"الإخوان" والخيال السياسي

21 يونيو 2015

.. بعد اعتداء على مقر "الإخوان" في القاهرة (ديسمبر/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -
ما إن تم طرح بيان مفوض العلاقات الدولية في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، يوسف ندا، والذي أطلق عليه بعضهم مبادرة، إلا وتبارى الجميع لرفع حالة الثورية والحفاظ على الحقوق الضائعة، ومن أشد مهاجمي تلك المبادرة كانوا قادة الإخوان وبعض المفكرين المناوئين للانقلاب العسكري في مصر. وللأسف، افتقد معظمهم الموضوعية، ووجدها بعضهم فرصة مواتية لتثبيت أقدامه في قيادة المرحلة، وإثبات ثوريته، مزايداً على الدماء التي سالت، على الرغم من أن المبادرة أكدت أنها موجهة للمخلصين من داخل الجيش، من دون من تلوثت أيديهم بالدماء، ومؤكدة الشرعية، حيث قال نصاً (لا أدّعي أن الجيش المصري فاقد الوطنية وفاسد، ولكن، أقول، بوضوح، إن بعض قياداته المتحكمة فيه هي كذلك)، ثم أكد التمسك بالشرعية قائلاً (وأقول لكم إن تمسّكنا بالشرعية لحمايتكم، وحماية ذريتكم، وأبناء مصر جميعاً، من المصير الذي تجرفنا هذه الفئة إليه). ومن يقرأ هذا الخطاب يعلم أنه ليس مبادرة كاملة، بل أساس ومبادئ لتشكيل المبادرة، والتخلص من الانسداد السياسي في مصر، ولم تتطرق المبادرة إلى التخلي عن دماء الشهداء أو التفاوض عليها. 
ومن حق الجميع أن يرفض المبادرة، وأن يعدل عليها بالحذف أو الإضافة. ولكن، أن يرفضها أحدهم، لأن من يطرحها لم يعرضها على قيادة الجماعة، أو أنه بلغ من العمر أرذله، كما قال أحدهم، فليس لجيله أن يفكر لمصر، وليترك الساحة للشباب، أي شباب، فهذه شخصنة للقضية، كما أنها تدل على حالة الانقسام داخل جماعة الإخوان، لأن ندا قال إنه عرضها على قادة الجماعة، وعدّلوا صياغتها، على حد تعبيره في المداخلة التليفزيونية لقناة الجزيرة، في حين قال بعض قادتهم إنها لم تعرض عليهم، وهاجموها وكأنها تضحي بدماء الشهداء، وأصدر المتحدث الإعلامي للجماعة بياناً حمّل المبادرة ما لا تحتمل، فقال نصاً (أتتصالح أسر الشهداء مع من قتلهم؟ أيتصالح الشعب الفقير مع من أفقره؟) علماً بأن فحوى المبادرة المرفوضة وصمت قادة العسكر بعدم الوطنية والفساد.

وهذا الرفض للمبادرة من دون وجود تصور واضح لإنهاء معركة الاستنزاف التي يدفع ثمنها الجميع يدلل على وجود حالة من ضمور الخيال السياسي لدى بعضهم، والاكتفاء بالنظر إلى اللحظة الراهنة فقط مع عبارات الثورية التي تشجي السامع، والتمثيل الجيد لذلك تصدير بيان المتحدث الإعلامي السابق الإشارة إليه بعبارة (ثورتنا لا تعرف المصالحة)، فماذا تعرف إذاً؟ فهل يعتقد أحد أن العسكر عندما يجدون الثورة ملتهبة، والقتلى بالآلاف، سيعضون أصابع الندم، ويتوجهون صفوفاً إلى المشانق راغبين؟ أم أن بديلهم سيكون النموذج السوري؟ وسيكون حليفهم، إن لم تكن الإمارات وأميركا، ستكون إيران وروسيا. ولا يخفى على ذي عقل أن العسكر لن يتركوا الحكم، ولو ضحوا بنصف الشعب، كما فعل بشار، والعالم الخارجي لن يتحرك، إلا إذا تهددت مصالحه، والرهان على إزاحة الانقلاب بالاستمرار في حالة الإفشال والإرباك فقط، (أضع تحت فقط خطين) رهان فاشل، فعلى الثوار أن يتحدوا وعلى جماعة الإخوان سرعة تدارك انقسامها الواضح للعيان، قبل أن يفيق العسكر من الضربات المتتالية عليهم.
وللأسف، أظهرت المبادرة أن الإخوان المسلمين انقسموا إلى فريقين، يفتقد أحدهما الرؤية والخيال السياسي لكيفية الحسم، والآخر يفتقد الثورية وسرعة اتخاذ القرار، ومبادرة ندا، من وجهة نظر الكاتب، أساس جيد لتصحيح وضعيهما.
لا يدعو الكاتب للمصالحة غير محددة المعالم، أو التي تفتقد إلى ثوابت الثورة من شرعية الرئيس والمؤسسات المنتخبة والدستور، أو التنازل عن حق الشهداء. ولكن، لا ينبغي المتاجرة بتلك الحقوق لسفك المزيد من الدماء، من دون وجود سقف لذلك، ولا ينبغي أن يكون سقوط الضحايا هدفاً في حد ذاته، ولا ينبغي رفض مبدأ المصالحة، إذا كان متجاوزاً لمن تلوثت أيديهم بالدماء، ولا يعني مفهوم تطهير مؤسسة الجيش معاداة كل الجيش، فهذا تدمير للوطن.
رتابة الوضع الحالي، على الرغم من نجاحه في إفشال الانقلاب وإرباكه، جعلت الملف المصري يتراجع عالمياً، وكما قال الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، المقرب من صناع القرار في المملكة العربية السعودية، لصحيفة الشرق القطرية، أخيراً، "الحالة المصرية ليس فيها شدة وتداع مثل الحالة اليمنية،... ولا يوجد أمام القيادة السعودية الآن ملف يسمى الملف المصري، بينما أمامها الملفات، اليمني والسوري، والعراقي".
تحتاج الحالة الراهنة، على الرغم من نجاحها، إلى ما بعدها، للوصول إلى حالة الحسم. وذلك لن يتم إلا بفعل ثوري مبدع، يعيد الملف المصري إلى الصدارة، ويشكل تهديداً على الممولين والداعمين، فيسارعوا برفع الغطاء المالي والسياسي عن قادة الانقلاب، حفاظاً على مصالحهم، أو بإلقاء حجر لتحريك الماء الراكد سياسياً، من خلال مبادرات أو تحركات غير تقليدية، تتميز برفع سقف الخيال السياسي.