تحت عنوان "تجليات الذات المبدعة عند المرأة العربية" اختتمت اليوم جلسات الدورة الثانية والعشرين لملتقى المبدعات العربيات في مدينة سوسة التونسية بمشاركة باحثات وفنانات من بلاد عربية ومجالات إبداعية مختلفة.
اختيار سؤال الملتقى وفق منسقته أميرة غنيم يعود إلى أن "التعبير عن الذات في إبداع المرأة العربية، على وجه الخصوص، كان ولا يزال شكلاً من أشكال التحدي في ظل مجتمع ذكوري"، حيث تطرقت الأوراق المشاركة إلى طرق تمثيل الذات في الإبداع وإن كانت تجري على وجه التطابق أو التماهي والتقنع، وفقاً لغنيم، التي تضيف تساؤلاً حول "المحاذير التي تتوخاها المرأة المبدعة حتى لا يصدم حديثها عن ذاتها جمهور التلقي العربي المحافظ بطبيعته".
تعدّدت وجهات وزوايا النظر في 22 جلسة استمرت ثلاثة أيام، بحضور شاعرات وروائيات وناقدات وسينمائيات وموسيقيات ومسرحيات من تونس ومصر والمغرب والجزائر والكويت والسعودية والأردن.
عن برنامج عمل الملتقى تقول فوز طرابلسي رئيسة الملتقى في حديث سابق معها "راوَحنا في برنامجنا بين الجلسات العلمية وورشات العمل في الفن التشكيلي تديرها كنزة بن يحيى، إلى جانب عرض شريط "فتاة المصنع" بحضور ياسمين رئيس، إلى جانب عرض فيلم "الجايدة" للمخرجة التونسية سلمى بكار، إضافى إلى إقامة ورشة مخصصة للشعر الغنائي أدرتها كوثر مصطفى صاحبة كلمات "علي صوتك بالغنى" الأغنية التي ظهرت في فيلم "المصير" للمخرج المصري يوسف شاهين. كما يختتم الملتقى اليوم بحفل موسيقي لفرقة الموسيقى الوترية النسائية "أثر" بقيادة العازفة نادية زرمديني".
من أبرز المشاركات الحوار المفتوح الذي أقامته الكاتبة النسوية المصرية نوال السعداوي، والشهادة التي قدمتها المسرحية التونسية جليلة بكار حول مجمل مسيرتها الإبداعية.
نوال السعداوي قالت في ردها على واقع المرأة اليوم بعد 2011، وإن كانت قضاياها قد ازدادت تعقيداً بعد التغيرات السياسية الكبيرة التي وقعت خلال السنوات القليلة الماضية: "لن يحرر المرأة إلا المرأة"، مشيرة إلى أن المعضلة هي الاعتماد الاقتصادي الذي تركن إليه المرأة في كنف الرجل، وأن التحرر يبدأ من تحرير الذات من التبعية أياً كان شكلها.
وأضافت السعداوي إن "بورقيبة لم يحرر المرأة التونسية كما يقال بل إنه بنى على نضالاتها، فلا يوجد فرد ولا حاكم يحرّر شعبه، واعتبرت السعداوي أن أحد أكثر الأسئلة ضرورة اليوم في ما يخص كل القضايا الاجتماعية والسياسية هو من أين جاءت التيارات المتشددة اليوم، والتي لا تقتصر على المنطقة العربية، ولا الإسلامية، فهناك تيارات متشددة في كل مكان ودين، والسؤال الأساسي هو من يستفيد من ظهورها ولماذا".
جليلة بكار تناولت بداياتها وتحدي إقناع الأسرة بعملها في الفن، وتطرقت إلى موقف جدتها ووالدها من ظهورها، ففي حين كانت تشعر الجدة بالسعادة لعمل بكار في الفن، كان الأب يشعر بالتخوف والخوف عليها، قالت بكار في مداخلتها "ما هو الخوف؟ ثمة خوف من نظرة الآخر لك، كنت أحاول أقدم لوالدي كل الذكور الذين أعمل معهم لكي يقل خوفه"، لافتة إلى ما تعرض إليه والدها من إساءة أقرباء متشددين في بداية الثمانينيات حين ظهرت في التلفزيون أول مرة وكيف أنه لم يقف أبداً أمام طموحها ورغبتها في التمثيل".
تحدثت بكار عن خيارها المهني والثقافي ووصفته بقولها "لم يكن اختياري لمهنة التمثيل ميولاً نرجسية الصورة، ولا رغبة في التبهرج، بل كان حاجة عضوية للتعبير بالكلمة والجسد عن شكي ويقيني عن طموحاتي وتطلعاتي الفنية عن حيرتي الوجودية وقناعاتي الاجتماعية والسياسية، وعن أحلامي الأنثوية والإنسانية".
وأشارت صاحبة "خمسون" و"خوف" إلى أن التحدي الأكبر في تجربتها الفنية كان "تحدي اختيار المسرح الذي يمثلها وقد اختارت مسرح المواطنة الذي يهتم بالإنسان التونسي وأن يكون صورة ومرآة للمجتمع التونسي في تقلباته وتنقاضاته".
شارك في الجلسات أيضاً رانية الشريف العرضاوى من السعودية بورقة تحت عنوان "كتابة السيرة الذاتية عند المبدعة السعودية: الحيلة والمواجهة"، ومن الجزائر طانيا خطاب في مداخلة بعنوان "الذات الأنثوية في مواجهة الأنساق الثقافية المهيمنة"، ومن الأردن ليندا عبيد حيث قدمت مداخلة "الذات الأنثوية في روايتي أنا أحيا ودارية"، ومن المغرب خديجة عبد الجميل التي تناولت "الذات في الإبداع الفني عند الشيخات".