إنه "ثورة".. فلا تمسخوه

19 يونيو 2015
إنه "ثورة".. فلا تمسخوه (Getty)
+ الخط -
يأتي شهر رمضان للمرة الخامسة على التوالي مغايرا لما اعتدناه من أجواء وطقوس وروحانيات واستعدادات مسبقة له، فهو ليس كما كان، ولم يعد رمضان بعد الثورات كما كان قبلها!

ربما كان أول رمضان بعد الثورات مباشرة هو الأجمل على الإطلاق، انتابت الشعوب حالة من العنفوان في التغيير وبناء النفس والمجتمع، فقام الشباب يخدمون مجتمعاتهم بحب ومودة يستشعرون فيه معاني الشهر الفضيل وروحانياته، حتى توالت الأحداث وتكشّفت أوراق اللعبة السياسية التي غدرت بأحلام الشباب وآمالهم وعصفت بها في معسكرات الأنظمة المستبدة المتسيدة على شعوبها.

كانت لترتيبات اللعبة السياسية القميئة التي ما زالت تحاول وأد ثورات الربيع العربي أثرها البالغ على الأجواء الرمضانية وطقوسها وعادات المجتمعات العربية التي تصاحبها، فالقبضة الأمنية المتغولة حرمت الكثير من الشباب من الاعتكاف في المساجد إلا بتصريحٍ أمني، وهذا يُنذر باعتقالات مستقبلية لهم.


انتفى الأمان في كل ربوع دول الربيع العربي، فلم يعد الناس يخرجون إلا قليلا، لتناول وجبة السحور، إما خوفا من اعتداءات السرقة أو الضرب أو حتى القتل، وفي بعض الدول الموت قصفاً.

وعندما أحدثت الدول المستبدة انقساما بين أطراف مجتمعاتها وشقاقا واضحا وتحزبات مؤيدة لها ضد معارضيها في البيت الواحدة نفسه، تلاشت التجمعات والسهرات العائلية في رمضان التي تقوي اللحمة والتعاضد بين الناس، وأصبحت المشاحنات والفرقة أساس التجمع ثم انفض الجمع إلى غير رجعة قريبة!

لم يعد يستطيع أبناء الحي تقديم موائد رمضانية أو مساعدات للفقراء، حتى لا يتعرضون لمساءلات أمنية، فاحتكرها رجال الأعمال ورجالات الأنظمة المخلوعة، كما انضم إليهم أيضا جنرالات العسكر، باحتكار متعمد ليس لها فقط، بل لمجالات حياتية أخرى!
ولا تضيع أنظمة دول الفساد والديكتاتورية فرصة استغلال هذا الشهر بشتى الطرق، فتزيد أسعار السلع الأساسية في وقت احتياج الناس لها بشكل دائم ويومي، كما أنها تقوم بتوجيهه للشراء من منافذ البيع التابعة للدولة أو عسكرها أو رجال أعمالها، مما يؤثر في المستهلكين وفي صغار التجار.

كما لا يجب أن ننسى الهجمة الشرسة من قنوات الإعلام العربية على المواطن، وتحفيزه لمشاهدة كافة المعروضات بما لا يتناسب مع روحانيات شهر رمضان والأحداث الجارية في بلادنا، والترويج خلال ذلك لسلع بعينها، فتغريه بشرائها بارتفاع أسعارها، وفي ذات الوقت تصيبه بالتخمة من تكدس كل ذلك من دون الشعور بمعاني رمضان وروحانياته أو القيام بطقوسه.

لم تترك هذه الأنظمة المجرمة فرصة قدوم شهر رمضان إلا وتعسفت أكثر، فتعتقل المزيد من معارضيها، كأن هناك علاقة تنافسية في الأمر، كما أنها تزيد من تسلطها على المعتقلين سياسياً داخل سجونها، وتمارس نفس التسلط على أهالي المعتقلين وتروعهم، فأصبحت جموع الشعوب تعاني، مؤيدون ومعارضون.

تتعمدّ تلك الأنظمة الاستبدادية مسخ رمضان بطقوسه المتعارف عليها، وهدمها داخل نفوس شعوبها، وخاصةً شبابها بأعمالها القميئة المستحدثة، ثم تقذف الثورات بأنها سبب المعاناة وعدم الأمان وانهيار الاقتصادات، وإنتاج الإرهاب، فتلعنها الشعوب وتصبّ جام غضبها عليها!
لكن شهر رمضان وإن حاولوا طمسه أو مسخه هو ثورة في حد ذاته، ثورة باليقظة، ثورة بالتوبة عن الذنوب، ثورة بمقاومة الظلم والظالمين، ثورة بتغيير العادات السيئة، ثورة تنبيهية لمساعدة الفقراء، ثورة ضد الروتين، ثورة ضد الخلاف، وثورة ضد فساد الدولة والإعلام.. وعلى كل إنسان أن يقوم بثورته الرمضانية بطريقته، فلا يتسلل إليه ملل أو يأس أو لا مبالاة.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk
المساهمون