تحول فضاء "الكتبية" القريب من ساحة الفنا في مراكش، إلى ملتقى لأربعين كاتباً وكاتبة من بلدان مختلفة، لقاءات مفتوحة وتوقيع لكتبهم وإصداراتهم الجديدة، ضمن الدورة الثالثة لتظاهرة "الآداب المرتحلة" التي امتدت طيلة يوم السبت الماضي.
وخلال جلسات النقاش المحورية، التي أدار أولاها الشاعر طه عدنان، اختارت الروائية والناشرة اللبنانية رشا الأميرالحديث عن الكتابة والكلام، وأشارت إلى أن اللغة العربية اليوم، تمرّ بلحظة عصيبة تتمثل في سؤال عن هويتها، وهي ترى أن الكتابة هي أيضاً محو دائم قد يستحيل قتلاً: "هذا عن المكتوب فما بالك بالمرتجل".
وذهب الروائي والشاعر محمد الأشعري إلى الحديث عن السياسات اللغوية، لافتاً في البداية، إلى أن هذا المحور المركزي ليس سياق اشتغاله، الأشعري الذي نشأ في بيئة قروية أمازيغية، حيث الصمت يتسيد الكلام، وعند لحظة انتقال إلى المكتوب، فكأنه انتقال إلى قارة أخرى، ولعل الاجتهادات التي تتم اليوم في اللغة الأمازيغية، في محاولة سبكها في لغة مكتوبة، هي عملية قتل لروحها الشفوية. يتساءل الأشعري لمَ هذا الاحتقار للغة الشفوية؟ والحال أن الحفاظ على الغنى اللغوي معناه الحفاظ على البعد الشفوي. لينتهي الكاتب إلى التأكيد أن اللغة العربية اليوم، لا تحتاج إلى ثورة، ما دمنا نكتب بلغة حداثية.
بدوره يعود الناقد والروائي محمد برادة، إلى مرحلة طفولته في فاس، حيث الكلام كثير، ويشير إلى أن ثمة بعض المناطق المغربية، حيث يسود الصمت، وجنوح نحوه للدلالة على الحكمة. درس برادة وأقرانه في مدارس الحركة الوطنية، أيام معركة ترسيخ الهوية والدفاع عن اللغة العربية، فكان التشبه بكبار الكتاب، مسألة طبيعية. لذلك يرى برادة، أن هذا الجيل حمل عبئًا كبيرًا، هو الدفاع عن اللغة العربية.
وترى الباحثة سمية نعمان جسوس أن الوسائط والثورة التكنولوجية الحديثة أحدثت لدى الجيل الجديد لغة ثالثة، خلقت عبورًا بين الكلامي والكتابي. ولعل منظري التربية والتعليم في العالم العربي، كان عليهم الانتباه، في مسألة تدريسية اللغة، إلى تحريك اللغة العربية للأجيال الصاعدة.
أما الكاتب أمين الزاوي، فيعتبر التفكير في الجانب النظري في اللغة مهم، بحكم علاقة الإبداع باللغة، فالشارع يعيش ويتعامل بلغة الأدب الشعبي، والانتقال إلى اللغة الفصحى، لا يخفي الخوف من المقدس. ويرى الزاوي أننا ضيعنا اللغة الأصلية لشعوبنا، والعبقرية ليست في الفصحى أو العامية بل في الكتابة.
توجه الباحث عبدالصمد الديالمي، إلى تكسير ترابطين بين اللغة والكتابة. فنحن نكتب اللغة، ونتكلم اللهجة، والرهان هو تكسير هذا الترابط، هذا التساؤل الابستيمي والايديولوجي لا يخفي البعد السياسي، وفقاً لـ الديالمي.
من جهته، ذهب السينمائي والناقد نورالدين الصايل - الذي أدار الجلسة الثانية وكانت بالفرنسية - إلى مرجعيات رولان بارت في تحديد هذه العلاقة المعقدة بين الكتابة والكلام، معتبراً أن الموضوع يمكن تناوله من زوايا مختلفة، رغم تأكيده أن ما يبقى في النهاية، هو الكتابة، وما يخلفه الكاتب من إنتاج إبداعي.
بدورها، ترى الكاتبة الفرنسية المغربية نجاة فالو بلقاسم، أن عوالم الكتاب وفعل القراءة نفسها، لا يمكن أن تعوض، هناك حاجة ماسة دائمة لعوالم الكتاب. واعتبرت أن تظاهرة الآداب المرتحلة تتيح اللقاء بين الكاتب والقارئ بدون وسائط، لكنها تدعو إلى فعل القراءة، لأنها متعة يجب تذوقها.
الروائي الجزائري رشيد بوجدرة يرى الأمر من زاوية أخرى، إذ لا فرق لديه بين الكتابة والكلام، فسقراط تكلم وأفلاطون كتب، ويعتبر أن للدارجة العامية سحرها الخاص، لذلك يضع بعض الموازنة أبعد من المقارنة، بين الكتابة ولغة الكلام.
فيما رأى الباحث محمد الناجيالي أنه لا يمكن الحديث عن الكتابة والكلام دون الرجوع الى النص الديني، حيث إن النص القرآني استطاع أن يجمع بين الكتابة والكلام، هذا النموذج الأمثل. فالحروف التي تفتتح الكثير من السور، تمثل الجانب الشفوي لأنها حروف متراصة منفصلة عن بعضها البعض، تعطي أصواتا لا كلمات.
هذا وقد شملت توقيعات الكتب إضافة إلى المتحدثين في الندوات، مجموعة أسماء من بينها: عبدالفتاح كيليطو، ورشيد خالص، وثريا الحضراوي، ووداد بنموسى، وزهور كرام، وماحي بينبين، ومحمد الناجي، وعتيقة بنزيدان، وإدريس علوش ومحمد المنصور.
وقبل انفضاض "الآداب المرتحلة"، كانت وقفة مع الحكواتي محمد باريز والحكواتية حليمة حمدان، كأنما ليأخذ المحكي الكلمة الأخيرة.