"الأيرلندي" لسكورسيزي: اعترافات قاتل جيمي هوفا في الستينيات

15 سبتمبر 2019
روبرت دي نيرو أثناء تصوير الفيلم (جيمس ديفاني/Getty)
+ الخط -
أخيرًا، حدّدت المنصّة الأميركية "نتفليكس" يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، موعدًا لبدء بثّ "الأيرلندي (The Irishman)، لمارتن سكورسيزي، على شاشتها، أي بعد شهرين اثنين فقط على إطلاق عرضه الدولي الأول، في الدورة الـ57 لـ"مهرجان نيويورك السينمائي"، المُقامة في "مركز لينكولن"، بين 27 سبتمبر/ أيلول و13 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ومشروع الفيلم، أحد أكثر الأفلام انتظارًا في الآونة الأخيرة، مولودٌ عام 2008 كتاسع تعاون بين سكورسيزي والممثل المفضّل لديه، أي روبرت دي نيرو، منذ بداية عملهما معًا في "شوارع دنيئة" عام 1973. في سبتمبر/ أيلول 2014، أكّد آل باتشينو أن المشروع سيتحقّق مباشرة بعد انتهاء سكورسيزي من إنجاز "صمت" (2016)، وكشف المخرج حينها أن ستيفن زايليان سيكتب السيناريو.

المتداول في الصحافة السينمائية الأميركية يُشير إلى أنّ حقوق إنتاج الفيلم عُرضت للبيع في "سوق السينما"، في الدورة الـ69 (11 ـ 22 مايو/ أيار 2016) لمهرجان "كانّ"، فوضعت شركة الإنتاج المكسيكية "فابريكا دي سيني" 100 مليون دولار أميركي لتمويل المشروع، متفقة في الوقت نفسه مع "باراماونت" على أن تتولّى الشركة الهوليوودية توزيع الفيلم في الولايات المتحدّة الأميركية، ومع الشركة الأميركية "آي. أم. غلوبال" (متخصّصة بالسينما المستقلّة) على توزيعه الدولي. شركات أخرى "دخلت على خطّ التوزيع"، قبل الإعلان، في فبراير/ شباط 2017، عن تخلّي "باراماونت" عن حقوق التوزيع الأميركي، بالتزامن مع انسحاب الشركة المكسيكية من المشروع، بحجّة أنّ ميزانية الإنتاج مرتفعة جدًا. حينها، اشترت "نتفليكس" الحقوق مقابل 105 ملايين دولار أميركي، مخصّصة للفيلم ميزانية تبلغ 125 مليون دولار أميركي، ومحدّدة أكتوبر/ تشرين الأول 2019 موعدًا لبدء بثّه.

روبرت دي نيرو نفسه أوّل المهتمّين بالكتاب، الذي سيُقتبس سينمائيًا. والكتاب يحمل عنوانًا لافتًا للانتباه، بقدر ما يُلفت مضمونه الانتباه أيضًا: "سمعتُ أنّك تدهن المنازل: فرانك "الأيرلندي" شيران، والقصّة الداخلية للمافيا، وسائقو الشاحنات، والجولة الأخيرة لجيمي هوفّا" (2004) لتشارلز براند، الصادرة ترجمته الفرنسية، التي قام بها جان إشْ وصامويل تود، في الثاني من يناير/ كانون الثاني 2019. للعنوان الفرنسي تتمة: "حقيقة جريمة القتل الأشهر في تاريخ المافيا الأميركية". حتى العنوان الفرنسي لافت للانتباه، باختزاله الحكاية كلّها، فالإيرلندي، الأقوى في تلك المافيا، يعترف لبراند، عشية وفاته (14 ديسمبر/ كانون الأول 2003)، بأنّه قاتل جيمي هوفّا، الزعيم السابق لنقابة سائقي الشاحنات (Teamsters). وبراند هو مدّع عام، ومحامي شيران أثناء اعتقاله عام 1975.

في كتاب براند، المُثير لمتعة القراءة، يروي شيران جرائمه، وسيرة حياته كـ"حامل مسدس"، هو الجندي السابق، المولود في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 1920 في "داربي" في بنسلفانيا، الذي يُعاني أهوال الحرب العالمية الثانية، تلك "التي تُلقّنه القتل والتغلّب على الخوف". يتسلّق شيران السلّم داخل الجريمة المنظّمة في خمسينيات القرن الـ20 وستينياته، بفضل صداقته براسل بوفالينو، زعيم عائلة مافياوية كبيرة، يُقال إنّ ماريو بوزو استوحى منه شخصية دون فيتو كورلينو، في روايته المعروفة، "العرّاب" (1969)، المقتبس سينمائيًا في فيلم بالعنوان نفسه، في 3 أجزاء (أعوام 1972 و1974 و1990)، لفرنسيس فورد كوبولا.

بحسب تحقيقٍ لفريدريك فوبار، منشور في المجلة السينمائية الشهرية الفرنسية "بروميير" (سبتمبر/ أيلول 2019)، فإنّ التعبير الموجود في العنوان الإنكليزي للكتاب عن "دهن المنازل"، مأخوذ من "اللهجة العامية" التي تسم الاعتراف الطويل لشيران، فالمقصود بـ"الدهن" (أو الطلاء) هو الدم المرشوش على الجدران عند تصفية أحدهم.

يروي ستيفن زايليان أنّ روبرت دي نيرو، فور إعجابه بالكتاب، يُعلِم مارتن سكورسيزي به، ثم يطلبان منه كتابة سيناريو مقتبس عنه. لزايليان عملٌ سابق مع سكورسيزي، هو "عصابات نيويورك" (2002)، وآخر مع دي نيرو، هو "الإيقاظ (Awakenings)"، المُنجز عام 1990 لبيني مارشال. عام 2008، يقرأ زايليان الكتاب، ويضع اقتباسًا أول له. المعروف أنّ المشروع غير منجز قبل عام 2019، لأسبابٍ كثيرة، بعضها إنتاجي (تذكر الصفحة الفرنسية لـ"ويكيبيديا"، الخاصة بالفيلم، أن الميزانية النهائية تساوي 175 مليون دولار أميركي، بينما تورد معلومات صحافية متفرّقة أنّها تتجاوز 200 مليون دولار أميركي بقليل)، وبعضها مرتبط بالتزامات مهنية لدي نيرو وسكورسيزي.

"أراجع الاقتباس الأول مرّتين، الأولى عام 2013، والثانية قبيل بدء التصوير"، يقول زايليان، مُضيفًا أنّ هذا العمل هو الأسهل له في مساره المهنيّ، والسبب الأساسي كامنٌ في أنّ بوب (دي نيرو) ومارتي (سكورسيزي) يُدركان بدقّة ما يريدانه: "من الطبيعي أنْ تكون الملاحظات المُرسلة إليك من استديو أو منتج مرتبكة ومشوّشة. لكن، معهما، هذا غير حاصل البتّة".

تُجمع متابعات صحافية عديدة على أنّ سيرة حياة فرانك "الأيرلندي" شيران، تسمح برواية "الحكاية السرّية لأميركا"، في النصف الثاني من القرن الـ20. عبر راسل بوفالينو، يُصبح شيران صديق جيمي هوفّا، وأحد أكثر داعميه غير الفارضين عليه شروطًا. أما اختفاء هوفّا (30 يوليو/ تموز 1975)، غير المكشوفة أسراره لغاية الآن، فأحد الأحداث المتنوّعة والأكثر إثارة للنقاش في الستينيات المنصرمة. جيمي هوفّا، العدو اللدود لبوبي كينيدي، هو أحد أكثر الرجال نفوذًا في الولايات المتحدّة، "وهو نجم تلك المرحلة"، كما يوصف: "معروفٌ بالدرجة نفسها التي لفرانك سيناترا وإلفيس بريسلي"، كما يقول زايليان. رجلٌ مهمّ للغاية في أميركا ما بعد الحرب، وصانع أعمال مهمّة كثيرة في العمل النقابيّ، علمًا أن "نقابة سائقي الشاحنات" تُصبح حينها الأقوى نفوذًا، ما يُثير بلبلة في الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأميركية.
دلالات
المساهمون