تفحّص المكان عن كثب، بقدمين حافيتين تقدم، وأصبح مقابل حائط واسع داخل الكهف القديم. حمل حجارة من نوع ما وبدأ يخط على جدران الكهف ما كان يرى: الكائنات التي قاتلها أو التي رباها وأشياء مختلفة كان لا بد له من نقلها كي يراها العالم. إنه الإنسان الأول واللغة الأولى التي اختارها؛ الرموز والرسوم.
اليوم وبعد آلاف السنوات، ترى شخصاً آخر يتفحص المكان حوله عن كثب، يتأكد من أن الإشارة موجودة، ينظر في حائط كهفه الإلكتروني، ينقر على شاشته، يختار رمزاً ضاحكاً أو صورة لشيء ما يعبر عنه ولا بد له من نقله كي يراه العالم. إنه إنسان القرن الواحد والعشرين واللغة الجديدة التي اختارها؛ الـ "إيموجيز" أو الرموز التعبيرية.
هذه التطورات التي شهدتها اللغة حتى وقتنا الحاضر أعادتنا إلى نقطة البداية، بحسب عالم الإنتروبولوجيا مارسيل دانيسي. اليوم، نقف على أبواب لغة جديدة لا ندري إن كانت قابلة للتطور، وقد باتت محط العديد من الدراسات والبحوث العلمية والإنتروبولوجية، وأصبحت من المخاوف التي يعتقد الباحثون أنها تهدد اللغة المكتوبة وقد تتسبب يوماً ما في انقراضها. فهل هذه المخاوف حقيقة؟ أم أنها لا تزال مبالغة حالها كحال أي ظاهرة يفرضها عالم التواصل الحديث؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة أمرين هامين: الأول هو السبب وراء وجود الـ "إيموجيز"، والثاني هو محاولة دراسة القواعد المتبعة لاستخدام هذه الرموز ومعرفة ما إذا كان بإمكانها التأسيس للغة بديلة من المكتوبة، شيء يشبه ربما الهيروغليفية القديمة باعتبار أن البعض يعتبرها هيروغليفية حديثة.
اقــرأ أيضاً
قبل شيوع الـ "إيموجيز" أي الصور التي تعبر عن معنى ما، سواء وجه أو كائن أو إشارة ، والـ "إيموتيكونز" أي علامات الترقيم التي تعبر عن وجه ما، شاعت الرسائل النصية Text messages. ظهور الـ "تكستينغ" اعتبر لفترة طويلة عاملاً مهدداً للغة المكتوبة ولا يزال إلى الآن. لكن السمة الأولى للغة الرسائل النصية، التي ظهرت مع ظهور الإنترنت والهاتف المحمول، هي إضفاء بعد جديد للغة المحكية، وفق الباحث الأكاديمي في علم اللغة جون ماكورتر. واليوم، نادراً ما ترسل هذه الرسائل النصية من دون رمز صوري، لأن هذه الرموز القادرة على الاندماج في النص، أصبحت تعطي شخصية للرسالة النصية، إذ إن الكلمات تعبر عن المعنى اللفظي فقط، في حين أن الـ "إيموجيز" تعبر عن الشعور والنبرة والإيحاء.
هذه الرموز كما تقول المختصة بزبائن عالم التكنولوجيا، جينا شيلسترا، تعوض عن لغة الجسد أو الصورة المجازية لحالة الشخص وتتحول مع النص. ولكن إذا كانت هذه الرموز تعبر عن حالة مجازية كاملة للمرسل بالإضافة إلى النبرة والشعور، فهل يمكن استخدامها بمعزل عن النص؟ وإن استخدمت بشكل منفرد، فهل يمكن بالتالي استخدامها كلغة عالمية كونها تعبر عن صور معروفة بالنسبة إلى الجميع؟
بالنسبة إلى السؤال الأول نعم، الـ "إيموجيز" اليوم تستخدم بمعزل عن النص، وإن راقبنا عن كثب سنلاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدمها كبديل من التعليق أحياناً، كالحال على موقع "فيسبوك". وسواء كانت الرموز جزءاً يكمل معنى الجملة أو تستخدم بشكل منفرد، فهي باتت تؤسس لمجموعة من القواعد وهناك بروتوكول لاستخدامها، هذا ما يؤكده عالم اللغة تايلر شنوبلن.
يوضح شنوبلن أن الـ "إيموجيز" تستخدم أحياناً لتوضيح مقولة الجملة فتستخدم كعلامة للترقيم، تأتي في نهاية الجملة، وأحياناً تستخدم وسط الجمل فتشكل علامة، اعتراضاً أو مؤشراً على فكرة جديدة. إذاً هي تطرح أفكاراً جديدة في النص، وتعبر عن معانٍ محددة، إما بشكل مفرد أو من خلال مجموعة من الرموز المتوالية ضمن تسلسل منطقي وزمني محدد.
ولكن على الرغم من وجود قواعد تحدد استخدام الـ "إيموجيز"، فهي بحسب شنوبلن لا يمكن أن تؤسس للغة جديدة لأنها ببساطة تفتقر إلى واحد من أهم عوامل اللغة، وهو النحو والقواعد اللغوية. الجمل العادية تتألف من وحدات مختلفة، كل منها يعبر عن معنى محدد. الأسماء والأفعال والظروف وأشباه الجمل هي أمور غير موجودة حالياً بشكل متفق عليه عند استخدام رموز الـ "إيموجيز"، وإن وجدت ففهمها سيكون محصوراً بالمجموعة أو الأشخاص الذين يستخدمونها، هذا يقودنا للإجابة عن السؤال الثاني وهو معرفة ما إذا كانت لغة الأيموجيز عالمية فعلاً.
للوهلة الأولى، قد تبدو هذه النقطة سهلة الإجابة، فالرموز مألوفة بالنسبة إلى الجميع، والقلب الأحمر لن يتغير معناه وهو أمر متفق عليه، ولكن الموضوع ليس بسيطاً إلى هذا الحد. فالرموز المتفق عليها لا تزال محدودة جداً وحتى الآن لا توجد رموز متفق عليها بالمطلق، فمثلا أحد الرموز بالنسبة إلى اليابانيين يعتبر علامة للاحترام، ولكن في المجتمعات الدينية الأميركية هو تعبير عن الدعاء، وعند المراهقين فكل يد تنتمي لشخص والتصاقهما علامة على الاتفاق على شيء ما، هذا المثال البسيط تتبعه أمثلة كثيرة جداً توكد أن لغة الـ "إيموجيز" تخضع للمجتمعات التي تستخدمها وللمفاهيم المنتشرة في هذه المجموعات أو الثقافات.
اللافت أن الأمر يتجاوز التواصل البريء والتعبير الحقيقي عن المعنى، إذ إن تطور حالة التواصل طور معاني الـ "إيموجيز" وجعل الكثير من الجماعات البشرية تستخدمه للدلالة على معان أخرى لا علاقة لها بالصورة أو بالرمز، فمثلا الباحث، راجشيكار باتيل، أثناء مراقبته موقع "تويتر" لدراسة المعاني واللغة التي يستخدمها تجار المخدرات وأفراد العصابات لاحظ مراراً تكرار رمز محطة البنزين، في تغريداتهم. وفي النهاية استطاع أن يدرك أن هذا الرمز هو دلالة على الماريغوانا، وهو رمز يتعلق فقط بعصابة محددة.
هذه الأمثلة وغيرها تدل على أن الـ "إيموجيز" قابلة للتطور والتحول بشكل مذهل وسريع ولكنها ليست لغة عالمية وهي لا تؤسس لأية لغة من الأساس ولا تهدد اللغة الموجودة، بل إن أعمق ما توصلت إليه هو إمكانية البناء القصصي لخلق حدث ما/ وهو أمر لا يقتصر على الرموز التعبيرية، فالرسوم المصورة "كوميكس" تمكنت من التوصل لهذه الإمكانية من قبل وعبرت عن أصوات من خلال اللغة المكتوبة.
لكن الخوف على اللغة له خلفيات عدة. عام 2015، اعتبر "قاموس أوكسفورد" الرمز الضاحك "كلمة العام". في العام ذاته، دخل كتاب "إيموجي ديك" وهو ترجمة الرموز التعبيرية لرواية موبي ديك مكتبة الكونغرس واعتبر الأول من نوعه، في ما بعد ترجمت 4 مسرحيات لوليام شكسبير بشكل رسائل نصية تضمنتها الـ "إيموجيز" أيضاً بعناوين هي: Yolo Juliette وSrsly Hamlet وMachbeth ،#KillingIt وA Midsummer Night ،#NoFilter بالإضافة إلى "أليس في بلاد العجائب" و"حول العالم في ثمانين يوماً".
الأمر لم يقتصر على الأدب فحسب لأن أثر لغة الـ "إيموجيز" أصبح في كل مكان، الإعلانات التجارية الضخمة باتت تختار كتابة علاماتها التجارية على هذا النحو. وكالة "شيفروليه" للسيارات أصدرت بياناً صحافياً كاملاً مكتوباً برموز تعبيرية، والمصارف تدرس إمكانية أن تصبح كلمات سر المستخدمين عبارة عن رموز "إيموجيز" بدلاً من الأرقام. وأصبح الـ "إيموجي" يؤخذ في الاعتبار في المحاكم، وهذا ما حصل في قضية طريق الحرير الإكترونية Silk Road trail. على الرغم من كل هذا، فلا تزال الدراسات حول هذا الموضوع قليلة نسبياً ومبدئية.
اليوم وبعد آلاف السنوات، ترى شخصاً آخر يتفحص المكان حوله عن كثب، يتأكد من أن الإشارة موجودة، ينظر في حائط كهفه الإلكتروني، ينقر على شاشته، يختار رمزاً ضاحكاً أو صورة لشيء ما يعبر عنه ولا بد له من نقله كي يراه العالم. إنه إنسان القرن الواحد والعشرين واللغة الجديدة التي اختارها؛ الـ "إيموجيز" أو الرموز التعبيرية.
هذه التطورات التي شهدتها اللغة حتى وقتنا الحاضر أعادتنا إلى نقطة البداية، بحسب عالم الإنتروبولوجيا مارسيل دانيسي. اليوم، نقف على أبواب لغة جديدة لا ندري إن كانت قابلة للتطور، وقد باتت محط العديد من الدراسات والبحوث العلمية والإنتروبولوجية، وأصبحت من المخاوف التي يعتقد الباحثون أنها تهدد اللغة المكتوبة وقد تتسبب يوماً ما في انقراضها. فهل هذه المخاوف حقيقة؟ أم أنها لا تزال مبالغة حالها كحال أي ظاهرة يفرضها عالم التواصل الحديث؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة أمرين هامين: الأول هو السبب وراء وجود الـ "إيموجيز"، والثاني هو محاولة دراسة القواعد المتبعة لاستخدام هذه الرموز ومعرفة ما إذا كان بإمكانها التأسيس للغة بديلة من المكتوبة، شيء يشبه ربما الهيروغليفية القديمة باعتبار أن البعض يعتبرها هيروغليفية حديثة.
قبل شيوع الـ "إيموجيز" أي الصور التي تعبر عن معنى ما، سواء وجه أو كائن أو إشارة ، والـ "إيموتيكونز" أي علامات الترقيم التي تعبر عن وجه ما، شاعت الرسائل النصية Text messages. ظهور الـ "تكستينغ" اعتبر لفترة طويلة عاملاً مهدداً للغة المكتوبة ولا يزال إلى الآن. لكن السمة الأولى للغة الرسائل النصية، التي ظهرت مع ظهور الإنترنت والهاتف المحمول، هي إضفاء بعد جديد للغة المحكية، وفق الباحث الأكاديمي في علم اللغة جون ماكورتر. واليوم، نادراً ما ترسل هذه الرسائل النصية من دون رمز صوري، لأن هذه الرموز القادرة على الاندماج في النص، أصبحت تعطي شخصية للرسالة النصية، إذ إن الكلمات تعبر عن المعنى اللفظي فقط، في حين أن الـ "إيموجيز" تعبر عن الشعور والنبرة والإيحاء.
هذه الرموز كما تقول المختصة بزبائن عالم التكنولوجيا، جينا شيلسترا، تعوض عن لغة الجسد أو الصورة المجازية لحالة الشخص وتتحول مع النص. ولكن إذا كانت هذه الرموز تعبر عن حالة مجازية كاملة للمرسل بالإضافة إلى النبرة والشعور، فهل يمكن استخدامها بمعزل عن النص؟ وإن استخدمت بشكل منفرد، فهل يمكن بالتالي استخدامها كلغة عالمية كونها تعبر عن صور معروفة بالنسبة إلى الجميع؟
بالنسبة إلى السؤال الأول نعم، الـ "إيموجيز" اليوم تستخدم بمعزل عن النص، وإن راقبنا عن كثب سنلاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدمها كبديل من التعليق أحياناً، كالحال على موقع "فيسبوك". وسواء كانت الرموز جزءاً يكمل معنى الجملة أو تستخدم بشكل منفرد، فهي باتت تؤسس لمجموعة من القواعد وهناك بروتوكول لاستخدامها، هذا ما يؤكده عالم اللغة تايلر شنوبلن.
يوضح شنوبلن أن الـ "إيموجيز" تستخدم أحياناً لتوضيح مقولة الجملة فتستخدم كعلامة للترقيم، تأتي في نهاية الجملة، وأحياناً تستخدم وسط الجمل فتشكل علامة، اعتراضاً أو مؤشراً على فكرة جديدة. إذاً هي تطرح أفكاراً جديدة في النص، وتعبر عن معانٍ محددة، إما بشكل مفرد أو من خلال مجموعة من الرموز المتوالية ضمن تسلسل منطقي وزمني محدد.
ولكن على الرغم من وجود قواعد تحدد استخدام الـ "إيموجيز"، فهي بحسب شنوبلن لا يمكن أن تؤسس للغة جديدة لأنها ببساطة تفتقر إلى واحد من أهم عوامل اللغة، وهو النحو والقواعد اللغوية. الجمل العادية تتألف من وحدات مختلفة، كل منها يعبر عن معنى محدد. الأسماء والأفعال والظروف وأشباه الجمل هي أمور غير موجودة حالياً بشكل متفق عليه عند استخدام رموز الـ "إيموجيز"، وإن وجدت ففهمها سيكون محصوراً بالمجموعة أو الأشخاص الذين يستخدمونها، هذا يقودنا للإجابة عن السؤال الثاني وهو معرفة ما إذا كانت لغة الأيموجيز عالمية فعلاً.
للوهلة الأولى، قد تبدو هذه النقطة سهلة الإجابة، فالرموز مألوفة بالنسبة إلى الجميع، والقلب الأحمر لن يتغير معناه وهو أمر متفق عليه، ولكن الموضوع ليس بسيطاً إلى هذا الحد. فالرموز المتفق عليها لا تزال محدودة جداً وحتى الآن لا توجد رموز متفق عليها بالمطلق، فمثلا أحد الرموز بالنسبة إلى اليابانيين يعتبر علامة للاحترام، ولكن في المجتمعات الدينية الأميركية هو تعبير عن الدعاء، وعند المراهقين فكل يد تنتمي لشخص والتصاقهما علامة على الاتفاق على شيء ما، هذا المثال البسيط تتبعه أمثلة كثيرة جداً توكد أن لغة الـ "إيموجيز" تخضع للمجتمعات التي تستخدمها وللمفاهيم المنتشرة في هذه المجموعات أو الثقافات.
Twitter Post
|
اللافت أن الأمر يتجاوز التواصل البريء والتعبير الحقيقي عن المعنى، إذ إن تطور حالة التواصل طور معاني الـ "إيموجيز" وجعل الكثير من الجماعات البشرية تستخدمه للدلالة على معان أخرى لا علاقة لها بالصورة أو بالرمز، فمثلا الباحث، راجشيكار باتيل، أثناء مراقبته موقع "تويتر" لدراسة المعاني واللغة التي يستخدمها تجار المخدرات وأفراد العصابات لاحظ مراراً تكرار رمز محطة البنزين، في تغريداتهم. وفي النهاية استطاع أن يدرك أن هذا الرمز هو دلالة على الماريغوانا، وهو رمز يتعلق فقط بعصابة محددة.
Twitter Post
|
هذه الأمثلة وغيرها تدل على أن الـ "إيموجيز" قابلة للتطور والتحول بشكل مذهل وسريع ولكنها ليست لغة عالمية وهي لا تؤسس لأية لغة من الأساس ولا تهدد اللغة الموجودة، بل إن أعمق ما توصلت إليه هو إمكانية البناء القصصي لخلق حدث ما/ وهو أمر لا يقتصر على الرموز التعبيرية، فالرسوم المصورة "كوميكس" تمكنت من التوصل لهذه الإمكانية من قبل وعبرت عن أصوات من خلال اللغة المكتوبة.
لكن الخوف على اللغة له خلفيات عدة. عام 2015، اعتبر "قاموس أوكسفورد" الرمز الضاحك "كلمة العام". في العام ذاته، دخل كتاب "إيموجي ديك" وهو ترجمة الرموز التعبيرية لرواية موبي ديك مكتبة الكونغرس واعتبر الأول من نوعه، في ما بعد ترجمت 4 مسرحيات لوليام شكسبير بشكل رسائل نصية تضمنتها الـ "إيموجيز" أيضاً بعناوين هي: Yolo Juliette وSrsly Hamlet وMachbeth ،#KillingIt وA Midsummer Night ،#NoFilter بالإضافة إلى "أليس في بلاد العجائب" و"حول العالم في ثمانين يوماً".
الأمر لم يقتصر على الأدب فحسب لأن أثر لغة الـ "إيموجيز" أصبح في كل مكان، الإعلانات التجارية الضخمة باتت تختار كتابة علاماتها التجارية على هذا النحو. وكالة "شيفروليه" للسيارات أصدرت بياناً صحافياً كاملاً مكتوباً برموز تعبيرية، والمصارف تدرس إمكانية أن تصبح كلمات سر المستخدمين عبارة عن رموز "إيموجيز" بدلاً من الأرقام. وأصبح الـ "إيموجي" يؤخذ في الاعتبار في المحاكم، وهذا ما حصل في قضية طريق الحرير الإكترونية Silk Road trail. على الرغم من كل هذا، فلا تزال الدراسات حول هذا الموضوع قليلة نسبياً ومبدئية.