأمر أنتج تسميات جديدة غير الاستعارة الجاهزة للتسمية اليابانية مثل "الشعر البرقي" و"شعر اللحظة" و"الحالة - ولادة" و"لحظات هشة" وغيرها، وهي تسميات ظهرت لتوصيف أعمال شعراء فرنسيين حديثين، ومعظمها أطلقها الشعراء أنفسهم في توصيف/ تجنيس أعمالهم.
يُجمع الدارسون على أن "مساحة الكتابة الضيقة" في القصيدة الموجزة لم تمسّ من حضور الزمن في الشعر، فما يغيب ليس الزمن في حدّ ذاته، وإنما التسلسل الزمني، ولتوضيح ذلك يقارن توشيو تاكيموتو بين القصيدة الموجزة والصورة الفوتوغرافية التي توقف الزمن في لحظة، ولكنها أيضاً تعبّر عن مسار له. كما نجد صورة أخرى، أكثر شاعرية، في مقال مريام سوشيه تشبّه فيه القصيدة الموجزة بإضاءة البرق، التي تكشف ملمحاً خاطفاً من الحياة دون أن تنزعه منها.