لعل القارئ العربي، بحكم تركيز المترجمين منذ ثلاثة عقود على روائيّي الواقعية السحرية، صار يختزل أدب أميركا اللاتينية بهذا التيار الأدبي.
ومع وفاة أبرز رموزه بدأ يذهب في ظن البعض أن العصر الذهبي لأدب أميركا اللاتينية آخذ بالأفول، وهو حكم خاطئ ناتج عن خلل في عملية الترجمة نحو العربية أكثر مما هو ناتج عن وقائع.
الترجمة الأخيرة التي أنجزها اسكندر حبش لرواية "الحديقة الخربة" للكاتب المكسيكي خورخي فولبي (1968)، عن "منشورات الجمل" تمثّل، مع غيرها من المحاولات، مراجعة لهذه القناعة. ففولبي نموذج من جيل ما بعد غابرييل غارسيا ماركيز وماريو فارغاس يوسا وغيرهما.
اختار أبناء هذا الجيل توجّهين؛ بعضهم فضّل أن يسير في نفس الطريق الذي عبّده لهم الجيل السابق، في حين أن آخرين اختاروا العكس، ومنهم فولبي، ليتحاشوا عوالم الواقعية السحرية ويتّجهوا صوب فضاءات أخرى.
ينتمي فولبي إلى ما يعرف اليوم بـ "جيل كراك"، وهي مجموعة أدبية تُنظّر للقطيعة مع "نجومية" روائيّي القرن العشرين. من أهم أسماء هذه المجموعة ايغنثيو باديا وفيثانتي هاراستي وريكاردو شافيز كاستانيدا وإيلوي أوروث وبيدو بالو.
تكشف بيانات المجموعة أن "الواقعية السحرية ليست جزءاً مكوّناً للشخصية الأدبية الأميركية اللاتينية، بل إنها شكل أدبي على مقاس انتظارات المركزية الغربية"، كما يرون أن هذا التيار الأدبي المهيمن في قارّتهم قد "غرق في النمطية" ولا بدّ اليوم من تقديم أعمال تتجاوزه.
بدأت تجربة فولبي الروائية في عام 1994 حين نشر رواية "يوم غضب"، ثم انقطع عن النشر حتى 1999 مع تبلور فكرة "جيل كراك" فأصبح يُصدر رواياته بانتظام مثل "البحث عن كليغزور" و"أزمنة الرماد" و"نهاية الجنون"، وآخر روايته "الفتوّات" (2014).
أما روايته "الحديقة الخربة"، التي تصل إلى اللغة العربية بعد أن تُرجمت إلى معظم اللغات الأوروبية، فقد صدرت سنة 2008. تتقاطع هذه الرواية طبيعياً مع العالم العربي، باعتبار أن جزءاً من أحداثها يدور في العراق، عدد من أبرز شخصياتها عرب. هذا الانفتاح على العالم يعدّ واحداً من خصائص "كراك" الذي يشتغل عليها أعضاؤها.
في أحد حواراته مع جريدة فرنسية، يقول فولبي: "إن الأدب مثل السياسة ينبغي أن تتجمع فيه كل المعارف". من هنا نلاحظ لدى الكاتب المكسيكي نزعة لإقحام الروح العلمية والتكنولوجية إلى أعماله، واهتماماً بتاريخ يقع بعيداً عن موطنه الأصلي و"أساطيره".