19 نوفمبر 2024
"الإخوان" في الانتخابات الأردنية... إشارات ودلالات
حصلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في الانتخابات النيابية، الأسبوع الماضي، على عشرة مقاعد فقط، بالإضافة إلى خمسةٍ لحلفائهم في التحالف الوطني للإصلاح، من أصل 130 مقعداً، واعتبرت النتيجة جيدة وإيجابية، نظراً لأعوام طويلة من مقاطعة العملية الانتخابية، وبعد مصادرة الوجود القانوني للجماعة الأم، وعلى إثر مخاض كبير مرّت به الجماعة على صعيد الخلافات الداخلية والانشقاقات التي أكلت كثيراً من رصيد الجماعة.
الإيجابيات التي تحققت للجماعة كثيرة، أهمها العودة إلى الحياة السياسية، وتجاوز عنق الزجاجة، عبر تأكيد شرعية وجود الجماعة، والحصول على حضورٍ تحت قبة البرلمان، والقفز عن مربع المراوحة في الخلافات الداخلية والانقسامات والأزمة الطاحنة التي استنزفت سجالات أبناء الحركة خلال الأعوام السابقة.
ثمّة تطورات أخرى مهمة، مثل التأكد من استمرار قدرة الجماعة على نسج تحالفاتٍ سياسيةٍ كبيرة، وتطوير شعارات الجماعة إلى الوجهة الوطنية، فتخلت الجماعة عن شعار الإسلام هو الحل، وفي مهرجاناتها المركزية حوّلت الهتافات إلى الجانب السياسي الوطني، بعيداً عن الهتافات التقليدية للجماعة. وفي المقابل، هنالك إشارات تستحق الاهتمام والانتباه فيما يخص مشاركة الجماعة ونتائجها:
أولاً، صحيح أنّ الجماعة حافظت على حضور جيد لها في مدينة عمّان التي تمثّل الكتلة السكانية الكبرى في البلاد، إلا أنّ الجماعة تراجعت في محافظة الزرقاء نسبياً، وهي التي كانت تمثّل معقلاً لها. والأهم أنّها تراجعت كثيراً وبصورة سافرة في محافظة إربد التي كانت، هي الأخرى، تمثّل معقلاً أساسياً للجماعة، فلم ينجح منها إلا مرشح واحد، غير محسوبٍ على تحالفها الانتخابي، بينما سقطت قائمتها، والقيادات التي فيها لم تحصل على نتائج مهمة.
ثانياً، هنالك غياب غير مسبوق، تاريخياً، لقوائم الجماعة في المحافظات، فلم تخض الانتخابات بصورة جدية في محافظات الكرك والطفيلة ومعان والعقبة وعجلون ومأدبا، وغلب على قائمة الجماعة الوحيدة في محافظة البلقاء مرشحو مخيم البقعة للاجئين، وألغيت القائمة التابعة لها في السلط، بعدما تأكدت قيادة الجماعة أنّها لن تتمكّن من الحصول على نتائج مهمة.
عملياً، نجح من أغلب محافظات المملكة المذكورة، ذات الطبيعة الشرق أردنية، اثنان فقط، هدى العتوم (جرش)، وإبراهيم السيد (وهو عن مخيم البقعة)، أي أنّ هنالك انهيارا كاملا لوجود الجماعة في هذه المحافظات. صحيح أنّ وجودها في المحافظات بدأ يضعف خلال الأعوام الماضية، بصورة خاصة من عقد التسعينيات، تحت تأثير سياساتٍ رسمية أيضاً، لكن لم يحصل أن وصل الأمر إلى هذه الدرجة من انعدام الحضور، في أي انتخاباتٍ سابقة، ما يعكس أثر الانشقاقات الداخلية الكبرى في الجماعة، والتي حدثت غالباً لدى الجناح المعتدل، ذي الخلفية الشرق أردنية غالباً، بداية من 1997، وما نجم عنه من تأسيس حزب الوسط الإسلامي لاحقاً، أو مبادرة زمزم أخيراً، وتأسيس حزبها الخاص، أو تأسيس جمعية جديدة للإخوان المسلمين، أو الخلافات التي لا تزال قائمة بين جناح الحكماء والقيادة الحالية في الجماعة، فهنالك خلل ملحوظ وكبير في التوازنات داخل البنية الاجتماعية للجماعة، ظهر جلياً في الانتخابات النيابية أخيراً.
ثالثاً، من عشرة مرشحين فائزين للجماعة نجحت ثلاث مرشّحات، إحداهن (هدى العتوم) تجاوزت الكوتا النسائية، أي أنّنا نتحدث عن نسبة 30% من نواب الإخوان وجبهة العمل الإسلامي هن من النساء، وهذا تحول مهم في موازين القوى الجندرية داخل الجماعة أيضاً، ومؤشر على الدور البارز الذي بدأت تلعبه المرأة، لكنّه، في الوقت نفسه، لم ينعكس بصورة واضحة داخل الأطر القيادية في الجماعة والجبهة، وما تزال محاولات إشراك المرأة في هذه المؤسسات الداخلية تأخذ طابعاً تجميلياً شكلياً، وليس جوهرياً، بما لا يتوازن ولا ينسجم مع الدور الكبير الذي بدأت تلعبه المرأة في الأطر داخل الجماعة والحزب.
رابعاً، على الرغم من أنّ الجماعة عملت على تطوير شعاراتها، كما ذكرنا، إلاّ أنّ ذلك أيضاً على صعيد شكلي عابر، وليس جوهرياً ولا بنيوياً، بصورة واضحة، ودلالة هذه النتيجة مرتبطة بغياب البرنامج العملي لدى تحالف الإصلاح للانتخابات، وغياب أي طرح واقعي واضح للمشكلات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. بل يجد من راقب الانتخابات، وحملات الجماعة الفرعية ومهرجاناتها، مشكلةً حقيقية في مستوى الإدراك لدى المرشحين ونوعيتهم، وسيجد أنّ الجماعة ما تزال تعتمد في خطابها على الدعاية الدينية ودغدغة العواطف، والشعارات والحشد أكثر من الخطاب العقلاني المتزن، وتمّ استخدام معركة المناهج المدرسية بكثافة من مرشّحي الجماعة في التلويح بأن هناك أجندات تستهدف هوية الدولة والمجتمع، من دون تقديم قراءة معمقة أو علمية من الحملة الانتخابية لما تغير في المناهج، وما هو المطلوب من أجل تطوير التعليم مع الحفاظ على الهوية، كما يذكرون، وكان هنالك تركيز على الأزمات الراهنة، البطالة، ارتفاع الأسعار، الحريات العامة، من دون تقديم إجاباتٍ وحلولٍ علمية وعملية.
خامساً، يرتبط بالنقطة السابقة التراجع في مستوى الوعي السياسي والخبرة لدى مرشّحي الجماعة، مقارنةً بما كانت عليه الحال سابقاً، فكان هنالك، في العادة، مرشحون صقور بخطابات أيديولوجية وعاطفية ومرشحون براغماتيون، لديهم الحنكة والحكمة والوعي السياسي، فبينما غاب الاتجاه الثاني العقلاني الواقعي المسيس عن الانتخابات، بقي مرشحون صقور ومجموعة جديدة تفتقر إلى التسييس والحدّ الأدنى من الوعي السياسي، ما يظهر نتائج تفكّك التيار المعتدل البراغماتي في الجماعة، وتهميشه عبر المراحل السابقة.
من الطرائف التي سمعتها في أثناء الحملات الانتخابية من مرشحة خاسرة أنّها تحدثت عن سبب نزولها من أجل "تعديل القوانين التي في الدستور وتخالف الشريعة الإسلامية"، وهذه جملة بحدّ ذاتها تشير إلى غياب أدنى درجات المعرفة والثقافة لدى هذه المرشّحة بقواعد العملية التشريعية والتمييز بين التشريعات (الدستور والقوانين)، فيما مرشحون آخرون في الجماعة (لم ينجحوا) إلى الآن غير مقتنعين بالدولة الديمقراطية، ويعتبرونها أداةً، وليست هدفاً نهائياً.
بالضرورة، تطوّر خطاب الجماعة بالمجمل وعموماً عن المراحل السابقة، ومشاركتهم إيجابية، لكن، هناك مراحل متعدّدة ومسار طويل مطلوب من الجماعة، لكي تتطور بنيوياً وبصورة جوهرية، وليس فقط تحسينات شكلية.
الإيجابيات التي تحققت للجماعة كثيرة، أهمها العودة إلى الحياة السياسية، وتجاوز عنق الزجاجة، عبر تأكيد شرعية وجود الجماعة، والحصول على حضورٍ تحت قبة البرلمان، والقفز عن مربع المراوحة في الخلافات الداخلية والانقسامات والأزمة الطاحنة التي استنزفت سجالات أبناء الحركة خلال الأعوام السابقة.
ثمّة تطورات أخرى مهمة، مثل التأكد من استمرار قدرة الجماعة على نسج تحالفاتٍ سياسيةٍ كبيرة، وتطوير شعارات الجماعة إلى الوجهة الوطنية، فتخلت الجماعة عن شعار الإسلام هو الحل، وفي مهرجاناتها المركزية حوّلت الهتافات إلى الجانب السياسي الوطني، بعيداً عن الهتافات التقليدية للجماعة. وفي المقابل، هنالك إشارات تستحق الاهتمام والانتباه فيما يخص مشاركة الجماعة ونتائجها:
أولاً، صحيح أنّ الجماعة حافظت على حضور جيد لها في مدينة عمّان التي تمثّل الكتلة السكانية الكبرى في البلاد، إلا أنّ الجماعة تراجعت في محافظة الزرقاء نسبياً، وهي التي كانت تمثّل معقلاً لها. والأهم أنّها تراجعت كثيراً وبصورة سافرة في محافظة إربد التي كانت، هي الأخرى، تمثّل معقلاً أساسياً للجماعة، فلم ينجح منها إلا مرشح واحد، غير محسوبٍ على تحالفها الانتخابي، بينما سقطت قائمتها، والقيادات التي فيها لم تحصل على نتائج مهمة.
ثانياً، هنالك غياب غير مسبوق، تاريخياً، لقوائم الجماعة في المحافظات، فلم تخض الانتخابات بصورة جدية في محافظات الكرك والطفيلة ومعان والعقبة وعجلون ومأدبا، وغلب على قائمة الجماعة الوحيدة في محافظة البلقاء مرشحو مخيم البقعة للاجئين، وألغيت القائمة التابعة لها في السلط، بعدما تأكدت قيادة الجماعة أنّها لن تتمكّن من الحصول على نتائج مهمة.
عملياً، نجح من أغلب محافظات المملكة المذكورة، ذات الطبيعة الشرق أردنية، اثنان فقط، هدى العتوم (جرش)، وإبراهيم السيد (وهو عن مخيم البقعة)، أي أنّ هنالك انهيارا كاملا لوجود الجماعة في هذه المحافظات. صحيح أنّ وجودها في المحافظات بدأ يضعف خلال الأعوام الماضية، بصورة خاصة من عقد التسعينيات، تحت تأثير سياساتٍ رسمية أيضاً، لكن لم يحصل أن وصل الأمر إلى هذه الدرجة من انعدام الحضور، في أي انتخاباتٍ سابقة، ما يعكس أثر الانشقاقات الداخلية الكبرى في الجماعة، والتي حدثت غالباً لدى الجناح المعتدل، ذي الخلفية الشرق أردنية غالباً، بداية من 1997، وما نجم عنه من تأسيس حزب الوسط الإسلامي لاحقاً، أو مبادرة زمزم أخيراً، وتأسيس حزبها الخاص، أو تأسيس جمعية جديدة للإخوان المسلمين، أو الخلافات التي لا تزال قائمة بين جناح الحكماء والقيادة الحالية في الجماعة، فهنالك خلل ملحوظ وكبير في التوازنات داخل البنية الاجتماعية للجماعة، ظهر جلياً في الانتخابات النيابية أخيراً.
ثالثاً، من عشرة مرشحين فائزين للجماعة نجحت ثلاث مرشّحات، إحداهن (هدى العتوم) تجاوزت الكوتا النسائية، أي أنّنا نتحدث عن نسبة 30% من نواب الإخوان وجبهة العمل الإسلامي هن من النساء، وهذا تحول مهم في موازين القوى الجندرية داخل الجماعة أيضاً، ومؤشر على الدور البارز الذي بدأت تلعبه المرأة، لكنّه، في الوقت نفسه، لم ينعكس بصورة واضحة داخل الأطر القيادية في الجماعة والجبهة، وما تزال محاولات إشراك المرأة في هذه المؤسسات الداخلية تأخذ طابعاً تجميلياً شكلياً، وليس جوهرياً، بما لا يتوازن ولا ينسجم مع الدور الكبير الذي بدأت تلعبه المرأة في الأطر داخل الجماعة والحزب.
رابعاً، على الرغم من أنّ الجماعة عملت على تطوير شعاراتها، كما ذكرنا، إلاّ أنّ ذلك أيضاً على صعيد شكلي عابر، وليس جوهرياً ولا بنيوياً، بصورة واضحة، ودلالة هذه النتيجة مرتبطة بغياب البرنامج العملي لدى تحالف الإصلاح للانتخابات، وغياب أي طرح واقعي واضح للمشكلات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية. بل يجد من راقب الانتخابات، وحملات الجماعة الفرعية ومهرجاناتها، مشكلةً حقيقية في مستوى الإدراك لدى المرشحين ونوعيتهم، وسيجد أنّ الجماعة ما تزال تعتمد في خطابها على الدعاية الدينية ودغدغة العواطف، والشعارات والحشد أكثر من الخطاب العقلاني المتزن، وتمّ استخدام معركة المناهج المدرسية بكثافة من مرشّحي الجماعة في التلويح بأن هناك أجندات تستهدف هوية الدولة والمجتمع، من دون تقديم قراءة معمقة أو علمية من الحملة الانتخابية لما تغير في المناهج، وما هو المطلوب من أجل تطوير التعليم مع الحفاظ على الهوية، كما يذكرون، وكان هنالك تركيز على الأزمات الراهنة، البطالة، ارتفاع الأسعار، الحريات العامة، من دون تقديم إجاباتٍ وحلولٍ علمية وعملية.
خامساً، يرتبط بالنقطة السابقة التراجع في مستوى الوعي السياسي والخبرة لدى مرشّحي الجماعة، مقارنةً بما كانت عليه الحال سابقاً، فكان هنالك، في العادة، مرشحون صقور بخطابات أيديولوجية وعاطفية ومرشحون براغماتيون، لديهم الحنكة والحكمة والوعي السياسي، فبينما غاب الاتجاه الثاني العقلاني الواقعي المسيس عن الانتخابات، بقي مرشحون صقور ومجموعة جديدة تفتقر إلى التسييس والحدّ الأدنى من الوعي السياسي، ما يظهر نتائج تفكّك التيار المعتدل البراغماتي في الجماعة، وتهميشه عبر المراحل السابقة.
من الطرائف التي سمعتها في أثناء الحملات الانتخابية من مرشحة خاسرة أنّها تحدثت عن سبب نزولها من أجل "تعديل القوانين التي في الدستور وتخالف الشريعة الإسلامية"، وهذه جملة بحدّ ذاتها تشير إلى غياب أدنى درجات المعرفة والثقافة لدى هذه المرشّحة بقواعد العملية التشريعية والتمييز بين التشريعات (الدستور والقوانين)، فيما مرشحون آخرون في الجماعة (لم ينجحوا) إلى الآن غير مقتنعين بالدولة الديمقراطية، ويعتبرونها أداةً، وليست هدفاً نهائياً.
بالضرورة، تطوّر خطاب الجماعة بالمجمل وعموماً عن المراحل السابقة، ومشاركتهم إيجابية، لكن، هناك مراحل متعدّدة ومسار طويل مطلوب من الجماعة، لكي تتطور بنيوياً وبصورة جوهرية، وليس فقط تحسينات شكلية.