يحيى الشيخ: تعليم العربية في فرنسا تحكمها المصالح

02 يوليو 2015
الباحث في جامعة باريس الأولى يحيى الشيخ (العربي الجديد)
+ الخط -
شهدت فرنسا في الآونة الأخيرة حملة مشبوهة لمحاربة تدريس العربية في المؤسسات الفرنسية، وذهبت بعض المقالات إلى اتهامها بالمساهمة في نشر أفكار التطرف في فرنسا، مثل صحيفة لوفيغارو التي نشرت مقالاً هذا العام بعنوان: "تدريس اللغات الأجنبية في المدرسة: خطر الانزواء الجماعاتي".

وبالرغم من أن العربية هي اللغة الثانية التي يتحدث بها أكبر عدد من الناس في فرنسا، إلا أن قلة فقط من التلاميذ تتعلمها على كراسي المدارس العمومية. ففي سنة 2009 لم يكن يتوفر سوى 222 مُدرِّساً لنحو 6000 تلميذ وطالب من مجموع 5 ملايين تلميذ في فرنسا. أي بنسبة 0.1 في المائة، بعيداً خلف الإنجليزية 97.9 في المائة والإسبانية 41 في المائة والألمانية 15.4 في المائة والإيطالية 4.2 في المائة والصينية 0.4 في المائة والروسية 0.3 في المائة".

ولكن هذه الصورة ليست بريئة، وهي ما سيفسرها لنا خلال لقائنا معه، الباحث والأكاديمي في جامعة باريس الأولى يحيى الشيخ، الحاصل على التبريز والأستاذية، والذي عمل أميناً عاماً للجمعية الفرنسية للمستعربين (2005-2013)، كما أنه يشرف على "المجمع الفرنسي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية".

تاريخ العربية بفرنسا
يتطرق يحيى الشيخ في بداية حديثه لـ"العربي الجديد"، عن تاريخ تعليم العربية في فرنسا، فيقول إن العربية بدأ تعليمها في فرنسا سنة 1538 بقرار من الملك فرانسوا الأول الذي أدخل العربية لغة رسمية في كوليج دي فرانس. كما أننا نجد لدى مجموعة من المثقفين الإنسانويين رغبة في تعلم العربية، مثل مونتان في كتابه "محاولات" التي يوجهها لابنه فيحثه على تعلم العربية والعبرية، كما وجدت محاولات أخرى لترجمة كتب ابن رشد وآخرين قبل هذه السنة.

وعند احتلال الجزائر بدأ التفكير في خلق مؤسسات تعليمية تخدم بالدرجة الأولى مصالح المستعمر. فأسست الإدارة الفرنسية ما تسميه "وزارة التعليم الأهلي"، ومن ضمنها إنشاء شهادة التبريز في اللغة العربية سنة 1906، للتدريس في المستعمرات، وكانت في البداية حكراً على الفرنسيين.

ويستطرد الشيخ مبرراً سبب استمرار فرنسا في تدريس العربية بشكل رسمي حتى الآن، فيقول إن ذلك لخدمة مصالحها وإظهار الوجه الجيد لها أمام الدول العربية باعتبارها بلداً متفتحاً ويدرّس العربية وبطريقة تتفوّق على طرق تدريس العربية في البلدان العربية وفي بلدان أوروبية أخرى، حيث يأتي الكثيرون من هولندا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها للاستفادة من هذه التجربة.

ولكن المشكلة أن هذا التدريس لا يوجد في كامل التراب الفرنسي لأسباب سياسية، حيث إن من المسموح لأي طالب حين الولوج إلى الإعدادية أن يختار لغة أجنبية ثانية بعد الإنجليزية، ولكن إذا كان رئيس المؤسسة التعليمية عنصرياً، فإن تدريس العربية يصبح مستحيلاً ويكتفي باللغات الأوروبية من ألمانية وإسبانية.

وحسب الإحصاءات الرسمية، لا يتعدى عدد تلاميذ اللغة العربية في المدارس الرسمية الفرنسية 7000 تلميذ، وتتضمن من يتعلم العربية عن طريق المراسلة، وتوجد أقاليم فرنسية بأكملها لا تُدرَّسُ فيها اللغة العربية، وعدد الأساتذة لا يتعدى 300 مدرّس.

العربية الخاصة
يقول الشيخ لـ"العربي الجديد" إنه وبسبب التضييق في تعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية، فقد انتشر تعليمها بشكل غير رسمي، حيث إن تعليم السفارات المغاربية يُدرّس أكثر من 60 ألف تلميذ، وهذا ما يُشكّل عقدة أمام فرنسا، التي تعتبره بمثابة "ضخ حقنة أجنبية في جسم التعليم الفرنسي". ولكنها لا يمكن أن تَحظُرَه لأنه تمّ وفق اتفاقات ثنائية رسمية، ولا يمكن لفرنسا أن تلغيه لأنها بدورها توفر مدارس ومؤسسات تعليمية وثقافية فرنسية في بلدان المغرب العربي وتريد الحفاظ عليها لتأييد الفرنكوفونية ونمط العيش الفرنسي.

أما التعليم الذي لا يرتبط بالسفارات، الذي كان ضعيفاً قبل سنة 1990، فقد انتشر في مساجد أو من خلال تأسيس جمعيات وفق قانون 1901 المنظّم لعمل الجمعيات الفرنسية. وأحصت وزارة الداخلية الفرنسية ما يقرب من 2000 مسجد على التراب الوطني.

وفي سنة 2004 شهدنا انتشاراً واسعاً لتعليم العربية بشكل علمي، وَوَاكَبت هذا التعليم مجموعةٌ من التدخلات على مستوى الفرنسيين المتعاطفين مع تعليم العربية في فرنسا، ومن بينهم جاك لوجوندر (Jacques Legendre)، صاحب مقال طويل يُشيدُ بفضل اللغة العربية وضرورة تعليمها.

العربية والمستقبل
ويلخص الشيخ وضعية العربية في فرنسا، فيقول إن التعليم الرسمي ضعيفٌ ومحدودٌ ونوعية التعليم الذي تقدمه السفارات العربية لا يسير في الاتجاه المطلوب، بينما التعليم الذي تقدمه المساجد في وضعية جنينية، ولهذا يجب على الدولة الفرنسية أن "تعترف" بالمدارس العربية الخاصة وتنظّم عقوداً معها، على غرار ما هو معمول به، بشكل واسع، مع المدارس المسيحية واليهودية.

ويضيف قائلاً: نُريد رؤية "شراكة" بين الطرفين، حتى تحصُل المدارس العربية الخاصة على الدعم المادي الضروري الذي سيُخفّف من أعباء أولياء التلاميذ.

وفي ما يتعلق بالمستقبل، يقول الشيخ إنه لا يخفي تفاؤله، حيث إن الجيل الثالث للهجرة يريد فعلاً أن يندمج في فرنسا، لكن من دون التخلي عن جذوره ولغته، أو لغة آبائه وأجداده. ومن هنا يجب العمل على تشجيع المدارس الخاصة، وبكل شفافية ممكنة، على الانبثاق، لكن من خلال تنسيق وتعاقد مع وزارة التربية الوطنية.

اقرأ أيضا:تحديات الحفاظ على العربية في الولايات المتحدة
ديانا الدجني: صممت ألعاب إلكترونية تسهل تعلم العربية للأطفال
المساهمون