"الدولة الواحدة": هل سيأتي من اليمين الإسرائيلي؟

19 مارس 2017
لافتات في رام الله تؤيد الدولة الواحدة(عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -
في 17 آذار/ مارس 2015 فاز رئيس الحكومة الإسرائيلية، زعيم اليمين، بنيامين نتنياهو، بإعادة انتخابه للمرة الثالثة على التوالي.

ويرجع الفضل في ذلك، وإن بصورة جزئية، إلى "تعهد" تقدم به في اللحظة الأخيرة إلى قاعدته الانتخابية اليمينية، بأن الفلسطينيين لن يحصلوا أبدًا على دولة طالما ظلّ هو في رأس هرم السلطة.

وبعد تلك الانتخابات حاول نتنياهو التراجع عن تعهده هذا. لكن تراجعه لم يتجاوز الإعلان أنه مستعد لمنح الفلسطينيين "دولة ناقصة" وليس دولة تتمتع بكامل الصلاحيات (مصطلح "دولة ناقصة" سكّـه يتسحاق رابين قبل مقتله بشهر، لدى حديثه عن مواصفات "التسوية" بين إسرائيل والفلسطينيين).

و
بالرغم من أحابيل نتنياهو، ثمة مؤشرات قوية إلى أن الفلسطينيين غير منخدعين بها. وبحسب ما عبر عن هذا الوضع "شخص مُقرّب" من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فإن إعادة انتخاب نتنياهو شكلت مؤشرًا إلى نهاية حقبة، وكانت بمثابة "إقفال نهائي لنافذة الفرصة في كل ما يتعلق بالتوصل إلى حل عن طريق التفاوض" وفق مبدأ الدولتين. وذكر هذا الشخص: "قبل عامين (2013) قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري للكونغرس الأميركي إن النافذة ستغلق في غضون عام ونصف العام، أو عامين على الأكثر. وكان على حق. لقد انتهى الأمر" ("فورين أفيرز"، تموز/ يوليو 2015).
في الحقيقة هذا الأمر انتهى قبل هذه النقطة الزمنية.

والجهة التي تدركه أكثر من أي أخرى هي اليمين الإسرائيلي ولا سيما "اليمين العقائدي"، الذي يُعتبر زئيف جابوتينسكي، زعيم ومؤسس "الحركة التنقيحية الصهيونية"، الأب الروحي له. ووفقًا للمقاربة التي يطرحها هذا اليمين منذ عدة أعوام، يجب أن يحيا اليهود والعرب في "دولة واحدة" وتحت سيادة يهودية مطلقة. وبالرغم من "كلام معسول" حاول قادة هذا اليمين نثره، بأن "العرب واليهود سيتمتعون في الدولة الواحدة بالمواطنة والحقوق المتساوية"، فإن خططًا نشروها في الماضي عبرت عن سعي إلى حكم اليهود للعرب الفلسطينيين بالحديد والنار.

وأبرز هذه الخطط سبق أن عبر عنها جابوتينسكي نفسه من خلال مقاله الشهير "الجدار الحديدي - نحن والعرب"، الذي نشره عام 1923، وأقرّ فيه بأن العرب "أمة حية"، لكن لا يوجد أي احتمال بأن يوافقوا على تطبيق "آمال الصهيونية" في فلسطين. واعتبر أنه من أجل تبديد أي آمال لدى العرب بالتخلص من الصهاينة ينبغي إنشاء ما وصفه بـ"الجدار الحديدي"، الذي هو عبارة عن كتائب عسكرية يهودية تحت قيادة بريطانية وفي إطار القوة الاستعمارية البريطانية في الشرق الأوسط، وتشكل جبهة حصينة من حيث قوتها العسكرية وإصرارها بلا مساومة على تطبيق الأهداف الصهيونية.

مسوغات اليمين الإسرائيلي
تتحدّد مسوغات اليمين الإسرائيلي للدفع قدمًا بـ"حل الدولة الواحدة" في ما يلي:

أولًا، أن اليهود الذين يؤيدون إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية (ولا سيما أولئك الذين يتم تأطيرهم ضمن ما يُعرف بـ"اليسار الصهيوني") إنما "يفعلون ذلك بدافع معارضتهم إضافة المزيد من العرب إلى سكان إسرائيل اليهودية"، كما كتب وزير الدفاع ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، موشيه آرينز، الذي يُعتبر الراعي الحقيقي لنتنياهو. وتابع أن "جميع الصهاينة، منذ ثيودور هيرتسل، يعلمون أنه سيكون في الدولة اليهودية عدد كبير من السكان العرب. والشرط لإقامة دولة يهودية، وفقا لزئيف جابوتينسكي، هو وجود أغلبية يهودية". ولفت آرينز إلى أن جابوتينسكي لم يوضح ماذا تعني هذه "الأغلبية اليهودية" وما هي نسبتها.

ثانيًا، من أجل الحفاظ على هذه "الأغلبية اليهودية"، وإيجاد حل لما يُسمى بـ"المشكلة الديموغرافية" في الدولة الواحدة، ينبغي إيجاد محفزات اقتصادية مُغريـة لجذب اليهود للهجرة إلى إسرائيل، بحيث يهاجر إليها نصف مليون يهودي خلال عقد، بدلًا من 20 ألف مهاجر سنويًا كما هي الحال في الوقت الحالي.

ثالثًا، يتعين العمل على دمج "الأقلية العربية". وبحسب آرينز، فإن "مدى الاندماج مرتبط مباشرة بسؤال ما إذا كان بإمكان أقلية كبيرة أن تعيش بسلام في إسرائيل. فالأقلية التي تعيش في حالة اغتراب عن الدولة تعتبر مشكلة. والأقلية التي تندمج فيها جيدًا وترى فيها بيتًا يمكن أن تكون كنزًا ورصيدًا".

بطبيعة الحال هناك تفصيلات أخرى يخوض هذا اليمين فيها بشأن "خيار الدولة الواحدة"، منها ما يلي:

في حال إقامة الدولة الواحدة "يكون أمام أي عربي في البلد ثلاث إمكانيات: الأولى، من يريد دولة عربية ومستعد لتجسيد ذلك بالإرهاب والنضال ضد الدولة لا مكان له في "أرض إسرائيل"؛ الثانية، من يوافق على مكانته وعلى السيادة اليهودية لكنه لا يريد المساهمة في حياة الدولة وتنفيذ واجباته بإمكانه أن يكون مقيمًا، وسيحظى بحقوق إنسان كاملة، لكنه لن يحظى بتمثيل سياسي في مؤسسات الدولة. كما أن واجباته، مثل الخدمة العسكرية أو الوطنية، لن تكون كاملة؛ الثالثة، الفرد الذي يقول إنه مخلص للدولة وقوانينها، ومستعد لأن ينفذ واجباته وحلفان يمين الولاء لها، بإمكانه أن يحصل على مواطنة كاملة".

حل الدولة الواحدة ينبغي أن يشمل الضفة الغربية فقط، ولا يشمل قطاع غزة. وبموجب ما تؤكد نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي تسيبي حوتوفيلي، من الليكود، فـ"إننا نتحدث الآن عن منح المواطنة في الضفة، وليس في غزة. ففي غزة نظام معاد يرفض إسرائيل. وهي خارج الخطاب السياسي، وحتى خطاب حل الدولتين. ويسكن في الضفة مليون ونصف مليون فلسطيني.

فلسطينيو الـ 48 من التهميش إلى الرومانسية الوطنية

والاعتقاد هو أنه سيتم الحفاظ على هذا الأمر في الجيل المقبل، والنسبة ستكون 70 إلى 30 بالمئة بين اليهود والعرب". ووفقًا لحوتوفيلي "ينبغي أن يكون واضحًا أننا لا نعترف بحقوق قومية للفلسطينيين في أرض إسرائيل. بل نعترف بحقوق إنسان وحقوق الفرد لهم، وبحقوق سياسية فردية، لكن بين النهر والبحر يوجد مكان لدولة واحدة وهي دولة يهودية". وبرأيها "ثمن مواجهة أقلية عربية داخل دولة واحدة أقل من ثمن مخاطر صواريخ القسام ونزع الشرعية، ومن ثمن التنازل عن أقاليم من الوطن وبضمنها القدس". وهي تشير إلى أنه في حال تعين عليها الاختيار بين "مخاطر" حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة "سأختار مخاطر الدولة الواحدة ثنائية القومية وبشكل واضح ولا لبس فيه. فمن خلال هذا الحل ستبقى لدينا قدرة على السيطرة، لكن عندما تتخلى عن المكان لصالح كيان فلسطيني، كيف ستتمكن من السيطرة على ما يحدث هناك؟".

خيار الفلسطينيين
ما يزال الخيار الفلسطيني الرسمي متمسكًا بـ"حل الدولتين". وهناك مبادرات تحاول أن تطرح خيارات أخرى بما في ذلك خيار الدولة الواحدة الديمقراطية. ومجال بحثها لا يدخل ضمن نطاق هذه القراءة.

بموازاة ذلك، من الضروري التحذير من مغبة أي عبث بخيار الدولة الواحدة. ويندرج في إطار هذا العبث القول إن الطريقة التي قد تصبح أكثر ترجيحًا باطراد لأن تحقق للفلسطينيين دولة مستقلة هي - فيما ينطوي على الكثير من المفارقة - تخليهم عن محاولة الحصول على دولة. وحجة العابثين هنا هي أنه فقط عندما يجعل الفلسطينيون الإسرائيليين يدركون أن الوضع الراهن لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، ويصلون إلى شيء يعتبره الإسرائيليون عزيزًا حتى أكثر من الضفة الغربية - السيطرة على إسرائيل نفسها كدولة يهودية - عندئذ فقط سيشرع الإسرائيليون في النظر إلى حل الدولتين باعتباره "خيارهم الأقل سوءًا".

إن الأمر الأكيد أنه إذا وصلت الأمور في النهاية إلى هذا المفترق، فإن الدولة التي سيتم منحها للفلسطينيين لن تكون تلك التي كانوا يطالبون بها على مدى العقدين الأخيرين. وبدلًا من خطوط 1967، فإن إطارها سيستند إلى مخاوف إسرائيل الأمنية والديموغرافية.

وحسبما ذكرنا سالفاً، في الجولة الأخيرة من محادثات السلام، كان نتنياهو راغبًا في مناقشة أمر دولة فلسطينية ناقصة. وإذا ما قررت إسرائيل ذات يوم أن تدعم قيام دولة فلسطينية من أجل قتل احتمال الدولة الواحدة، فإن النتيجة الأكثر ترجيحًا ستكون نسخة نتنياهو الممسوخة منها.


جيل ما بعد أوسلو يمارس حق النقض
المساهمون