هل تبذل الدول العربية الجهد الكافي لمحاربة تهريب السلع؟

08 يونيو 2015
من اليمين محمد طارق وناصر بن غيث (العربي الجديد)
+ الخط -
تعاني العديد من الاقتصادات العربية من السوق الموازية، والتي أصبحت تنشط بقوة، بفضل سلاسة تهريب السلع عبر الحدود. فهل تبذل الدول العربية الجهد الكافي لمحاربة ذلك؟

ناصر بن غيث: "شرّ لا بدّ منه"
قال عضو غرفة التجارة والصناعة الإماراتية، الدكتور ناصر بن غيث، إن تفشي الاقتصاد الموازي وتجارة تهريب السلع في الدول العربية، أصبحتا حاضرتين بشكل قوي وكبير، نظراً لتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية.

وأوضح بن غيث، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن الدول العربية غير متساوية من حيث حجم حضور الاقتصاد الموازي، وذكر أن دول الخليج على سبيل المثال تختفي داخلها معالم الاقتصاد الموازي، فيما هناك دول عربية أخرى يفوق فيها الاقتصاد الموازي حجم الاقتصاد الرسمي، ما يوثر سلباً على الإيرادات العامة، وعلى النظام المصرفي، الذي يعاني من تدني السيولة، وعجز عن تمويل الأسواق.

وربط ناصر بن غيث بين ظاهرة تهريب السلع والتجارة فيها، بالعقلية الثقافية والسياسية للمواطن العربي، واقتناعه بعدم الانضباط لجهة تسديد الضرائب التي تفرضها مجموعة من الدول، من منطلق مقولة: "لا ضرائب بدون تمثيلية في السلطة"، أي أن المواطن سواء الذاتي أو المعنوي (أصحاب الشركات)، يرى أن الجهاز الذي يفرض عليه سلة من الضرائب على الاستهلاك والإنتاج والاستثمار... ليس منتخباً ولا يمثله.

وشدّد عضوغرفة التجارة والصناعة الإماراتية، على أن أعباء الوعاء الضريبي في العديد من الدول العربية ثقيلة، نظراً لمحدودية موارد الدولة، ورغبتها المستمرة في الرفع من مواردها، ما يدفعها إلى اللجوء لفرض زيادات مختلفة، تقود الأفراد وأصحاب الشركات مباشرة للبحث عن بدائل غير رسمية، بقصد التجارة في السلع أو الاستهلاك، وأيضاً استيراد مواد أولية من أجل الإنتاج عن طريق السوق السوداء.

وقدم الدكتور ناصر بن غيث مثالاً واضحاً عن جمهورية مصر، حيث قال: "إن اقتصاد تهريب السلع فيها يقدّر بمليارات الدولارات، ويشمل العديد من القطاعات".

اقرأ أيضا: السوق السوداء تقبض على الاقتصاد الليبي

وعن دور إنشاء الأسواق الحرة بين الدول العربية، وخاصة في النقاط الحدودية التي تجمعها، اعتبر عضو غرفة التجارة والصناعة الإماراتية، أن هذه القضية أضخم وأصعب من أن تحل بإنشاء مناطق التجارة الحرة، لأن حلها، من وجهة نظره، يكمن في محاربة الفساد في أعلى هرم الدول، والتي يرعى المتحكمون فيها التجارة في تهريب السلع. وأورد في هذا الصدد المثال بالنظام السوري، الذي كان ولا يزال يشجع ويتربّح من الاقتصاد الموازي، بل يوفر له، حسب المتحدث ذاته، المناخ الاقتصادي المناسب لانتشاره وقبوله من طرف الشعب السوري.
وأردف الدكتور ناصر بن غيث، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن القضاء على تهريب السلع في الدول العربية، لا يمكن أن يقفز على إشكالية الصراعات السياسية داخل أقطاب الدول التي تعاني منه، والتي تلعب دوراً رئيساً في تحريك خيوط التجارة داخل الأسواق السوداء.

وذهب عضو غرفة التجارة والصناعة الإماراتية حد القول بأن العديد من الشعوب العربية أصبحت ترى في اقتناء السلع المهرّبة "شراً لا بدّ منه". وبرر ذلك، بارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وثبات أجور العمال والمستخدمين، وقال: "للأسف الشديد عندما تفشل الحكومات في طرح سياسات اقتصادية رسمية مجدية، يصبح بديل السوق السوداء، ويصبح وجودها واقعاً مفيداً للاقتصاد الرسمي".

وختم الدكتور ناصر بن غيث تصريحه لـ"العربي الجديد" بالقول: "لا أرى أن الحد من مشكلة تهريب السلع والاتجار فيها يكمن في طرح المزيد من الإصلاحات الضريبية، ولا في تشديد القوانين الرادعة، يل يمر عبر إصلاحات اقتصادية واجتماعية، والعمل على تغيير ثقافة المواطن العربي تجاه اللجوء إلى السوق السوداء".

اقرأ أيضا: المناطق الحرة العربية: استثمار لا يهدأ (ملف)

محمد طارق: غياب التنسيق العربي
اعتبر الأستاذ الجامعي، الدكتور محمد طارق، أن أولى المشاكل التي تواجه جهود القضاء على تهريب السلع في الدول العربية، هو غياب الثقافة القانونية لدى المواطنين وحتى العاملين داخل المؤسسات، وعدم إلمامهم بمفهوم "التهريب"، الذي يعرّف بأنه "كل إخلال بالقانون أو النُظُم الجمركية، وإن كان العمل إيجابياً أو سلبياً يتضمن خرقاً للتشريعات واللوائح الجمركية ويلحق ضرراً بمصالح الدولة"، بالإضافة إلى غياب تنسيق عربي لمواجهة خطر التهريب على الاقتصادات العربية.

وأوضح طارق، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة من الدول العربية تتقاسم التعريف نفسه لتهريب السلع، باستثناء مملكة الأردن التي لم يعرف قانونها تحديداً الجريمة الجمركية، انطلاقاً من مواد "القانون الجمركي الأردني رقم 20 لعام 1998".

اقرأ أيضا: السوق المخفية في عهد أسرة الأسد: وسيلة إخضاع وابتزاز

وقال الدكتور محمد طارق إن العديد من العوامل تجعل من ظاهرة التهريب أو التجارة الموازية في الدول العربية نشيطة، وتشكل نسباً مهمة من الحركة التجارية العربية، وذكر من بينها "رغبة المهربين في اكتساب أرباح بدون أداء الرسوم الجمركية، وذلك بقصد الرفع من قيمة الأرباح المالية والمادية للمهربين، وكذلك نتيجة حظر الكثير من القوانين العربية دخول بعض السلع والمواد لسوقها الوطنية، وهذا ما يجعل مرورها عبر الحدود أمراً مجرّماً قانوناً، ما يشجع على التهريب". وأضاف المتحدث ذاته، أن المهربين في الدول العربية، يستغلون طول الحدود البرية للدول العربية وصعوبة حراستها، وتميّزها بجغرافية صحراوية تجعل من إمكانية تغطيتها الأمنية بالكامل أمراً شبه مستحيل لرجال الجمارك في البلدان العربية، وخصوصاً أمام غياب التنسيق بين الدول العربية في هذا المجال.

وأورد محمد طارق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، نوعاً "فريداً" من أنشطة التهريب لا يشار إليه، وهو التهريب عبر المستندات، حيث يعتمد المهربون على تقديم بيانات كاذبة في بوالص الشحن والفواتير، وذلك من أجل الاستفادة من الامتيازات الممنوحة للقطاعات الصناعية والدبلوماسية والهيئات الخيرية والبروتوكولات التجارية، بغية الحصول على الإعفاءات الجمركية، ورفع أي من أنواع القيود التي يراها المهربون حاجزاً أمامهم. ومن آثار التهريب على الاقتصادات العربية، حسب الدكتور محمد طارق، ضعف تسويق المنتجات الوطنية، والآثار الاجتماعية، والتداعيات الأمنية كذلك، كونها المسهّل رقم واحد اليوم لنشاط الجماعات الإرهابية الدولية، ومنظمات الإتجار بالبشر.

اقرأ أيضا: هل من أمل بنمو التجارة العربيّة مع تصاعد الأزمات؟
المساهمون