المنتبذ القصي... حين يلازم الفقر والجوع موريتانيا

05 يناير 2015
غياب الخدمات الأساسية في قرى موريتانيا (جورج غوبيت/فرانس برس)
+ الخط -
يُطلق على موريتانيا لقب "المنتبذ القصي"؛ إذ يقع هذا البلد في نقطة بعيدة في خارطة الدول العربية، في أقصى غرب قارة أفريقيا. ولعل هذا اللقب لاحق موريتانيا حتى اليوم، إذ قلّما تُعتبر الأزمات التي يمر بها هذا البلد القصي، من ضمن القضايا العربية الأساسية، وذلك برغم وجود مشكلات وصلت إلى حد المأساة. 
توشك الخطة الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة الموريتانية للقضاء على الفقر فى البلاد والمعروفة بـ"الإطار الاستراتيجي لمكافحة الفقر 2000-2015"، على الانتهاء. وهذه الخطة تقوم على تحقيق تنمية حقيقية تنعكس على الواقع المعيشي للسكان من خلال محاربة الفقر، وتوفير الخدمات التعليمية والصحية. غير أن نسب الفقر لا تزال مرتفعة في موريتانيا، ولا تزال الحالة الغذائية والصحية والتعليمية هشة.

الفقر وضعف الخدمات
وتصنف موريتانيا ضمن الدول الـ25 الأكثر فقراً في العالم، فيما تعاني نسبة كبيرة من المواطنين من الفقر وغياب الخدمات الضرورية، خاصة فى المناطق الريفية. وبحسب تقرير اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة الصادر عام 2014، تحتاج موريتانيا إلى 110 آلاف طن من المواد الغذائية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة من عام 2015، لسد حاجيات 400 ألف مواطن.
وبحسب إحصاءات نشرها وزير الصحة السابق الشيخ ولد حرمه، فإن تغطية الخدمات الصحية لا تطال، بصورة فعلية، نسبة 5% من السكان، وخدمات التعليم 14%، والبنية التحتية لا تتجاوز 7% من احتياجات البلاد. أما نسبة الولوج إلى الماء الصالح للشرب فتصل إلى 20%، وإلى الكهرباء 12%.
ويعتبر انتشار الأمية، خاصة في المناطق الريفية وتأثر القوة الشرائية للمواطن الموريتاني بفعل ارتفاع معدلات التضخم، من أهم أسباب انتشار الفقر في موريتانيا، هذا فضلاً عن اعتماد المواطنين في الريف، بشكل شبه كامل، على الأنشطة الزراعية والرعوية التي تخضع للظروف المناخية المتقلبة.
وبحسب الملخص التحليلي لتقرير حالة الفقر في موريتانيا لسنة 2008، فإن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغت 42%، فيما تبلغ نسبة الأسر الفقيرة نحو 35% من الأسر الموريتانية، بينما تصل نسبة الفقر في الريف الموريتاني 59.4%، في مقابل 20.8% في الوسط الحضري.
ويعتبر الباحث الدكتور خالد ولد محمد أن أسباب عدم التغلب على الفقر يعود إلى طبيعة الاقتصاد الموريتاني، باعتباره "اقتصاداً ريعياً يمتاز على الخصوص بضعف القدرة على توزيع ثمار النمو، حتى تتحقق التنمية وتنخفض نسب الفقر".
ويلفت إلى أن "النمو ينعكس فقط على فئة قليلة من المواطنين، وفي قطاعات اقتصادية محددة مثل قطاع الصناعات الاستخراجية مثلاً. في حين أن قطاعات أخرى تستوعب الجزء الأكبر من العمالة في موريتانيا، تعرف نسب نموها تذبذباً واضحاً".
وعن رأيه في الخطط الحكومية لمكافحة الفقر، يقول ولد محمد في حديث لـ"العربي الجديد"، "وصلنا إلى نهاية المدة التي منحت لخطة "الإطار الاسراتيجي لمكافحة الفقر". إذا نظرنا إلى أهداف الخطة التي يمكن اختصارها بمعالجة ضعف التوزيع العادل للنمو، لم تتحقق فعلاً. إذ إن نسبة الفقر عرفت انخفاضاً طفيفاً في المناطق الحضرية، واستمرت بالمستوى ذاته في الريف. كما أن الخدمات الصحية والتعليمية لا تزال غير قادرة على تلبية احتياجات السكان بالشكل الأمثل".

الفساد وعدم الاستقرار
ويعاني المواطنون الموريتانيون من ارتفاع الأسعار، خاصة المواد الأساسية. كما شهدت المواد البترولية ارتفاعات عديدة خلال السنتين الماضيتين. ورغم انخفاض أسعار البترول عالمياً، لا يزال الموردون في موريتانيا يرفضون خفض أسعاره.
وقد مثل إلغاء الدعم عن المواد والسلع الأساسية الذي نفذته الحكومات الموريتانية المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي، تنفيذا لشروط البنك الدولي، خطراً محدقاً بالفقراء، ما أدى إلى تهميش الطبقة الوسطى وتوسيع الفجوة الاجتماعية.
في المقابل، لم يستطع حجم القروض والمساعدات الخارجية التي تدفقت على موريتانيا، خلال العقود الماضية، تغيير الواقع المعيشي للسكان. حيث التهم الفساد وسوء التسيير العديد من البرامج التدخلية التي كانت تهدف إلى مكافحة الفقر ومحاربة أسبابه الجوهرية.
وعن ضعف اهتمام الدول العربية بموريتانيا، من حيث الدعم والاستثمار، يقول الباحث الهادي ولد أبوه لـ"العربي الجديد"، إن التهميش العربي موجود، إذا ما نظرنا للإمكانيات لدى بعض الدول العربية وحاجة موريتانيا الماسة للدعم؛ إذ إن البلاد لا تزال تعاني من شح في الخدمات الأساسية التي تدخل في صلب حياة المواطنين.
ويضيف: "إضافة إلى قلة الدعم، هناك أسباب لنمو الفقر، تعود إلى الفساد الذي ساد اﻷنظمة المتعاقبة في موريتانيا. وكذا عدم الاستقرار السياسي".
ويقول ولد أبوه إن "بنية الاقتصاد الموريتاني هشّة، في المقابل تتوافر في البلاد الفرص الاستثمارية. وبين المفارقتين، ترتفع معدلات الفقر، لتصل إلى 42% من سكان موريتانيا، وذلك وفقاً لآخر الإحصائيات المتوافرة حول أوضاع المواطنين".
وعن الدعم الذي تقدمه الصناديق العربية لموريتانيا، يقول ولد أبوه "هناك إحصائيات تظهر أن الاستثمارات العربية في موريتانيا وصلت إلى 850 مليون دولار أميركي في بداية عام 2014. وهناك دعم من بعض الصناديق العربية، لكنه محدود ومقتصر على بعض القطاعات. وفي منتدى موريتانيا للاستثمار 2014، حصلت موريتانيا من السعودية ومن هيئات تمويل عربية أخرى على 836 مليون دولار، على شكل هبات وقروض لدعم اقتصادها وتمويل مشروعات في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية. ويشرح أنه "خلال المنتدى، تم توقيع عشر اتفاقيات تمويل، شملت: اتفاقيتين مع صندوق النقد العربي، وخمس اتفاقيات مع تحالف الراجحي السعودي من خلال مجموعة الربيان، واتفاقيتين مع الصندوق السعودي للتنمية، ومذكرة تفاهم مع الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، بقيمة إجمالية تجاوزت مائتين وخمسين مليار أوقية". ويضيف: "يبقى الأمل معقودا، في العام المقبل، على تغيير السياسات والإفادة المثلى من الدعم والمساعدات، لتحسين ظروف الموريتانيين".
المساهمون