انطلقت صباح اليوم الجمعة الندوة العلمية الدولية حول "السياسات التراثية في البلدان المغاربية" بتنظيم "المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية"، فرع تونس، وبالتعاون مع "مخبر اشتغال الأرض، التعمير وأنماط العيش في المغرب العربي في العصور القديمة والوسيطة".
المشاركون ناقشوا في اليوم الأول من الندوة التي تتواصل حتى الغد، مسائل تتعلق بتعامل الأنظمة السياسية مع التراث واستغلاله في التنمية وترسيخ الهوية الوطنية، إذ أنه في الوقت الذي يتزايد الطلب على التراث باعتباره رهاناً سياسياً وتنموياً، لا يمكن التغافل عن تزايد المخاطر من حوله، إضافة إلى الجوانب القانونية لـ حماية التراث ووضع آليات لحوكمة سليمة للقطاع.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول مدير "المركز العربي" في تونس، مهدي مبروك، إن النركز اختار موضوع السياسات التراثية في البلدان المغاربية أي السياسة التي تنتهجها بلدان المغرب العربي تجاه التراث.
وبيّن أنه، وفي ظل ارتفاع المخاطر التي تهدّد التراث وخاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث لوحظ تنامي موجة تدمير التراث، فضلاً عن مختلف الأخطار الطبيعية المحدقة به، فلا بد من إعادة النظر في تناولنا لموضوع التراث.
وأوضح مبروك أن الأنظمة السياسية لم تعٍ أهمية التراث كعامل من عوامل تمتين الهوية الوطنية في ظل ارتفاع الطلب عليه بالمعنى العرقي والطائفي، وباعتباره رافداً من روافد التنمية، إذ يمكن استثماره في التشغيل والسياحة، ولذلك هناك تشاؤم من قبل أغلب الباحثين جراء إنكار السياسات المتّبعة في جل البلدان المغربية والعربية لأهمية التراث.
من جهته، قال رئيس "المجلس العلمي لمركز الدراسات والبحوث" حول الغرب الصحراوي، الباحث الموريتاني محمدو محمدن أمين، إن اهتمام النظام العربي والسلطات العربية بالتراث محدود جداً، ويكاد أن يكون منعدماً وترافقه عمليات تسييس للتراث.
وأضاف، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن التراث يمثّل الحضارة والتاريخ ويجب أن يبتعد عن التسييس والمهاترات السياسية فهو الأمة والمستقبل، ولكن السلطات الحاكمة بأحزابها ومعارضتها وتياراتها المختلفة يجب أن تجعل الاهتمام بالتراث خدمةً للأخير، وليس تابعاً أو وسيلة لنظام معين.
وأكمل أن التجربة الموريتانية في التعامل مع التراث وتجربة المعهد الموريتاني الحكومي عرفت مراحل مد وجزر، ولكن عموماً لا يزال الاهتمام بالتراث خجولاً وغير منظم خلافاً لتجارب الدول المتطورة كالصين واليابان، حيث أن "التراث هو عنوان التقدم والتطور ولكن البلدان العربية لا تهتم به كما يجب".
بدوره أكد الباحث صادق بعزيز، الذي قدم مداخلة بعنوان "ممارسة تراثية تونسية"، لـ "العربي الجديد" أنه وبالعودة إلى التجربة التونسية من الاستقلال وحتى اليوم، فإن بالإمكان القول بغياب أي سياسات تراثية.
وأشار إلى أنه في بداية السبعينات كان التفكير في التراث ينصب في أن يساعد السياحة مثلاً، ولم تكن هناك توجّهات في مستوى البحث العلمي أو كيف يكون التراث صالحاً للمجتمع ولهويته وبالتالي ظل الاهتمام به مفقوداً.
وبين أن التراث هو التاريخ والهوية والماضي بكل حقباته، والحاضر بتعاسته ومشاكله والمستقبل بطموحاته، مؤكداً على وجود العديد من المخاطر التي تواجه هذا التراث، منها الاعتداءات والتلف، إن لم تتم المحافظة عليه وحمايته.