23 سبتمبر 2024
"أستانة" ومشروع واشنطن في سورية
لا يمكن تجاهل الجولة السادسة من المحادثات السورية في العاصمة الكازاخستانية أستانة، والتي يمكن وصفها بأنها أنجح لقاء يجري خلال الست سنوات من المأساة السورية، فهي المرة الأولى التي تخرج فيها كل الأطراف المجتمعة بتوافق كامل، بمن فيهم الطرفان السوريان (نظام وفصائل عسكرية معارضة). والواضح أن اتفاقية إقامة مناطق خفض التوتر في سورية، التي نتجت عن محادثات أستانة بجولتها السادسة، قلبت جميع الحسابات رأسًا على عقب، ولا سيما الأميركية والمليشيات الانفصالية التي تدعمها.
لم يعد يخفى على أحد عزم واشنطن دعم المجموعات التي تطلق عليها اسم "قوات سورية الديمقراطية"، للسيطرة على خط عفرين – إدلب، في تكرار السيناريو نفسه، عندما سلمت تل أبيض وعين العرب ومنبج للامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا في تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي من تلك المناطق. إلا أن اتفاق الدول الأربع المشاركة في محادثات أستانة السورية (روسيا، تركيا، إيران، سورية النظام والمعارضة العسكرية)، فوّت الفرصة على الولايات المتحدة الأميركية من أجل تكرار تنفيذ هذا المخطط.
ويسود ترقب بأن تؤدي مبادرة موسكو (مناطق خفض التصعيد) إلى وقف إطلاق نار طويل الأجل، وبدء إصلاح سياسي شامل. وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتيف، لكاتب هذه السطور، بعد نهاية الجولة الثالثة من محادثات أستانة، "إن المشكلة سابقا كانت في أن المجموعات المعارضة السورية التي كانت تسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي السورية مستبعدة من الحوار، ومن مناقشة العملية السورية، سواء في لوزان أو جنيف وغيرهما من المدن التي شهدت محادثات حول سورية". وأشار إلى "نجاحات حققناها بفضل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، واستطعنا أن نشكل محادثات أستانة التي تقوم بالعمل المباشر مع من يسيطر على الأرض في سورية، ويتحمّل المسؤولية عن الناس المسالمين والمدنيين في هذه المناطق".
وفي هذا السياق، هناك ثلاثة أمور جديدة قدّمتها محادثات أستانة: الأول إنها المرّة الأولى التي تشارك فيها الفصائل العسكرية مباشرة في حوارٍ يهدف إلى حل الملف السوري، وفي ذلك دلالة مهمّة على نتائج المفاوضات، لأن هذه الفصائل العسكرية المعارضة هي أولاً وأخيراً صاحبة القرار على الأرض، وهي المعنية أكثر بالوضع السوري. الثاني أن وجود العسكريين وقادة الفصائل في أستانة يدل على أن الحوار ممكن بين أطراف القرار وأصحاب الكلمة الذين يجلسون للمّرة الأولى على طاولة واحدة، وبشكلٍ مباشر، وجهاً لوجه. الثالث أن المفاوضات ستجري في محفل دولي بعيد عن العواصم الأوروبية، وليس كما العادة في جنيف أو فيينا مثلا، ولهذا الأمر دلالات كثيرة، وعلاقة بنظرة الجانب الروسي، ورغبة بوتين برسم خارطة سياسية جديدة للعالم.
وقد شكلت محادثات أستانة امتحانين لروسيا. الأول لجدّيتها بإنهاء "النزاع السوري"، وإيجاد حل من خلال عملية أستانة. والثاني لمدى تأثيرها على حلفائها داخل سورية، وهذا امتحان لا بد أن يمر عبر الامتحان الأول، لأن قدرة روسيا بالتأثير على حلفائها داخل سورية ترتبط بمدى جدّيتها بالوصول إلى حل للوضع في هذا البلد. وفي المحصلة، إذا انهارت عملية أستانة، ستقع اللائمة على روسيا، اللاعب الأكبر، وسيؤخذ على موسكو أنها لم تؤثر في حلفائها على أكمل وجه.
بعد أن لعبت روسيا دوراً عسكرياً في قلب موازين القوى على الساحة السورية، دخلت أيضاً على خط التسويات والمفاوضات السياسية، وسط غياب غربي أميركي فاعل، وآخرها إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقف دعم المعارضة السورية العسكرية، الأمر الذي اعتبره كثيرون تسليم ملف سورية تماماً للقبضة الروسية، بل ذهب سيناتورات ومسؤولون أميركيون إلى اعتبار ذلك "خطراً يمسّ المصالح الأميركية برمتها في الشرق الأوسط".
وتتزايد تدريجيا مناطق "خفض التصعيد"، المبادرة الروسية التي تم الاتفاق عليها في أستانة في مايو/ أيار الماضي، في أكثر من منطقة سورية. وإذا نظرنا بشكل آخر، نرى أن المنابر التي تجري فيها محادثات دولية بشأن سورية كانت بمبادرة روسية، من جنيف وصولاً إلى أستانة، ولا يمكن إغفال حقيقة اختلاف نظرة كل من موسكو وواشنطن للحل في سورية. فالروس يؤكدون حرصهم على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، في حين أن طريقة واشنطن في التعامل مع هذا الملف، منذ البداية، تثير تساؤلاتٍ كثيرة، وليس آخرها اختيارهم مجموعة انفصالية ودعمها، بدلاً من المعارضة التي تصفها بالمعتدلة.
يبقى القول إن مناطق خفض التوتر، المستفيد منها هو المواطن السوري، فقوات النظام، مع الدعم الروسي وضعف القوى المعارضة، بالإضافة إلى تشتتها، تجعل أي معركة قادمة بينهم معروفة النتائج مسبقاً، كما قد تكون هناك إيجابية أخرى لاتفاق خفض التصعيد، وهي إنقاذ بعض تلك المناطق من تقدّم المليشيات الانفصالية والسيطرة عليها، بعيدا عن إرادة الفريقين السوريين (نظام أو فصائل)، أو حتى سكانها الأصليين.
لم يعد يخفى على أحد عزم واشنطن دعم المجموعات التي تطلق عليها اسم "قوات سورية الديمقراطية"، للسيطرة على خط عفرين – إدلب، في تكرار السيناريو نفسه، عندما سلمت تل أبيض وعين العرب ومنبج للامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا في تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي من تلك المناطق. إلا أن اتفاق الدول الأربع المشاركة في محادثات أستانة السورية (روسيا، تركيا، إيران، سورية النظام والمعارضة العسكرية)، فوّت الفرصة على الولايات المتحدة الأميركية من أجل تكرار تنفيذ هذا المخطط.
ويسود ترقب بأن تؤدي مبادرة موسكو (مناطق خفض التصعيد) إلى وقف إطلاق نار طويل الأجل، وبدء إصلاح سياسي شامل. وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتيف، لكاتب هذه السطور، بعد نهاية الجولة الثالثة من محادثات أستانة، "إن المشكلة سابقا كانت في أن المجموعات المعارضة السورية التي كانت تسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي السورية مستبعدة من الحوار، ومن مناقشة العملية السورية، سواء في لوزان أو جنيف وغيرهما من المدن التي شهدت محادثات حول سورية". وأشار إلى "نجاحات حققناها بفضل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، واستطعنا أن نشكل محادثات أستانة التي تقوم بالعمل المباشر مع من يسيطر على الأرض في سورية، ويتحمّل المسؤولية عن الناس المسالمين والمدنيين في هذه المناطق".
وفي هذا السياق، هناك ثلاثة أمور جديدة قدّمتها محادثات أستانة: الأول إنها المرّة الأولى التي تشارك فيها الفصائل العسكرية مباشرة في حوارٍ يهدف إلى حل الملف السوري، وفي ذلك دلالة مهمّة على نتائج المفاوضات، لأن هذه الفصائل العسكرية المعارضة هي أولاً وأخيراً صاحبة القرار على الأرض، وهي المعنية أكثر بالوضع السوري. الثاني أن وجود العسكريين وقادة الفصائل في أستانة يدل على أن الحوار ممكن بين أطراف القرار وأصحاب الكلمة الذين يجلسون للمّرة الأولى على طاولة واحدة، وبشكلٍ مباشر، وجهاً لوجه. الثالث أن المفاوضات ستجري في محفل دولي بعيد عن العواصم الأوروبية، وليس كما العادة في جنيف أو فيينا مثلا، ولهذا الأمر دلالات كثيرة، وعلاقة بنظرة الجانب الروسي، ورغبة بوتين برسم خارطة سياسية جديدة للعالم.
وقد شكلت محادثات أستانة امتحانين لروسيا. الأول لجدّيتها بإنهاء "النزاع السوري"، وإيجاد حل من خلال عملية أستانة. والثاني لمدى تأثيرها على حلفائها داخل سورية، وهذا امتحان لا بد أن يمر عبر الامتحان الأول، لأن قدرة روسيا بالتأثير على حلفائها داخل سورية ترتبط بمدى جدّيتها بالوصول إلى حل للوضع في هذا البلد. وفي المحصلة، إذا انهارت عملية أستانة، ستقع اللائمة على روسيا، اللاعب الأكبر، وسيؤخذ على موسكو أنها لم تؤثر في حلفائها على أكمل وجه.
بعد أن لعبت روسيا دوراً عسكرياً في قلب موازين القوى على الساحة السورية، دخلت أيضاً على خط التسويات والمفاوضات السياسية، وسط غياب غربي أميركي فاعل، وآخرها إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقف دعم المعارضة السورية العسكرية، الأمر الذي اعتبره كثيرون تسليم ملف سورية تماماً للقبضة الروسية، بل ذهب سيناتورات ومسؤولون أميركيون إلى اعتبار ذلك "خطراً يمسّ المصالح الأميركية برمتها في الشرق الأوسط".
وتتزايد تدريجيا مناطق "خفض التصعيد"، المبادرة الروسية التي تم الاتفاق عليها في أستانة في مايو/ أيار الماضي، في أكثر من منطقة سورية. وإذا نظرنا بشكل آخر، نرى أن المنابر التي تجري فيها محادثات دولية بشأن سورية كانت بمبادرة روسية، من جنيف وصولاً إلى أستانة، ولا يمكن إغفال حقيقة اختلاف نظرة كل من موسكو وواشنطن للحل في سورية. فالروس يؤكدون حرصهم على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، في حين أن طريقة واشنطن في التعامل مع هذا الملف، منذ البداية، تثير تساؤلاتٍ كثيرة، وليس آخرها اختيارهم مجموعة انفصالية ودعمها، بدلاً من المعارضة التي تصفها بالمعتدلة.
يبقى القول إن مناطق خفض التوتر، المستفيد منها هو المواطن السوري، فقوات النظام، مع الدعم الروسي وضعف القوى المعارضة، بالإضافة إلى تشتتها، تجعل أي معركة قادمة بينهم معروفة النتائج مسبقاً، كما قد تكون هناك إيجابية أخرى لاتفاق خفض التصعيد، وهي إنقاذ بعض تلك المناطق من تقدّم المليشيات الانفصالية والسيطرة عليها، بعيدا عن إرادة الفريقين السوريين (نظام أو فصائل)، أو حتى سكانها الأصليين.