النظام السوري يرسّخ فساده: نهب وصفقات وارتهان

18 يناير 2016
(دانيال ميهاليسكو/ Getty)
+ الخط -
لطالما حلت سورية في قائمة الدول الأكثر فساداً في المنطقة العربية. كان ذلك قبل اندلاع الثورة في العام 2011، والتي كان أحد أهم مطالبها هو إنهاء دولة الفساد، وتمكين الشعب والقانون من مساءلة الفاسدين. لكن المفارقة كانت في أن معدلات الفساد ارتفعت أكثر بعد اندلاع الثورة، وصارت سورية تنافس على المركز الأول في قائمة الدول الأكثر فساداً.

يعتبر الباحث رياض سرحان في حديث لـ "العربي الجديد" أن المرحلة التي أطلق عليها النظام السوري اسم "اقتصاد السوق الاجتماعي" والتي "شهدت انفتاحاً اقتصادياً دون أن تشهد انفتاحاً سياسياً مماثلاً، شكلت بيئة خصبة لنمو الفساد، وذلك رغم كونها، رسمياً، مرحلة الإصلاحات". ويضيف: "شهدت تلك المرحلة تغيرات كبيرة في حجم الفساد والقوى الفاسدة، إذ انتقلت سورية من سيطرة الفساد الصغير المتعدد المستويات إلى هيمنة واسعة للفساد الكبير من قبل طبقة التجار الجدد التي نمت في كنف النظام وباتت توظف الدولة في خدمة مصالحها".
تثبت ذلك الأرقام الصادرة في تلك الفترة، إذ صنفت منظمة الشفافية الدولية سورية في العام 2009 في المرتبة الثانية بعد العراق، في قائمة الدول الأكثر فساداً في الشرق الأوسط. ولأن الانفتاح الاقتصادي رافقه نمو كبير في مستويات الفساد، فقد صنف البنك الدولي في العام 2010 سورية من بين الدول الأكثر سوءاً في توفير التسهيلات لقطاع الأعمال الخاص، إذ احتلت سورية المركز 143 من أصل 183 دولة لتنحدر خمسة مراكز عن العام الذي سبقه.
برزت قضية هيمنة رجل الأعمال البارز رامي مخلوف، مع تسلم الرئيس السوري بشار الأسد للسلطة، وسيطرته على قطاعات اقتصادية متنوعة، واستحواذه على المناقصات العامة التي تطرحها الدولة. وقد كان مصير كل من يطالب بتحقيق يطاول شبكات الفساد في الدولة هو السجن كما حصل مع رياض سيف رجل الأعمال البارز وعضو البرلمان السوري في ذلك الوقت، وذلك بعد أن تم تقديمه إلى محاكمة صورية بتهمة الفساد. يشير الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري رامي سيف لـ "العربي الجديد" إلى أن "محاكمات قضايا الفساد كانت انتقائية، حيث تختار الأفرع الأمنية الأفراد الذين يجب محاكمتهم وفقاً لتوجهاتهم وذلك لكي تقوي من دعائم الفساد الذي يمارسه الأفراد المرتبطون بها".
النظام السوري تخطى ما بدا في وقت سابق أنه الدرجة الأعمق من درجات الفساد، وذلك بعد اندلاع الثورة. في العام 2010 صنفت منظمة الشفافية سورية في المركز 127 في القائمة الخاصة بمستوى الشفافية، لتنحدر سورية في العام 2011 مرتبتين إلى 129، ومن ثم إلى المرتبة 144 في العام 2012، والمرتبة 168 في العام 2013 مبتعدة تسعة مراكز فقط عن تذيل القائمة على مستوى العالم.

يقول الناشط سعيد خير بيك لـ "العربي الجديد" إن "مستويات الفساد ارتفعت بشكل ملحوظ في مؤسسات الدولة مع اندلاع الثورة وعلى مستويات عديدة، ويشمل ذلك مستوى التجار الذين خرج جزء منهم من سورية وازدادت سطوة المقربين من النظام وباتوا يستحوذون على العقود والمناقصات". ويضيف خير بك أنه ومع تزايد سطوة أجهزة الأمن فقد "ارتفعت مستويات الفساد في صفوفها حيث باتت الرشوة الطريق الوحيد لتخفيف القيود عن السوريين الشباب أو عن المعتقلين. ولم تعد الرشوة كما كانت قبل الثورة بآلاف الليرات، بل تقدر اليوم بمئات الآلاف أو بالملايين، وهي تدفع من قبل العائلة على سبيل المثال لكي تعرف خبراً عن ابنها أو لتخرجه من السجن أو لكي توقف الملاحقة الأمنية بحقه، أو لتأجيل الخدمة العسكرية من دون إسقاطها".
المفارقة أنه ومع ارتفاع مستويات الفساد بقيادة الأجهزة التابعة للنظام السوري، رفعت الحكومة السورية من حملات ملاحقة الفاسدين وخصوصاً المسؤولين السابقين، وعدد كبير من النجوم والمشاهير الذين أصبحوا خارج البلاد وذلك بتهمة "اختلاس المال العام". ولكن "كل تلك الاتهامات مبنية على أساس سياسي. ولا أبالغ إذ أقول إن سورية شهدت الانتشار الأكبر للفساد في تاريخها خلال فترة الانفتاح الاقتصادي الذي سبق اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وهي تشهد اليوم مستويات أعمق وأخطر من الفساد، وانتشاراً وهيمنة شبه مطلقة للفاسدين".

اقرأ أيضاً: القروض السرية للنظام السوري بمليارات الدولارات
المساهمون