أصواتٌ تولدُ من حلم الطفولة

23 ديسمبر 2014
إبراهيم الصلحي، أصواتٌ تولدُ من حلم الطفولة
+ الخط -
الأصل رسم لوحة كبيرة صحبة رفيق. لكن لم يكتب النجاح لهذا التعاون، وبدا أنّه من الأفضل قطع اللوحة إلى ثلاثة أجزاء. بدأ إبراهيم الصلحي العمل على أحد الأجزاء في السودان، ثمّ في نيويورك. بعد ذاك، شُحنت اللوحة إلى أفريقيا، ووضعت في مخزن لمدة خمس وثلاثين عامًا.
 
رسم إبراهيم الصلحي "أصواتٌ تولدُ من حلم الطفولة" بين عامي 1961 و1965. للأشخاص فيها هيئاتٌ شبحية، لها رؤوس متطاولة. أطرافها ممتدّة. عيونها الغائرة تطلع من أرض صفراء شاحبة. تتشابك الخطوط لتؤلّف تلك الأجساد ذات الأزرق الكابي والأسود والرمادي. هذه الألوان الزيتيّة مسفوحة بدقّة ورهافة على قماشٍ ينسجُ يدويًا في السودان. 

الرؤوس غريبة. يقول الفنّان: "من الممكن أن تكون هذه الهيئات المتطاولة ذات العيون السود، هيئات أمّهاتنا وجدّاتنا، متّشحات بسواد الحجاب. أو ربّما هي وجوه قارعي الطبول والدفوف، الذين كنت أشاهدهم في طفولتي وهم يجوبون الطرقات عند الفرح والجنازات، متضرعين إلى الخالق عزّ وجلّ". 

اللوحة التي تحيلُ إلى الطفولة في عنوانها، لا تبدو منبتّة الصلة عن التربية الفنية التي تلقاها إبراهيم، إذ يقول إنه رضع الفنّ منذ كان طفلًا في الثانية من عمره، إذ كان في خلوة والده الشيخ، يجلس وينسخ الكتابات على الألواح. وتجسّد اللوحة مزجًا أو دمجًا فريدًا من الثقافات والتقاليد، وهي أيضًا صدىً للثقافة البصرية في السودان. 

يقال إن الصلحي يبدأ لوحاته الكبيرة من المنتصف، عبر فكرة معيّنة، وبعد ذلك رويدًا رويدًا تبدأ اللوحة بالنمو بشكلٍ عفوي تلقائي. إذ رغم اعتماده الثابت على التأثير التأسيسي للموتيفات السودانية كنقطة انطلاق في أعماله التشكيلية، ظلّ الصلحي يتعامل بسهولة وسلاسة مع النظرة الحداثية والعالمية التي تبدو على تناقض ظاهريًا مع الطرح الجمالي والفكري لـ "مدرسة الخرطوم". 

ألوان اللوحة تفوق الوصف؛ يعمل الصلحي على ألوان ترابية، أصلها طين سيينا المشوي، اللون المغرة، واللون الأصفر واللونان الأبيض والأسود أيضًا، هي كلّها ألوان التراب في السودان: "فجأةً أدركتُ كلّ ذلك الجمال على حين غرّة. كأن تتلقى ضربة قوية مباغتة. لقد عشتُ مع كلّ ذلك الجمال طوال حياتي دون أن أبصره في حقيقة الأمر". 

لم تكن حياة إبراهيم أقلّ غرابةً من لوحته هذه، إذ تقلّد منصب وكيل وزارة الثقافة في السودان في سبعينيات القرن المنصرم، ثمّ غدا نزيلًا في سجن كوبر بين عامي 1975 و1976. هذه التجربة القاسية كما يقول دفعته إلى الخروج من وطنه. فعاش لسنوات في دولة قطر قبل أن يستقر في المملكة المتحدة.


المساهمون