الأيادي الخشنة: آلاف الأطفال المغاربة يمارسون أعمالاً شاقة وخطيرة

21 يوليو 2016
أطفال في سوق العمل (عبد الحق سينا/ فرانس برس)
+ الخط -
تتوالى الأرقام الصادمة بخصوص ظاهرة تشغيل القاصرين دون عمر 15 سنة في المغرب. فبعد الإحصاءات التي حددت نسبتهم بالآلاف، ضمنهم 90 في المائة يشتغلون بالبادية، خرجت مندوبية التخطيط بمعطيات جديدة ضمنتها في دراسة عن الأخطار المحدقة بآلاف الأطفال الذين يتركون فصول الدراسة لمصلحة مهن يعملون بها بهدف إعالة أسرهم.
تقول أرقام المندوبية التي وردت في البحث الوطني حول الأعمال الخطيرة للأطفال، إن هذه الأعمال تطاول 193 ألف طفل من بين الفئة المتراوحة أعمارها ما بين 7 و17 سنة خلال سنة 2015، وهو ما يمثل 59 في المائة من الأطفال العاملين و2,9 في المائة من مجموع أطفال هذه الفئة العمرية. البحث يكشف أيضاً أن 80% من هؤلاء الأطفال يتواجدون بالوسط القروي، 78% هم ذكور. 

أما في الوسط الحضري، ومن بين الأطفال الذين يشتغلون، 39 ألف طفل يزاولون أعمالاً خطيرة، وهو ما يمثل 86% من الأطفال العاملين بالمدن و1,1% من مجموع الأطفال في الحضر. وبخصوص الوسط القروي، يرتفع هذا العدد إلى 154 ألف طفل وهو ما يمثل على التوالي 54,8% و5,1%.

وتعرّف الدراسة "الأعمال الخطيرة للأطفال" بـ: "مخاطر السقوط أو الارتطام بأشياء حادة. أخطار بيولوجية في مكان العمل. ارتفاع درجة الحرارة. العمل الشاق أو الرتيب أو قلة الرقابة أو انعدام السلامة أو التحرش. العمل لساعات مفرطة أو العمل بالليل أو العمل بمكان منعزل".

مطالب للحد من الظاهرة
تعلق عضوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة عناني على ظاهرة تشغيل الأطفال القاصرين بالقول لـ "العربي الجديد" إن "المغرب وقّع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وعلى العديد من الاتفاقيات التي تلزمه باحترام الالتزامات الدولية في هذا المجال، أي أن المكان الطبيعي للطفل هو المدرسة".

وتضيف أن "مشكلة المغرب تتمثل بأن الدولة عوض أن تهيئ الظروف لاستقبال الأطفال في المدارس، تسن قوانين تسمح بتشغيل الأطفال، وأكثر من هذا تتحدث عن دور أولياء الأمور في كتابة العقد، ونحن نرى أن الآباء يكونون مضطرين لدفع أبنائهم للاشتغال بسبب أوضاعهم المادية والقانون يجعل منهم طرفاً في انتهاك حقوق الأطفال".
تتابع عناني: "ما يثير انتباهنا أيضاً هو أن نسبة كبيرة من الأطفال تشتغل في مهن خطيرة بما فيها العمل داخل البيوت باعتبارها أماكن مغلقة تمارس فيها العديد من الانتهاكات على القاصرات. ولهذا نادينا بمطلب منع تشغيل من هم دون أقل من 18 سنة، وهو سن يكون فيه الطفل ناضجاً كفاية ولديه القدرة على مواجهة واقع معين. فضلاً عن هذا لاحظنا تفشياً لظاهرة اشتغال الأطفال في الورش الصناعية وفي مهن الصناعات التقليدية، وهو ما يمثل خطراً كبيراً على تكوينهم الجسدي أو النفسي، بل يشكل خطراً على حياتهم بسبب درجة خطورة ما يمارسون. وهذا دون الحديث عن الاستغلال الذي يكونون عرضة له، إذ على مستوى الأجور يحصلون على أجر يقل بكثير عن أجور البالغين حتى لو كان الطفل القاصر يؤدي عملاً مماثلاً وفي الظروف نفسها".

بالعودة إلى خلاصات البحث الوطني الصادر قبل أسابيع، فهي تذكّر أن الاتفاقية رقم 182 لمنظمة العمل الدولية والتي تتعلق بحظر "أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها"، تعرف "الأعمال الخطيرة" بـ "الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها، إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي". ولقد تم اعتماد هذه الاتفاقية من قبل منظمة العمل الدولية سنة 1999، وشرع في تنفيذها سنة 2000 وتمت المصادقة عليها من طرف المغرب في 2001.

ويشرح التقرير أن 151 ألف طفل ذكراً يزاولون أعمالاً خطيرة، أي ما يمثل 70,8 في المائة من الأطفال الذكور النشيطين المشتغلين و4,4 في المائة من مجموع الأطفال الذكور البالغين من العمر ما بين 7 و17 سنة. ومن بين الإناث، يبلغ هذا العدد 42 ألفاً، وهو ما يمثل حوالي 36,9 في المائة و1,3 في المائة على التوالي.

ومن بين القطاعات التي تمثل فيها نسبة الأطفال المعرضين للأخطار مستويات عالية، نجد على الخصوص قطاع البناء والأشغال العمومية بنسبة تبلغ 93 في المائة. وتبلغ هذه النسبة 84 في المائة في قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية، ثم 81 في المائة بقطاع الخدمات وأخيراً 50 في المائة بقطاع الفلاحة والغابة والصيد البحري.

وحسب الحالة في المهنة، نجد أن 66% من الأطفال الذين يزاولون عملاً خطيراً بالوسط القروي يعملون كمساعدين عائليين و20% كأجراء.
وبالوسط الحضري، حوالي نصف هؤلاء الأطفال (50,3%) هم أجراء وأكثر من الربع (27,7%) متعلمين ويمثل المساعدون العائليون 15%.

وبخصوص المستوى الدراسي للأطفال المشتغلين، يظهر البحث أنه من بين الأطفال الذين يزاولون عملاً خطيراً، 19,3% يترددون على المدرسة، 71,7% انقطعوا عن الدراسة و9% لم يسبق لهم أن التحقوا بالمدرسة قط.

ثغرات قانونية خطيرة
برغم وجود قانون ينص على تجريم اشتغال الأطفال القاصرين دون سن 15 سنة، إلا أن ثغرات كثيرة تمكن مشغليهم والوسطاء في العملية من الإفلات من المتابعات القضائية، خصوصاً مع غياب وسائل مراقبة وتتبع الورش وقصور مهام مفتشي الشغل الذين يدخل ضمن اختصاصهم ضبط مخالفات من هذا النوع. وتنص مدونة الشغل الجديدة على أنه "لا يمكن تشغيل الأحداث، ولا قبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين، قبل بلوغهم سن الخمس عشرة سنة كاملة. كما يمنع القانون تشغيل الأطفال في أشغال قد تعيق نموهم، أو تشكل مخاطر بالغة تفوق طاقتهم".
وتشير المادة 143 من مدونة الشغل إلى أن تشغيل حدث دون الخمس عشرة سنة، ينتهي بالمشغل إلى دفع غرامة مالية. ويمكن أن تصير العقوبة سجناً نافذاً من ثلاثة إلى ستة أشهر إذا تكرر الأمر مع غرامة مضاعفة. لكن مع ذلك يرى كثيرون أن الدولة لم تواكب إصدار القانون بإجراءات موازية.
يقول الخبير في علم الاجتماع على شعباني لـ "العربي الجديد" إن "القانون الموجود الآن يمنع الأطفال دون سن الخمس عشرة من إمكان الشغل، لكن تُجهّل الآليات التي ستعتمدها الدولة لإدماج هؤلاء الذين تصل أعدادهم إلى الآلاف دون شهادات ودون تكوين، علماً أن مراكز التكوين نفسها تشترط مستوى دراسياً معيناً لولوجها"، متسائلاً: "ما مصيرهم والحالة هذه؟".

ويضيف أن "النظر إلى ملف تشغيل الأطفال القاصرين من زاوية حقوقية بمبرر أنهم يتعرضون للاضطهاد وللاستغلال فضلاً عن حرمانهم من طفولتهم، ينسينا أنهم ينتمون لأسر غير قادرة تأمين مواصلة تعليمهم أو هي في حاجة إلى من يساعدها في توفير متطلبات العيش".
ويرى شعباني أن "تشغيل الأطفال ظاهرة في العالم الثالث بأكمله، لكن في المغرب طرحت الإشكالية من جانبها الحقوقي فقط، وأهملت الجوانب الأخرى، إذ هناك ضعف في البنية التحتية للتمدرس والدولة لا توفر حماية لكل الأطفال ولأسرهم، وليست كل الأسر في غنى عن تشغيل أطفالها، والدولة غير قادرة على توفير الظروف الملائمة لمنع تشغيل الأطفال، وهذا ما يضطر العديد من الأسر إلى تشغيل أطفالهم في مهن مثل الفلاحة أو الرعي، خصوصاً في البوادي. أمّا في المدن فالإشكال يكمن في كون بعض الفئات لا تصل إلى المدرسة إطلاقاً، في حين تضطر فئات أخرى في مرحلة من مراحل الدراسة إلى ترك التعليم وغالباً ما تكون هذه السن بين 12 و16 سنة".

خصوصية مغربية؟
في كل مرة يثار موضوع تشغيل الأحداث تتصاعد حدة الجدل بين فريقين حول السن المسموح بها في التشغيل، بين من يدافع عن القاصرين وضرورة استمرارهم في المدرسة إلى حدود 18 سنة، وبين من يعلل هذه الظاهرة بوجود إكراهات من قبيل فقر بعض العائلات التي لا تجد وسيلة لضمان العيش غير إرسال أبنائها للعمل، مع التركيز على وجود خصوصيات في عدد من المناطق المغربية، خصوصاً في البوادي التي يشكل فيها الطفل عنصراً إنتاجياً أساسياً.

على أن هذه التبريرات لا تقنع عناني التي تقول إن "الحديث عن وجود خصوصية في المغرب، أمر غير مقنع، خصوصاً أن الخصوصية المنوه عنها تتمثل بانتهاك حقوق الأطفال لأن الدولة لا تريد تحمل مسؤولياتها في منع التسرّب المدرسي وتحمل أعباء التعليم العمومي، فضلاً عن تحمل مسؤولية تشغيل آبائهم وضمان عيش كريم يحول دون دفعهم بأبنائهم إلى سوق الشغل في سن مبكرة".
وتختم بالقول إن "أحداً لا يقبل أن يتم تشغيل الأطفال في وقت يوجد ملايين المعطلين وهناك نقص في اليد العاملة"، واضعة ما يحدث في إطار "انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأسر المغربية التي تتحمل أعباءها الفئات الهشة من المجتمع، لاسيما الأطفال".
ويشير تقرير مندوبية التخطيط في هذا الإطار، إلى أنه إذا كانت نسبة الأعمال الخطيرة بالمغرب تطال 2,9% من مجموع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 7 و17 سنة، فإنها تبلغ حوالي 5% على المستوى الدولي، منتقلة من 4,1% على المستوى منطقة "آسيا المحيط الهادي" إلى 4,7% بمنطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" لتصل إلى 10,4% بمنطقة "إفريقيا جنوب الصحراء".

وتخفي هذه النسبة بالمغرب تفاوتات كبيرة حسب الفئات العمرية. إذ تمثل 1% من الأطفال البالغين من العمر ما بين 7 و14 سنة و7% من بين الأطفال البالغين من العمر ما بين 15 و17 سنة. ويصل معدل هذه النسب على المستوى الدولي 3,1% و13% على التوالي.
المساهمون