"الذئاب المنفردة".. ظاهرة تُنهك الأمن المصري

08 اغسطس 2015
تنفّذ "الذئاب المنفردة" عمليات مفاجئة وغير مدروسة (الأناضول)
+ الخط -
لم يتوقف الحديث على مدار العامين الماضيين، عن وجود بعض الشباب المسلحين الذين ينفذون عمليات بشكل فردي بين محافظة وأخرى في مصر، من دون الانتماء إلى أي تنظيم محدد أو حتى تشكيل مجموعات صغيرة. تنامى هذا التوجه لدى أوساط الشباب الذين يميلون إلى استخدام العنف، وحمل السلاح في مواجهة النظام الحالي وأدواته القمعية، سواء من قوات الجيش المصري أو الشرطة.

وجد بعض الشباب في فكرة انتهاج العنف، مخلّصاً لهم في القتل العشوائي والممنهج، والتصفيات الجسدية، والاعتقالات، والتعذيب داخل السجن وتلفيق التهم، والمحاسبة على الانتماء الفكري. 

لكن تنفيذ بعض الشباب لعمليات صغيرة ومحدودة ضد قوات الأمن، يختلف بشكل كبير عن تلك العمليات التي تنفذها التنظيمات مثل عمليات "ولاية سيناء" في سيناء. ويطلق على انتهاج الشباب، العنف بشكل فردي أو في إطار ضيق محدود، بواقع عملية أو عمليتين كل فترة طويلة، ما يعرف بـ "الذئاب المنفردة". ويتم اللجوء إلى مثل هذه التكتيكات في الصراع مع الأنظمة والأجهزة الأمنية، في حال ما لم تكن الظروف مناسبة لتشكيل تنظيمات كبيرة، تضم المئات والآلاف من الشباب.

قبل أسبوعين، أعلنت جماعة "أجناد مصر"، وهي إحدى الكيانات المسلحة في الساحة المصرية، عن مقتل شابين غير أعضاء في الجماعة، على يد قوات الأمن في محافظة الجيزة. ونفت الجماعة علاقتها بالشابين بشكل تنظيمي، ردّاً على ادعاءات قوات الأمن والإعلام المصري بأنهما تابعان لـ "أجناد مصر". بيد أن الجماعة أكدت وجود ارتباط معهما، نظراً لقيامهما بعمليات ضد قوات الشرطة في أوقات سابقة.

اقرأ أيضاً: ولاية سيناء يكشف عن رهينة كرواتي ويهدّد بقتله

ويعتبر محللون أمنيون أنّ تكتيك العمل، وفقاً لما يسمى بـ "الذئاب المنفردة"، يختلف تماماً عن تكتيك التنظيمات والجماعات، إذ إن الفرد يمكن له العمل بشكل منفرد تماماً، ولكن بإمكانات بسيطة. ويرى محللون أنّ الشباب يلجأون إلى اتباع هذا التكتيك في حال عدم القدرة على السفر إلى مناطق الصراعات المسلحة أو تشكيل تنظيمات في أي دولة أو الانخراط في جماعات قائمة، مرجعين عمل الشباب إلى دعوات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من عناصر تابعة لـ "داعش"، بضرورة عمل الشباب "الجهادي"، وفقاً لطريقة "الذئاب المنفردة".

ويوضح مراقبون أنّ هذه الظاهرة بدأت مع الأزمة الحالية في مصر، عبر بث مقاطع فيديو وطرق لتحضير العبوات الناسفة وكيفية استخدامها وزرعها، وأنواع تلك العبوات واختيار أفضلها للعملية المستهدفة. وعلى الرغم من أن العمليات التي تنفذها "الذئاب المنفردة" أقل قوة وفعالية من نظيراتها من قبل تنظيمات أكبر، إلا أنها قادرة على خلق حالة من الخلل والفوضى لدى الأنظمة والأجهزة الأمنية، بحسب المراقبين.

وتأتي خطورة عمل "الذئاب المنفردة" في إنهاك قوات الأمن وجهاز الشرطة، وفقاً للمراقبين، في تنفيذ عمليات بشكل مستمر في محافظات عدة وعلى مسافات متقاربة، في ظل عدم وجود معلومات سابقة عن الأشخاص المنفذين، ما يصعّب عمليات ضبطهم. وتلفت مصادر لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ أغلب الشباب الذين يعملون وفقاً لتكتيك "الذئاب المنفردة"، ليس لديهم ملفات لدى أجهزة الأمن، وبالتالي فتحركاتهم ليست مقيدة، إذ تكرّس الأجهزة الأمنية جهودها في كشف التنظيمات الكبيرة.

وتقول المصادر (طلبت عدم ذكر اسمها) إن "عمليات الذئاب المنفردة، تمهّد الطريق إلى إرباك الأمن وإنهاكه، وهو ما يفتح المجال أمام التنظيمات الكبرى الموجودة على الساحة المصرية، فضلاً عن إمكانية تأسيس أخرى جديدة". وتذهب المصادر إلى أبعد من ذلك، مشيرة إلى أنّ "هناك رسائل تحريضية تأتي من خارج مصر بشكل علني أو شبه سري إلى كل شاب جهادي قادر على حمل السلاح ببدء عمليات ضد قوات الشرطة والجيش".

وتوضح المصادر أن عمليات "الذئاب المنفردة"، تمثل أزمة كبيرة للتيار المسلح، نظراً لعدم توفّر الخبرات لدى معظم الشباب المنخرط في مثل هذه العمليات، وخصوصاً في مسألة التخفّي، في ظل عدم وجود احتكاك مسبق في المواجهات أو المعارك في العراق وسورية على سبيل المثال.

اقرأ أيضاً: تقييد الحريات لتعويض الفشل الأمني

وتفرّق المصادر بين تخفّي العناصر المسلحة وتماهي "الذئاب المنفردة" مع المجتمع وعدم ظهورها بشكل علني، إذ يقوم الشباب بدورة تدريبية على التخفي قبل الانخراط في العمليات، بينما الذئاب المنفردة تنفّذ عمليات مفاجئة، ولم يتم الحديث عنها، حتى في الأوساط الجهادية. وتؤكد المصادر أن هؤلاء الأفراد قليلو الخبرة حتى على مستوى تنفيذ العمليات، كما أنّ درجات الحظر لديهم أقل، وهو ما أسهم في وصول قوات الأمن إلى البعض منهم وتصفيتهم.

ويقول باحث في الحركات الإسلامية، لـ "العربي الجديد" إنّ "العمليات التي استهدفت قوات الجيش والشرطة، هي عمليات صغيرة، لكن بقي منفذوها مجهولي الهوية". ويضيف الباحث (طلب عدم ذكر اسمه) أن مصر مقبلة على موجة من العنف والإرهاب أقوى وأشد من فترات سابقة، وهو أمر بات واضحاً من خلال تقدم وقوة التنظيمات المسلحة.

ويشير إلى أن التجربة تؤكد أن "حروب العصابات تنهك الدول والجيوش والأمن، لكن الوضع في مصر ليس بالسوء الذي هي عليه كل من ليبيا وسورية والعراق"، معتبراً أنّ تكرار التجارب نفسها يتوقّف على مسار الأزمة الحالية. ويلفت الباحث إلى أنه "إذا استمر الوضع الحالي كما هو عليه والأزمة قائمة، فالوضع سيكون أكثر خطورة، لأن القتل والاعتقالات والتعذيب، هي نواة لتأسيس بيئة خصبة لانتشار الفكر الجهادي". ويعطي الباحث مثلاً على "سفر بعض الشباب الذين لم يكن لديهم خلفيات إسلامية متشدّدة للمشاركة في القتال في سورية والعراق، بل لأن الوضع الحالي متأزم في مصر، ويدفعه إلى تبنّي العنف".

في المقابل، يقول الخبير الأمني، حسين حمودة لـ "العربي الجديد"، إن "الذئاب المنفردة أسلوب ليس بجديد، وله سلبيات كبيرة في محاولة إحداث خلل أمني وإرباك". ويضيف أن "الأجهزة الأمنية في مصر لا تعمل وفقاً لخطط مُحكَمة، وإنما تسير وراء الاتهامات السياسية فقط".

ويشير حمودة إلى أن الأمن نجح عن طريق جهود فردية في ضبط بعض العناصر التي تنفذ عمليات ضد مؤسسات الدولة، ولكن هذا ليس توجهاً عاماً، وبعض عمليات الضبط تمت عن طريق الصدفة"، مؤكّداً أنّ "الذئاب المنفردة" أسلوب تم اتباعه في أوروبا، ولكي يتم التخلص منه لا بد من وجود قائمة بالمشتبه بهم والتأكد منهم، من خلال عمليات تحرٍ وجمع معلومات، لتضييق دائرة الاشتباه.

اقرأ أيضاً: انفجار يستهدف منزلين لرجال شرطة في شمال سيناء

المساهمون