"الحق": استدعاءات الأجهزة الأمنية للصحافيين الفلسطينيين انتهاك للقانون ومبادىء حقوق الإنسان
أكدت مؤسسة "الحق" أن الاستدعاءات التي توجه للصحافيين في فلسطين، وللمواطنين عموماً، من قبل الأجهزة الأمنية، أياً كان شكلها، سواء من خلال اتصالات هاتفية، أم استدعاءات خطية مروسة وموقعة من قبل الأجهزة الأمنية، هي استدعاءات غير دستورية، من حيث المبدأ، وتشكل انتهاكاً للضمانات الواردة في القانون الأساسي.
وأشارت إلى أنّ هذه الضمانات ذات "طابع قضائي" ويجب أن تتم "بأمر قضائي" وهذا ما أكدته المادة (11) من القانون الأساسي والتي تنص على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة ولا تمس، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون، أي بموجب أمر صادر من القضاء المختص. وبموجب قانون الإجراءات الجزائية، فإن تلك الأوامر لا تصدر إلا عن القضاء أو النيابة العامة.
ولفتت "الحق" إلى استدعاء جهاز الأمن الوقائي للصحافية الزميلة، نائلة خليل، يوم الأربعاء الماضي، من خلال استدعاء خطي تم إلغاؤه بعد ذلك، بالإضافة إلى استدعاء الصحافية راما يوسف، والصحافي علي عبيدات، عبر اتصال هاتفي من ذات الجهاز، وتم إلغاؤه لاحقاً، كذلك استدعاء الصحافي محمد عوض، واحتجاز الصحافي عبد المحسن شلالدة من قبل جهاز المخابرات العامة خلال عمله الصحافي في مدينة بيت لحم جنوب الضفة.
وكانت الأجهزة الأمنية قد استدعت أول أمس الجمعة في قطاع غزة كلاًّ من رسام الكاريكاتير، إسماعيل البزم والكاتب عبد الله أبو شرخ، للمقابلة، وجرى إخلاء سبيلهما، ولا تزال تعتقل مراسل تلفزيون فلسطين فؤاد جرادة بينما أفرجت عن الصحافي عامر بعلوشة المعتقل لدى الأمن العام منذ 14 يوماً.
ولفتت "الحق" إلى أن صفة الضبط القضائي، التي منحها قانون الإجراءات الجزائية وقوانين الأجهزة الأمنية تتعلق بإجراءات البحث والتحري وجمع الاستدلالات، ولا تخولها باستدعاء أي شخص خطياً أو شفهياً دون وجود "مذكرة قضائية" بحوزة مأمور الضبط القضائي خلال تنفيذ عملية الاستدعاء.
وأضافت المؤسسة "بخلاف ذلك، فإننا أمام إجراء غير دستوري ينتهك أحكام نص المادة (11) من القانون الأساسي. إن صفة الضبط القضائي هي (شرط مسبق) لتنفيذ الأمر القضائي المكتوب الذي ينبغي أن يكون بحوزة مأمور الضبط القضائي عند تنفيذ الاستدعاء".
وتابعت "إن تجاوز الأمر القضائي في الاستدعاءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية يشكل جريمة دستورية موصوفة في المادة (32) من القانون الأساسي، والتي تنص على أن كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوة الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر"، وفق ما ذكرته المؤسسة.
وأكدت أن رفض التعامل مع تلك الاستدعاءات غير الدستورية وغير القانونية الصادرة عن الأجهزة الأمنية، هو الخيار الذي ينبغي على الصحافي أو المواطن العادي اتباعه، التزاماً بمبدأ سيادة القانون، وتكريساً له، وهذه الضمانة الإجرائية الدستورية ينبغي التمسك بها من قبل نقابة الصحافيين في دفاعها عنهم وعدم الاكتفاء بإشعارها باستدعاءات غير دستورية والتأكيد على حق الصحافيين في عدم التعامل معها ودعم هذا الحق.
وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الاستدعاءات تأتي في خضم الاعتراضات الواسعة على قانون الجرائم الإلكترونية رقم (16) لسنة 2017 الذي جرى إقراره مؤخراً وما سبقه من حجب للعديد من المواقع الإلكترونية بقرار من النائب العام، واستدعاءات في قطاع غزة على خلفية "التخابر مع رام الله" و"إساءة استخدام التكنولوجيا"، ما يدل على أن تلك الإجراءات التعسفية التي اتخذت بحق الصحافيين تنطوي على انتهاكات لحرية التعبير عن الرأي المكفولة بموجب المادة (19) من القانون الأساسي والمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ولفتت إلى أنه على الرغم من استباحة القرار بقانون بشأن الجرائم الإلكترونية لحرية الرأي والتعبير وللحق في الخصوصية في العديد من نصوصه وأحكامه؛ ولا سيما باستخدام مصطلحات تجريم فضفاضة من قبيل (النظام العام، الآداب العامة، الأمن القومي، السلم الاجتماعي...) بما يجعل من الصعب قياس سلوك الأفراد عليها ويجعلها عرضة للعديد من التفسيرات على حساب مبدأ الشرعية ومقتضياته، إلا أن القرار بقانون لم يعط الأجهزة الأمنية صلاحية استدعاء أي مواطن دون أمر قضائي. كما أشارت إلى أن تلك الاستدعاءات لا تستند إلى أساس قانوني يبررها فإنها تشكل "احتجازاً تعسفياً" وفقاً لتصنيف فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي وتنتهك بذلك أحكام نص المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه دولة فلسطين.
وطالبت مؤسسة "الحق" بوقف الاستدعاءات غير الدستورية التي يتعرض لها الصحافيون من قبل الأجهزة الأمنية، والتي تصاعدت وتيرتها مؤخراً، وإخلاء سبيل كافة الصحافيين المحتجزين تعسفياً وإنصافهم، بالإضافة إلى ضرورة استخدام النائب العام صلاحياته المبينة في قانون الإجراءات الجزائية باعتباره المشرف على مأموري الضبط القضائي، وذلك من خلال طلب مساءلتهم تأديبياً دون الإخلال بالمساءلة الجزائية.
كما دعت المؤسسة إلى العدول عن قرارات حجب المواقع الإلكترونية كونها تنتهك أحكام القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ووقف العمل بقرار قانون الجرائم الإلكترونية الذي جرى إقراره، دون مشاركة المجتمع المدني، لانتهاكه الصارخ لحرية التعبير عن الرأي والحق في الخصوصية، وإعادة طرحه للنقاش المجتمعي.