الأعياد في تونس:جيوب مستنزفة وعام جديد مثقل بالديون

04 يناير 2016
ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن التونسي يعيش اليوم أزمات متعددة. فالتوتر السياسي، والاضطرابات الأمنية، والحرب على الإرهاب، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي المستمر منذ سنوات، أزمات تؤثر بشكل أساسي في حياة أغلبية المواطنين. ولذا لم يبق أمام التونسي اليوم سوى الأعياد كفسحة للتمتع بعض الفرح وربّما الأمل ونسيان هواجسه اليوميّة.
ولكن هذه اللحظات المعدودة من الفرح باتت هي الأخرى عبئاً يثقل كاهل المواطنين مادّياً، خصوصاً وقد طالوت موجة الغلاء كل شيء. فتوّحلت الأعياد والمناسبات إلى مصدر آخر من مصادر استنزاف جيوب التونسيّين. منذ أشهر يحاول التونسي التنسيق بين العادات والتقاليد من أجل الاحتفال بالمناسبات والأعياد، وبين البحث عن مصادر لتمويل المصاريف.

الأشهر الأصعب
انتهت الأعياد مع بداية السنة الجديدة، ليبدأ التونسيّ عامه الجديد بجيوب خاوية وقائمة طويلة من المستلزمات. فموجة الغلاء لم تستثن شيئاً، حتّى الأعياد أصبحت مكلفة جداً للتونسيّين، وهو ما يؤكّده حمدي الزراعي عضو منظّمة الدفاع عن حقوق المستهلك، حيث يشير إلى أنّ تكاليف المواد الاستهلاكيّة باتت تستنزف جيوب التونسيّين مع استمرار موجة التضخّم التّي ناهزت 6% خلال العام 2015.

ويقول لـ "العربي الجديد":" إن معظم أعياد التونسيّين ترتبط بالطعام، وقد شهدت أسعار المواد الاستهلاكيّة الغذائيّة موجة غير مسبوقة من التضخّم بنسبة وصلت إلى 10%، فشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، والمولد النبوي الشريف، ورأس السنة الميلاديّة، مناسبات تشهد جميعها طفرة استهلاكيّة كبيرة تتزامن مع غياب رقابة صارمة على الأسعار، ممّا يؤثر على ميزانيات العائلات التونسيّة التّي تجد نفسها حائرة بين التخلّي عن عادات وتقاليد الأجداد وبين محدوديّة دخلها".
يضيف الزراعي:" بلغت نسبة العجز في المقدرة الشرائيّة للمواطن التونسيّ هذا العام 8.6%، حيث تصل مصاريف الأعياد التي تواترت في الأشهر الخمسة الأخيرة، منذ بداية شهر رمضان وصولاً إلى رأس السنة الميلاديّة، ومروراً بمصاريف العودة إلى المدارس والجامعات إلى ما يقارب 4000 دولار، في حين لا يتجاوز متوسّط دخل أكثر من 70% من المواطنين التونسيّين أكثر من 400 دولار".
"هذا الضغط المالي الذي تسبّبه مصاريف الأعياد جعلت المواطن التونسيّ يتخلّى عن الكثير من الكماليات، فالمواطن أصبح غير قادر على ركوب سيارة أجرة على سبيل المثال، ولجأ إلى وسائل النقل العموميّة بسبب رخص ثمن التذاكر، وكل ذلك يدخل في إطار التقشف الذي أصبح التونسيون يعيشون على وقعه" بحسب الزراعي.
من جهة أخرى، أثبتت دراسة صادرة عن مرصد الاستهلاك، أنّ معدّل الترفيه لدى التونسي لا تتجاوز 5 أيام خلال فترة الأعياد، ورغم ذلك فإن المصاريف تتخطى لحظات الترفيه هذه، بالإضافة إلى ذلك، فقد بينت الدراسة إلى أن تجارة الملابس المستعملة ازدهرت بشمل لافت، حيث أصبحت ملاذاً للجيوب الفارغة لدى شرائح كبيرة من المجتمع التونسي.
في هذا السياق، تؤكّد "سميرة" وهي عاملة بإحدى الإدارات التونسيّة، أنّها اضطرّت إلى اللجوء لسحب راتبها مسبقاً، من أجل تسديد نفقات الأعياد والمصاريف خلال الفترة الماضية، رغم أن ذلك سيكلفها الكثير مستقبلاً.
وتضيف:" يلجأ المواطن التونسي إلى الدين من الأهل والأصدقاء والزملاء، كونه أصبح غير قادر على مواجهة المصاريف اليومية، من فواتير الماء والكهرباء والهاتف، متسائلة كيف سيستطيع تأمين مصاريف الأعياد التي توالت هذا العام وراء بعضها".

الاقتراض حلّ أو نقمة؟
تزامن هذا العام مرور الأعياد في الأشهر الأخيرة من العام، وقد شكّل ضغطاً هائلاً على موازنات العائلات التونسيّة، وهو ما دفع الكثير منها نحو اللجوء إلى المصارف والدخول في متاهة القروض الاستهلاكيّة. ويؤكّد الخبير في المجال المالي والمصرفي بلال الفضلي أنه تم اقراض أكثر من مليون دولار كقروض استهلاكية بعنوان نفقات عائلية يومية مقابل تقديم قروض بأكثر من 8 ملايين دولار على شكل قروض استهلاكية خلال سنة 2015، إذ دخل التونسي منذ سنوات في نمط استهلاكي يعتمد في جزء منه على التداين والاقتراض للخروج من الأزمات المالية خلال مواسم الأعياد والعودة المدرسية والاصطياف.

وقد كشفت احصائيات المصرف المركزيّ للسنة الحاليّة أن نسبة نمو القروض على المستوى الوطني، بلغت 2% شهرياً، بينما شهدت تطوراً سنوياً بنسبة 17% خلال السنوات الخمس الأخيرة.
"قد ساهمت الأعياد والمناسبات في تطوّر نسبة القروض، إذ أنّ القروض الاستهلاكية تشهد تزايداً خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان وفصل الصيف" وفق الفضلي. ويضيف:" إن الطلب على القروض الشخصية شهد ارتفاعاً خلال الشهرين الماضيين بنسبة 18% نظراً لتزامن عيد الأضحى والعودة المدرسية والجامعية والمولد النبوي ورأس السنة الميلاديّة، وللأسف فإنّ الأجور في حالة جمود في مقابل ارتفاع استهلاك المواطنين واستمرار موجة الغلاء".
من جهته، يعلق مصطفى البريني أحد الموظفين قائلاً "رغم وظيفتي ودخلي الجيّد مقارنة ببعض المهن الأخرى، حيث يتجاوز راتبي 600 دولار، إلاّ أنّني اضطرّ إلى الاقتراض لمجابهة نسق المصاريف المرتفع خصوصاً مع توالي الأعياد في ظرف زمني وجيز لا يتعدى ثلاثة أشهر". ويضيف :" إن أغلب التونسيّين مقبلون على سنة جديدة بجيوب خاوية، استنزفتها أعياد الأشهر الأخيرة، وأقساط جديدة لديونهم المتراكمة"، مشيراً إلى أن التونسي مضطر لمجاراة نمط الاستهلاك السائد، ولا يستطيع تجاهل متطلّبات الأعياد والمناسبات خصوصاً إذا كان ربّ عائلة، وهو ما يجبر المواطن إلى المصارف رغم علمه المسبق بأنّه يلفّ حول عنقه حبلاً سيخنقه يوماً بعد يوم ويدخله في دوامة من التداين والارتهان للمصارف. ليختم محدّثنا قائلاً "إنّ معظم من سيحتفلون بالسنة الجديدة يعلمون تماماً أنّ معاناتهم الاقتصاديّة خلال السنة الماضية لن تنتهي، بل ستتفاقم نتيجة ديونهم الجديدة، ولكنهم لا يملكون سوى استغلال تلك اللحظات من الفرح والنسيان لعلّهم يستمدّون بعض الصبر والقوّة لمجابهة صعوبات السنة الجديدة".

اقرأ أيضاً:تونس: في العام 2016 ... إصلاح اقتصادي أو خراب اجتماعي؟
المساهمون