06 نوفمبر 2024
"السلطة مفسدة" ... العراق نموذجاً
تذكّرني أوضاع العراق الماثلة بمقولة مشهورة للمؤرخ الإنجليزي، اللورد أكتون، "السلطة مفسدة، لكن السلطة المطلقة فساد مطلق"، والفساد المطلق هو الذي حوّل العراق إلى دولة فاشلة "Failed state"، بحسب مؤشر الدول الفاشلة الذي تصدره سنوياً مجلة "فورن بوليسي" الأميركية، والذي يعرف الدولة الفاشلة بأنها "الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وتستخدم القوة في معظم الأحوال، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، ولا تستطيع توفير الخدمات لأبناء شعبها، وترتفع فيها معدلات الفساد والجريمة"، وهو ما ينطبق تماماً على حالة العراق، والفساد المطلق، أيضاً، هو الذي جعل من العراق أخطر مكان في العالم، وهو ما أكده موقع (هوستاف وورك)، المتخصص في تقديم الاستشارات العالمية في تقريره لعام 2014، وترجمته صحيفة المدى العراقية، مستنداً إلى معايير "دليل السلام العالمي"، ومنها "الصراعات الداخلية والخارجية، وعدد ضحايا هذه الصراعات، والعلاقات مع دول الجوار، ونسبة المهجرين من عدد السكان، وعدم الاستقرار السياسي، وامتهان حقوق الإنسان، والأعمال الإرهابية، والجريمة، وكذلك التعليم والثقافة والرفاهية المادية".
وأيضاً، فإن الفساد المطلق وضع العراقيين في مقدمة شعوب العالم التي تعاني من التعاسة والشقاء، بحسب الإحصائية السنوية لمعهد غالوب الأميركي للاستشارات الإدارية لعام 2014، مشيراً إلى الاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعصف بالعراق، وتجعل الحياة فيه على درجة عالية من الإحساس بالتعاسة وعدم الشعور بالأمان.
هذه الشهادات الموثقة، وغيرها الكثير، مبثوث على شبكة الإنترنت، يكشف واقع العراقيين الذي لا يحسدون عليه، ويفضح كيف يتعامل رجال السلطة في العراق مع مواطنيهم، وكيف ينظرون إلى المشكلات التي تحيق ببلادهم، وهم الذين حولتهم "العملية السياسية" الأميركية إلى "نخبة" لها سلطة الحسم والقرار، بعدما انتشلتهم من القاع السفلي لشوارع دول الغرب والجوار وأزقتها، وقد تعلموا من تجربة الأحد عشر عاماً السالفة كيف يعضون على السلطة بالنواجذ، خشية فقدانها.
وإذا كان السياسيون الحكماء الذين يدركون مسؤولياتهم في كل بلاد الله يفهمون السلطة على أنها وسيلة تحقيق العدل الاجتماعي والأمن والرفاهية لمواطنيهم، بحسب الأولويات التي تحددها قراءاتهم أوضاع بلدانهم والعوامل المتحكمة فيها، وهم يجتهدون لتحقيق ذلك، في ضوء قناعاتهم الفكرية ورؤاهم الأيديولوجية، بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الرؤى تأخذهم يميناً، أو تميل بهم يساراً، فان أشباه السياسيين في بلداننا يبحثون دائماً عمّا تدرّه عليهم السلطة من منافع وامتيازات، بعدما حولوها إلى وسيلةٍ، لتحقيق أطماعهم ومآربهم الشخصية، وبعدما أصيبوا بمرض "إدمان السلطة" الذي جعل سلطتهم مطلقة وغاشمة في آن.
والغرق في حالة "إدمان السلطة" يقود إلى نشوء الديكتاتوريات، وقيام الأنظمة الشمولية، وهو ما عانينا، وما زلنا، نعاني منه في عالمنا العربي، على يد الذين أضاعوا مفهوم السلطة وسيلة لتقدم المجتمع ونهوضه، ولووا أعناقهم عن مشكلات بلادهم التي زعموا أنهم، وحدهم، يمتلكون الحلول السحرية لها، فيما برهن سلوكهم، يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، على أنهم يسعون إلى السلطة، من أجل السلطة نفسها، وكما يقول أصدقاؤنا اللاتينيون، فإن "الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات".
والنموذج الأمثل على ما نقول هو عراق ما بعد الاحتلال، فقد فشل المنخرطون في "العملية السياسية" الطائفية، سواء منهم المهيمنون على السلطة بشكل مباشر، أو المعارضون لها على استحياء، فشلوا جميعاً في مواجهة المعضلات الأساسية التي أفرزتها مرحلة ما بعد احتلال العراق، وفي حل المشكلات الرئيسية التي ينوء بها المجتمع العراقي، وهي مشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة، أدت إلى تراجعات وارتدادات كبيرة على كل صعيد، وهو فشل بدأ الأميركيون يتحسسونه، ويتحدثون عنه علناً، ويخشون من تأثيره على مصالحهم في العراق.
ومعروف منذ الساعات الأولى للاحتلال أن هدف القادمين من القاع، من أشباه السياسيين، متوافق في الجوهر مع أهداف الاحتلال، وتأكد هذا، مرة بعد مرة، في سعيهم إلى البقاء في السلطة بأي ثمن، ولم تكن صيحة نوري المالكي المعروفة "ما ننطيها!" إلا التعبير الأوضح عن ذلك.
لكن، ما هو مثير للاستغراب سذاجة كتابٍ يروجون حكاية نجاح العملية السياسية، ويدللون على ذلك بحجم المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وهو أمر حققته وسائل الخداع والرشوة واستخدام نفوذ السلطة وقوتها. ومرة أخرى هنا، نتذكر اللورد أكتون الذي قال "إن الشر الذي يدمر الديموقراطية هو في طغيان المجموعات التي قد تنجح في الانتخابات، بفعل وسائل القوة والخداع"، وقد انتقلت هذه القناعة الزائفة إلى عناصر يسارية وعلمانية، ودعاة دولة مدنية، بدأت تفكر بإمكانية التغيير من داخل العملية السياسية نفسها، في الوقت الذي تؤكد المعطيات فيه أن ذلك بات أقرب إلى المستحيل، ما يفرض، بالضرورة، العمل الجدي لإسقاط العملية السياسية، والبحث عن بديل وطني ديموقراطي، عابر للإثنيات والطوائف.
وحيث لم يظهر البديل الوطني بعد، فإن ما هو فرض عين ينبغي أن يكون في تأسيس استراتيجيات جديدة ممن يمكنهم التمهيد لولادته، وبما يتيح لنا، نحن ملح الأرض، أن نخطو بثقةٍ، على طريق جديد يضمن لنا الحياة والتقدم.
وأيضاً، فإن الفساد المطلق وضع العراقيين في مقدمة شعوب العالم التي تعاني من التعاسة والشقاء، بحسب الإحصائية السنوية لمعهد غالوب الأميركي للاستشارات الإدارية لعام 2014، مشيراً إلى الاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعصف بالعراق، وتجعل الحياة فيه على درجة عالية من الإحساس بالتعاسة وعدم الشعور بالأمان.
هذه الشهادات الموثقة، وغيرها الكثير، مبثوث على شبكة الإنترنت، يكشف واقع العراقيين الذي لا يحسدون عليه، ويفضح كيف يتعامل رجال السلطة في العراق مع مواطنيهم، وكيف ينظرون إلى المشكلات التي تحيق ببلادهم، وهم الذين حولتهم "العملية السياسية" الأميركية إلى "نخبة" لها سلطة الحسم والقرار، بعدما انتشلتهم من القاع السفلي لشوارع دول الغرب والجوار وأزقتها، وقد تعلموا من تجربة الأحد عشر عاماً السالفة كيف يعضون على السلطة بالنواجذ، خشية فقدانها.
وإذا كان السياسيون الحكماء الذين يدركون مسؤولياتهم في كل بلاد الله يفهمون السلطة على أنها وسيلة تحقيق العدل الاجتماعي والأمن والرفاهية لمواطنيهم، بحسب الأولويات التي تحددها قراءاتهم أوضاع بلدانهم والعوامل المتحكمة فيها، وهم يجتهدون لتحقيق ذلك، في ضوء قناعاتهم الفكرية ورؤاهم الأيديولوجية، بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الرؤى تأخذهم يميناً، أو تميل بهم يساراً، فان أشباه السياسيين في بلداننا يبحثون دائماً عمّا تدرّه عليهم السلطة من منافع وامتيازات، بعدما حولوها إلى وسيلةٍ، لتحقيق أطماعهم ومآربهم الشخصية، وبعدما أصيبوا بمرض "إدمان السلطة" الذي جعل سلطتهم مطلقة وغاشمة في آن.
والغرق في حالة "إدمان السلطة" يقود إلى نشوء الديكتاتوريات، وقيام الأنظمة الشمولية، وهو ما عانينا، وما زلنا، نعاني منه في عالمنا العربي، على يد الذين أضاعوا مفهوم السلطة وسيلة لتقدم المجتمع ونهوضه، ولووا أعناقهم عن مشكلات بلادهم التي زعموا أنهم، وحدهم، يمتلكون الحلول السحرية لها، فيما برهن سلوكهم، يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، على أنهم يسعون إلى السلطة، من أجل السلطة نفسها، وكما يقول أصدقاؤنا اللاتينيون، فإن "الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات".
والنموذج الأمثل على ما نقول هو عراق ما بعد الاحتلال، فقد فشل المنخرطون في "العملية السياسية" الطائفية، سواء منهم المهيمنون على السلطة بشكل مباشر، أو المعارضون لها على استحياء، فشلوا جميعاً في مواجهة المعضلات الأساسية التي أفرزتها مرحلة ما بعد احتلال العراق، وفي حل المشكلات الرئيسية التي ينوء بها المجتمع العراقي، وهي مشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة، أدت إلى تراجعات وارتدادات كبيرة على كل صعيد، وهو فشل بدأ الأميركيون يتحسسونه، ويتحدثون عنه علناً، ويخشون من تأثيره على مصالحهم في العراق.
ومعروف منذ الساعات الأولى للاحتلال أن هدف القادمين من القاع، من أشباه السياسيين، متوافق في الجوهر مع أهداف الاحتلال، وتأكد هذا، مرة بعد مرة، في سعيهم إلى البقاء في السلطة بأي ثمن، ولم تكن صيحة نوري المالكي المعروفة "ما ننطيها!" إلا التعبير الأوضح عن ذلك.
لكن، ما هو مثير للاستغراب سذاجة كتابٍ يروجون حكاية نجاح العملية السياسية، ويدللون على ذلك بحجم المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وهو أمر حققته وسائل الخداع والرشوة واستخدام نفوذ السلطة وقوتها. ومرة أخرى هنا، نتذكر اللورد أكتون الذي قال "إن الشر الذي يدمر الديموقراطية هو في طغيان المجموعات التي قد تنجح في الانتخابات، بفعل وسائل القوة والخداع"، وقد انتقلت هذه القناعة الزائفة إلى عناصر يسارية وعلمانية، ودعاة دولة مدنية، بدأت تفكر بإمكانية التغيير من داخل العملية السياسية نفسها، في الوقت الذي تؤكد المعطيات فيه أن ذلك بات أقرب إلى المستحيل، ما يفرض، بالضرورة، العمل الجدي لإسقاط العملية السياسية، والبحث عن بديل وطني ديموقراطي، عابر للإثنيات والطوائف.
وحيث لم يظهر البديل الوطني بعد، فإن ما هو فرض عين ينبغي أن يكون في تأسيس استراتيجيات جديدة ممن يمكنهم التمهيد لولادته، وبما يتيح لنا، نحن ملح الأرض، أن نخطو بثقةٍ، على طريق جديد يضمن لنا الحياة والتقدم.