"أبو رخوصة"... هيا بنا نتسوق

30 سبتمبر 2015
... وأصبح للتسوق متعة (حسين بيضون)
+ الخط -
عربات. ثياب. حقائب. كتب. بائعو عصير، حلويات. وغيرها من المنتجات التي يحتاجها المواطن اللبناني. منتجات رصت على امتداد شارع في وسط العاصمة بيروت. أطلق الباعة الجدد اسم "سوق أبو رخوصة" على هذا الشارع. وتعني عبارة "أبو رخوصة"، " بيع منتجات بثمن رخيص، أي زهيد". نعم. ثمن رخيص للبيع في وسط بيروت، ولم لا؟ أليس وسط بيروت، ملتقى لجميع اللبنانيين. الجميع ودون استثناء!!

الصورة أوضح
في سوق أبو رخوصة، وهو ما كان يطلق عليه سابقاً، الوسط التجاري، السوليدير، الداون تاون، وغيرها من التسميات التي لا تتناسب سوى مع قلة من المواطنين الأغنياء. يجتمع السائق، العامل، طالب الجامعة، وربة المنزل.

على امتداد الشارع، تتنوع البضائع. شباب افترشوا الطرقات لبيع سكاكر، مرطبات، ثياب، حقائب، أدوات منزلية. يقف المارة أمام العربات، يختارون ما يناسبهم. يتبضعون، ويقضون يومهم في مكان اعتاد أغنياء لبنان على ارتياده فقط. ففقراء لبنان، من شبابه، كباره وصغاره، لا يملكون ثمن شراء فنجان قهوة في تلك البقعة الجغرافية. في هذه المنطقة، ولمن لا يعلم، يتراوح سعر فنجان "الأسبرسو" بين 7 آلاف ليرة لبنانية و10 ألاف ليرة (بين 5 دولارت و8 دولارات) وترتفع الأسعار تدريجياً إلى أكثر من 20 الف ليرة لبنانية (16 دولاراً) ثمن عصائر ومشروبات ساخنة أخرى. هذه الأسعار بطبيعة الحال لا تتناسب مع أغلبية الشعب اللبناني، بعدما حكمت عليه القوى السياسية بالاتفاق مع القوى الاقتصادية، العيش بحد أدنى يبدأ من 675 الف ليرة (450 دولاراً).

اقرأ أيضا: غسان غصن: الأجور في لبنان لا تتناسب مع تضخم الأسعار

في هذه المنطقة أيضاً، لم تكن المشروبات وحدها ما يتصدر لائحة الغلاء، فالمأكولات البسيطة، كالنسدويشات مثلاً تبدأ أسعارها من 10 الاف ليرة لبنانية (7 دولارات)، وتصل إلى أكثر من 20 الف ليرة (15 دولاراً). أي أن سعر وجبة خفيفة يبدأ من 15 دولاراً كحد أدنى، أي ما يساوي أجر يوم واحد من أجور عمال لبنان. فما بالك بوجبات الغداء، أو العشاء، والتي تصل إلى مئات الدولارات.

اليوم تبدل المشهد. كوب العصير بات يباع بألف ليرة، ألفي ليرة، وحتى ثلاثة آلاف ليرة، أي بين دولار ودولارين، فنجان قهوة يباع بسعر 500 ليرة، وحتى ألف ليرة (بين 50 سنتاً ودولار واحد). أما السندويشات، فهي تتراوح بين 3000 ليرة و5000 ليرة في حدها الأعلى.

في الجهة المقابلة، لبائعي العصائر، عربات بيع المنتجات المنزلية، الحقائب وغيرها، بأسعار تناسب الفقراء، بخلاف المحال التجارية التي تختص ببيع أفخم الماركات العالمية وبأسعار توازي ما يتقاضاه 10 عمال شهرياً.

تبدأ الأسعار الخاصة ببيع أدوات التزيين الخاصة بالفتيات (عقود، أساور) بسعر 3000 ليرة ( دولارين) فيما في السابق، وعلى مقربة من عربة بيع أدوات الزينة هذه، كانت الأسعار تحلق فوق 45 الف ليرة(30 دولاراً).

اقرأ أيضا: الأسواق الشعبية: أسعار تناسب الفقراء ومصدر دخل لصغار التجار

الفروقات الاجتماعية، فرضت انتفاضة اللبنانيين. قلة قليلة تمتلك بيدها الثروات. وبحسب تقرير صادر في العام 2014 لمصرف "كردية سويس" فإن 0.3% من سكان لبنان يمتلكون 48% من ثروتهم، في حين يمتلك 97% من الشعب ما يوازي 52% من الثروة. كما يشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول الأرقام المتوقعة للعام 2015، إلى أن 3.3 ملايين لبناني من أصل 5.9 ملايين نسمة يعيشون في دائرة الفقر.

المكان يتسع
تعود فكرة إقامة سوق شعبي، إلى منتصف القرن السابق. حيث كانت ساحة البرج "المكبلة اليوم بأطنان من الحديد والأسلاك، لحماية مقرات فارغة" ملتقى جميع اللبنانيين. كانت تباع في هذه المنطقة كل حاجيات المواطن. أسعار تناسب الأغنياء والفقراء. والدعوة العامة للتسوق.

بعد الحرب الأهلية، وما خلفته من دمار، تولت شركة سوليدير، مهمة إعادة البناء. بات هذا الوسط، تجمعاً لرجال الأعمال، السياسيين، والأثرياء. أما الفقراء، فلم يكن العديد منهم يستطيع زيارة وسط العاصمة ولو مشياً على الأقدام. في الأيام الأولى للحراك الشعبي، أطل على شاشات التلفزة، شاب (25 عاماً)، قال "هذه المرة الأولى الذي أزور فيها وسط بيروت". يشير تصريح هذا الشاب، إلى أن التناقض الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع، أفرز مناطق يطلق عليها "كلاس" أي درجة أولى محرمة على الفقراء، ومناطق أخرى تجمع بقية المواطنين.

المساهمون