حملة مقاطعة اللحم... حل أم تمييع للأزمة؟

08 سبتمبر 2015
ارتفاع أسعار اللحوم في مصر(Getty)
+ الخط -
بفعل الارتفاع المستمر في أسعار اللحوم، دشّن ناشطون مصريون حملة لمقاطعتها تحت عنوان: #بلاها_لحمة. وتنبع أهمية الحملة من كونها تسعى لتسليط الضوء على أزمات ومشكلات المجتمع، والضغط باتجاه توفير الحلول لها بشتى الطرق. كما أنها تحيي فكرة الرقابة الشعبية، وتسعى للتأثير عبر خلق رأي عام مساند للقضية التي تطرحها. 

رؤية شاملة

والحال أن معالجة أسباب ارتفاع أسعار اللحوم، تتطلب رؤية شاملة، لا قصرها على سبب واحد، لأن إرجاع الأزمة إلى جشع التجار، وحصر الحل بالمقاطعة، قد يخدم في إخفاء الحقائق وتبرئة المتسببين في الأزمة. ولاقت هذه الرؤية القاصرة ترحيباً من قبل دوائر حكومية، ورأت فيها تبرئة لساحتها، متخذة منها فرصة لتأكيد أنها تسعى لتوفير حاجات السوق، فأعلنت عن طرح كميات من اللحوم المستوردة. 
كما يعد اختزال المشكلة في ممارسات التجار وجشعهم تبسيطاً لا يلتفت إلى السياسات الاقتصادية التي تطبقها الدولة، خصوصاً لناحية تخلي سياساتها عن دعم الإنتاج، بحجة أن القطاع الخاص كفيل بتوفير حاجات المجتمع.
فارتفاع أسعار اللحوم ليس استثناء، ومعدلات التضخم ازدادت عموماً، لكن منتجات اللحوم والألبان شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، بفعل عوامل عديدة أبرزها انخفاض ما يتم استيراده من اللحوم بفعل الأزمة الدولارية، وكذلك تقليص الدعم المقدم للسلع الغذائية. لكن أزمة ارتفاع أسعار اللحوم ونقص نصيب الفرد منها ليست وليدة اليوم، فنصيب المواطن المصري أقل من كيلو غرام شهرياً، وتلعب مشكلة عدم التناسب ما بين الأجور والأسعار دوراً مركزياً في عدم تمكن المصريين من الحصول على ما يحتاجون إليه منها.
وتوضح المؤشرات الإحصائية الرسمية أن الارتفاع في أسعار اللحوم وصل إلى نحو 300% ما بين عامي 2000 و2013 حيث كان الكيلو يباع بأقل من 3 دولارات، بينما تجاوز السعر 9 دولارات للكيلو.

اقرأ أيضاً:من فصول العطش والموت في مصر

هنا تلعب تكلفة إنتاج اللحوم ومدى توافر الثروة الحيوانية عاملاً أساسياً في تحديد الأسعار، وهذه العوامل السابقة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة وموقفها من مسألة توفير الغذاء عموماً. فالسياسات الاقتصادية التي تطبقها الدولة تترك السوق للفوضى والمواطنين للنهب، لذا يتطلب حل الأزمة فهماً ومعرفة لجذورها بشكل حقيقي، ذاك أن الأصل في ارتفاع الأسعار، هو عدم تناسب المعروض في السوق مع ما يحتاج إليه المجتمع، حيث قدرت الفجوة بين الإنتاج والمطلوب بـ 333 ألف طن في 2013.
واقع الحال أن توفير المنتجات الغذائية، وعلى رأسها اللحوم، لم يعد مهمة الدولة طبقاً للتوجهات الاقتصادية الحالية، لأن السلطة تعلي من دور السوق، وتدعو إلى انسحاب جهاز الدولة من الإنتاج، وبهذا تركت الأسعار لمحدد العرض والطلب.
خلاصة القول أن التوجهات الاقتصادية التي طبقتها وتطبقها الدولة تصب في مصلحة المستوردين والمحتكرين، فارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي من سولار وأسمدة، ما أثر على الإنتاج الحيواني وقلص من نشاط تربية الماشية والدواجن.

تحقيق الاكتفاء الذاتي

في المقابل، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى تراجع إنتاج الأعلاف الخضراء، في ظل عدم كفاية أعلاف التسمين، وأصبحت تكلفة تربية المواشي عالية، بهذا تراجع صغار المرابين عن الإنتاج الحيواني، أمّا أصحاب المزارع الحيوانية فعانوا نفس معاناة صغار الفلاحين وازدادت معاناتهم مع تراجع الدعم المقدم لهم من خدمات بيطرية أو تسهيلات في التسويق إضافة إلى محاولات عديدة من كبار المحتكرين الاستحواذ على السوق.
في ضوء ما سبق يمكن القول إنه لا حل لمشكلة الغذاء عموماً، ومشكلة ارتفاع أسعار اللحوم والمنتجات الغذائية المرتبطة بها كالألبان والأجبان إلا بإعادة النظر في منظومة الإنتاج والتوزيع والاستيراد، وصولاً للاكتفاء الذاتي من الغذاء. فتنمية الثروة الحيوانية تتطلب دعم المزارعين والمربين وزيادة استثمارات الدولة في مجال الغذاء، وكذلك التصدي للمحتكرين ومستوردي اللحوم، هذه الإجراءات ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى طبقة حاكمة قادرة على رسم سياسات لمصلحة الناس لا مصلحة أعضائها.
(باحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية- جامعة القاهرة)

اقرأ أيضاً:قانون التقشّف والاستغلال للمصريين
دلالات
المساهمون