في الجدارية الشهيرة التي رسمها رافائيل، في القرن السادس عشر، يظهر ابن رشد إلى جانب أبيقور وينظر من فوق كتف فيثاغورس. وقد أثار وجود الفيلسوف الأندلسي بملامحه العربية بين فلاسفة إغريق تساؤل مؤرخي الفن: لماذا رسمه رافائيل هنا؟ وكثيراً ما كان الرد على مثل هذا الاستغراب أن إعادة اكتشاف الفلسفة الكلاسيكية من أفلاطون وأرسطو في أوروبا لا يمكن تصوّرها من دون المكتبات الإسلامية ومن دون العلماء والفلاسفة المسلمين، فكان رافائيل - بوضعه ابن رشد بين فلاسفة الإغريق - يعترف بطريقته بهذا الفضل.
ليس هذا فقط، بل إن الإسلام سمح باستيعاب الثقافات المختلفة للشعوب التي اعتنقته من الهندية والفارسية وغيرها، فإسلام ما قبل الحداثة (الأوروبية) سمح للجميع بالتمتع بتأثيرات الجميع تحت مظلته، وفقاً للباحث الألماني توماس باور، أو كما يقول فرانك غريفيل عن تلك الحقبة "لقد كان مجتمعاً لم يكن فيه اتجاه سائد".
واليوم، وبينما يجري إظهار الإسلام غير منسجم مع التنوير في التصوّرات الغربية، يأتي معرض "التنوير المنسي: قصص مجهولة عن الإسلام في الفن المعاصر"، والذي يقام حالياً في "مركز الفن المعاصر" في لايبزغ الألمانية ويتواصل حتى 19 من الشهر الجاري، ليناقش من خلال أعمال فنانين من بلدان إسلامية مختلفة هذه الأفكار عن التعددية والتنوير والهوية.
وفقاً لبيان القيمة على المعرض، المصرية إلهام خطاب، فإنه وفي أعقاب حقبة الاستعمار الأوروبية، بذلت المجتمعات الإسلامية جهودًا كبيرة للتكيف مع النموذج الأوروبي في سبيل التقدم والتحديث والتصنيع والتعليم - وأحياناً تمّ ذلك بإنكار الذات. وبهذا المعنى، فإن الإسلام الأصولي هو طفل الحداثة الأوروبية، ويرفض التحديث الغربي بقدر ما بات يرفض تنوع المجتمعات الإسلامية التي عرفته ما قبل الحداثة.
يسائل هذا المعرض الإرث الإسلامي؛ ماذا يحمل هذا الموروث الغني للفنان المعاصر اليوم؟ وهل يمكن العمل على الأشكال الكلاسيكية مثل الحلي والفسيفساء ومسرح الظل والمنمنمات المعاصرة وتوسيعها باستخدام تقنيات جديدة مثل الفيديو والكمبيوتر وفن الصوت؟ كيف يدافع الفنانون الشباب عن أنفسهم ضد الاستبداد والخطاب السائد وكذلك ضد الأدوار النمطية للجندر والأصل والإيمان؟
تحضر في المعرض أعمال فنانين معاصرين من العراق وإيران والجزائر وسورية وإندونيسيا وباكستان والمغرب، ومنهم: عادل عابدين، وأزادة أخلاقي، وسارة العبدلي، وفريال بنجمعة، ومناف حلبوني، وعبد الله محمد حساك، وزهرة حسين، وسكينة جوال، ويارا مكاوي، ومهرين مرتضى، وعمران قريشي. وهؤلاء فنانون أخذوا تأثيرات الفن الإسلامي على أعمالهم إلى آفاق جديدة بعيدة، واختاروا موضوعات جدلية لها علاقة بازدواجية الهوية والتعددية والعلاقة بالآخر، وهم في أغلبهم قد ولدوا في بلدان أوروبية دون أن ينفي ذلك مرجعياتهم الشرقية، ويظهر هذا الاندماج الكلي بين الهويتين أو التضاد بينهما في أعمالهم بشكل أو بآخر.