العمالة السورية في الأردن من مأساة إلى مأساة

17 يونيو 2015
يعمل السوريون في قطاعات لا تجذب الأردنيين (Getty)
+ الخط -
اختصر أحد أعضاء البرلمان الأردني، أخيراً، معالجة موضوع العمالة السورية، عبر إجراءين، أولهما اتخاذ تدابير سريعة وصارمة للحد الفوري من تمددها الأفقي، وثانيهما حصر هذه العمالة بالقطاعات التي لا ترغب العمالة الأردنية فيها أصلاً، كقطاع الزراعة ورعي الأغنام واستصلاح الأراضي... فهل هذا هو الحل الأمثل؟ أم أن المشكلة في مكان آخر؟

قصة لاجىء

يقول المحامي السوري، عماد نون: "دخلت الأردن لاجئاً مع زوجتي وأطفالي الخمسة قبل ثلاث سنوات، وبحثت عن عمل يمكنني من خلاله أن أعيل أسرتي، بعد أن غادرنا سورية هرباً، حتى من دون أن نحمل ما نحتاجه أثناء السفر، غير أنني فشلت، لأن القوانين هنا لا تسمح لي بالعمل محامياً، فاضطررت أن أعمل في قطاع لا يمت لمهنتي بصلة، ومع ذلك غادرته بعد أن لاحقتني فرق تفتيش وزارة العمل أكثر من مرة".

تصلح قصة عماد أن تكون أنموذجاً واقعياً لمأساة 1.4 مليون لاجئ سوري، بدأت مع مغادرة بلادهم، عبر طرق وعرة وظروف قاسية وصعبة، قادت نصفهم إلى مخيمات اللجوء في الأزرق والزعتري، وانتهت بأسواق العمل، ليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام من يطالب اليوم بخروجهم منها.

اقرأ أيضا: ثقافة "العيب" تضرب الاقتصاد الأردني

في عام 2013 بلغ عدد السوريين المسجلين كعمال في وزارة العمل الأردنية، بحسب رئيسة مركز "تمكين لتعزيز مفهوم الحماية الاجتماعية للفئات المستضعفة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الأردن"، ليندا كلش، نحو 4069 عاملاً، ثم تطور عددهم في عام 2014 إلى 5700 عامل. وهو تطور بطيء، كما تقول، مقارنة مع حجم العمالة الفعلية في سوق العمل.
وتؤكد كلش أن معظم السوريين في الأردن يعانون من أوضاع عمل سيئة، سواء من حيث المعاملة، أو عدد ساعات العمل، أو تدني الأجور وعدم دفعها في بعض الأحيان، إلى ظروف العمل الجبري، التي قد تصل في بعضها إلى الاتجار بالبشر.

انتهاكات ونفقات

وتتشابه الانتهاكات التي تتعرض لها العمالة السورية في سوق العمل غير النظامي والمناطق الصناعية المؤهلة، وإن خفت نوعاً ما في الأخيرة نتيجة الرقابة الحكومية، إذ تؤكد عينة من عشرة لاجئين سوريين في الأردن التقتها "العربي الجديد"، أنها لا تتمتع بالتأمين الصحي "حيث يغطي قانون الضمان الاجتماعي إصابات العمل، لكن العامل يفقد هذا الحق إذا لم يقم صاحب العمل بتسجيله في مؤسسة الضمان الاجتماعي. كما أن ساعات العمل تتجاوز في بعض الأوقات الـ 14 ساعة في اليوم، بخلاف ما نصت عليه اتفاقيات العمل الدولية. إضافة إلى التأخر في دفع الأجور لمدة قد تصل إلى أسابيع، فضلاً عن تحميل اللاجئين تكاليف نفقات رخصة العمل على شكل اقتطاعات شهرية، بالرغم من أن قانون العمل الأردني يلزم صاحب العمل بدفع قيمة رسوم تصريح العمل، وتجديده.

اقرأ أيضا: سوق العمل اللبنانية تنكل بأطفال سورية

استغلال بدل الإفادة
ويشير أحد تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن 10 % فقط من اللاجئين السوريين العاملين حصلوا على رخص عمل رسمية، في وقت تمارس فيه غالبيتهم العظمى أعمالها خارج نطاق قانون العمل الأردني. وذكر أن 63 % من اللاجئين يعملون في البناء والتجزئة والتجارة الحرة والمطاعم. وهذا يعني أن التنافس مع الأردنيين اقتصر على الأعمال، التي لا تحتاج إلى مهارات عالية.

ومع ذلك يشير التقرير إلى "أن البطالة لم ترتفع في المحافظات التي تستضيف معظم السوريين، إذ إن غالبية اللاجئين في سوق العمل الأردنية تعمل في وظائف غير منظمة وضمن قطاعات غير جاذبة عادة للأردنيين".


ويقول الخبير الاقتصادي، فايز مبيضين، لـ "العربي الجديد"، إن تحسين واقع العمال السوريين غير النظاميين، وأصحاب المؤهلات منهم بالذات، الذين يرون أنفسهم عرضة للاستغلال بسائر صوره وأشكاله، لا يمكن أن يتم من دون وجود توجه حكومي لمنحهم تصاريح عمل رسمية، في قطاعات محددة، وخلق فرص عمل عاجلة داخل المجتمعات المضيفة لهم، والتركيز ما أمكن على خلق فرص عمل بالذات في اقتصاد المعونات، لتشجيع الأثر الإيجابي لهذه العمالة.

اقرأ أيضا: بالأرقام... العمالة الوافدة في الدول العربية

ويضيف لـ "العربي الجديد": "إن الخبرات السورية، التجارية منها والزراعية، وغيرها من الحرف المتواجدة في سوق العمل، سدت بعض الثغرات في المجالات التي لا يقبل عليها الأردنيون عادة، وعلينا أن نقدر الظروف التي دفعتها للعمل، خاصة في ظل انخفاض الدعم المقدم من المنظمات الدولية المعنية بقضايا اللاجئين، وعدم توفر مصادر دخل أخرى تضمن لها حياة كريمة ولو بحدودها الدنيا".
المساهمون