"الحضارة أمّي": عودة الحياة إلى مغرب الثلاثينيات

19 سبتمبر 2015
(الشرايبي في فرنسا، أيار 1995، تصوير: لويس مونييه)
+ الخط -

صدرت رواية "الحضارة أمي" للكاتب إدريس الشرايبي بالفرنسية سنة 1972، وترجمها مؤخّراً إلى العربية المترجم والكاتب المغربي سعيد بلمبخوت، حيث صدرت عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت، ضمن سلسلة "إبداعات عالمية".

تتميّز كتابات الشرايبي (1926 - 2007) عموماً، وهذه الرواية على الخصوص، ببساطتها واقترابها من الواقع. يوظّف الكاتب جملاً قصيرة جداً ولغة سهلة وأسلوباً سلساً، مثلما يجنح نحو السخرية كآلية لوصف موقف وتحديد معالم شخصية في الرواية، أو فقط من أجل الانتقاد، إذ تحتوي "الحضارة أمي" على العديد من المواقف الساخرة التي استوحاها من الواقع الشعبي المغربي ونقلها إلى الفرنسية بحرفية شديدة.

تدور أحداث الرواية في المغرب في الثلاثينيات، حول أخوين من عائلة بورجوازية متشبّثة بالتقاليد، يسعيان إلى إخراج أمهما من تقوقعها وعزلتها، وبالتالي انفتاحها على ما يسمى بالحضارة. ينقسم العمل إلى جزأين: الأول "كيف كانت" والثاني "كيف أصبحت"، حيث يتتبّع الراويان التغيّرات التي حدثت للشخصية المحورية، الأم.

في الجزء الأول، يتكفّل الابن الأصغر بعملية السرد ووصف الأم وتقديمها وتحديد سمات شخصيتها وظروف طفولتها وزوجها المبكر، ثم ينتقل إلى وصف عصرها وبدايات دخول المذياع والهاتف، وهي الأدوات التي ستمكّنها من العالم الخارجي لتغادر عزلتها الوجودية والمعرفية في ما بعد.

أمّا الجزء الثاني، فيرويه الابن الأكبر، وفيه ينتقل فيه إلى وصف الأم المتحرّرة التي تحصّلت على شهادات علمية وتحوّلت إلى سيدة مجتمع ومناضلة في حقوق المرأة المغربية، وراحت تجوب أنحاء البلاد، خلال الحرب العالمية الثانية، من أجل توعية النساء، ويذهب طموحها، في هذا السياق، إلى رغبتها في الالتقاء بالجنرال دوغول. ستقيم أيضاً موائد مستديرة تنقل من خلالها أفكارها وتصوراتها إلى المجتمع.

في أحد حواراته التلفزيونية قال الشرايبي: "كم تمنّيتُ أن أكتب باللغة العربية". ويبدو أن ذلك كان دافعاً أساسياً لقيام بلمبخوت بترجمة روايته هذه، والتي اعتبرها محاولة من الكاتب للبحث عن إجابات لسؤاله الوجودي؛ حيث يحاول الابن مساعدة أمه للخروج من عزلتها. كتب قائلاً: "حرصتُ على كتابة تلك الكلمات التي كان سيخطّها إدريس الشرايبي لو تكلّم بلسان عربي".

هذه الترجمة أحيت من جديد رواية صدرت منذ أكثر من أربعين عاماً، وتروي سياقاً تاريخياً يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا من إيجابيات الترجمة في بعثها للنصوص الأصلية من جديد، كما يقول الباحث عبد السلام بنعبد العالي في كتابه "في الترجمة" ("دار توبقال" 2006): "فالترجمة هي التي تنفخ الحياة في النصوص وتنقلها من ثقافة إلى أخرى، والنص لا يحيا إلا لأنه قابل للترجمة، وغير قابل للترجمة في الوقت ذاته. فإذا كان في الإمكان ترجمة ما ترجمة نهائية، فإنه يموت، يموت كنص وكتابة".

من خلال مقارنتها بالنص الأصلي، تبدو الترجمة العربية للرواية وقد أضاءت روح النص، رغم الصعوبات التي تعترض المترجم عموماً والمترجم الأدبي بشكل خاص. اعتمد بلمبخوت، بشكل أساسي، على الترجمة الحرفية التي كانت اختياراً صائباً، فهي تبقى وفية للنص الأصلي ولا تخالف نظام اللغة الهدف، ويتقيد فيها المترجم ببنيات لغة الوصول.

كما استعمل استراتيجيات أخرى؛ مثل الترجمة عن طريق الزيادة والترجمة عن طريق الحذف والترجمة عن طريق التكييف. وإجمالاً، نجح المترجم في اختيار الآليات، واستخدم لغة بسيطة تقابل لغة النص الأصلي، لا تخلو من سمات فنية وجمالية نقلها بسلاسة متناهية.

المساهمون