واستطاعت روسيا أن توفّق بين مصالح كل الدول المتدخلة في القضية السورية، من خلال هذا الاتفاق. فمن ناحية يتوافق هذا الاتفاق مع التوجه الأميركي الذي تقوم أولويته على محاربة تنظيم "داعش"، بتجميد كل جبهات القتال مع النظام بقوة الإرادة الدولية، وتحويل قوى جميع الفصائل المتناحرة لقتال التنظيم، سواء من خلال جبهات مشتركة أو منفصلة.
كذلك يتوافق الاتفاق مع المصالح التركية التي تسعى لأخد دور في شمال سورية، من خلال تأمين غطاء دولي لدخولها إلى عمق الشمال السوري كقوات مراقبة، إضافة إلى عدم إغفاله الدور الإيراني، والذي يلاقي اعتراضات أميركية، من خلال فرض إيران كطرف ضامن ومراقب، على الرغم من شراكتها مع النظام في الحرب ضد قوات المعارضة.
ويبدو أن الدور التركي لن يقتصر على أخذ دور المراقب، كما ورد في بيان أستانة، نظراً إلى وجود تنظيم "هيئة تحرير الشام" ضمن المناطق التي ستقوم تركيا بالرقابة عليها.
فعلى الرغم من أن نقاط المراقبة، بحسب البيان، ستتوزع على نقاط الاشتباك مع النظام ضمن مناطق المعارضة، إلا أن هذا الأمر يتطلّب من تركيا العمل على مسارين، الأول ضمان التهدئة مع الهيئة، وضمان عدم حصول اختراق لاتفاق وقف النار، لأن أي استفزاز سيشعر تنظيم "هيئة تحرير الشام" بالخطر قد يدفعه إلى ردات فعل تُفشل الاتفاق، وبالتالي على أنقرة التوصل إلى تفاهمات معها تضمن عدم حصول اختراقات، وتطمينات تضمن سلامة مراقبيها، والذين سيكونون في مناطق تحت سيطرة الهيئة، والتي أعلنت في فترة سابقة أنها ستواجه أية قوة أجنبية قد تدخل سورية.
أما المسار الثاني، والذي يبدو أن تركيا تعمل عليه، فهو تفكيك "هيئة تحرير الشام" من الداخل، وذلك من خلال استمالة بعض الفصائل المنضوية ضمن الهيئة للانشقاق عنها، ومحاولة عزل "النصرة" عن باقي الفصائل، بما يسهل موضوع التعامل معها ضمن المرحلة اللاحقة.
كما أن بيان أستانة 6، والذي أوضح أن "مراقبين من الدول الثلاث الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) سينتشرون في نقاط التفتيش والمراقبة في المناطق المؤمنة التي تشكّل حدود منطقة خفض التوتر في إدلب"، يعني أن قوات روسية وإيرانية ستنتشر على خطوط تماس مع "هيئة تحرير الشام"، خاصة في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي، الأمر الذي يطرح مخاوف من أن تقدّم كل من روسيا وإيران غطاء لعمليات يقوم بها النظام لقضم جزء من تلك المناطق قد يجدها النظام استراتيجية بالنسبة له، بحجة محاربة "النصرة"، كما يحصل الآن في غوطة دمشق، المحسوبة منطقة تخفيف تصعيد، والتي تم استثناء بعض المناطق الاستراتيجية للنظام منها، كجوبر وعين ترما.