التلميذة إيناس، في ربيعها الثاني عشر، روت قصة زميلها الفرنسي، الذي كان حاضرا في ملعب كرة القدم، ستاد دي فرانس، مع أبيه، والذي لم يفطن، حتى انتهت المباراة إلى ما كان يتهدده، والذي قصّ قصته في المدرسة على زملائه، الذين كانوا مذهولين لما جرى. وتقول إيناس، في براءتها: "لماذا يريد هؤلاء الأشرار، كما سمتهم مديرة مدرستنا، أن يقتلوا الأطفال في ملعب كرة القدم؟..."
شهادات كثيرة، اطلعنا عليها من فاعلين سياسيين وجمعويين، لا يتسع المجال لذكرها، تجمع على أن الاعتداءات الإرهابية العمياء الأخيرة تعتبر لحظة فارقة في تاريخ الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، إذ لم يعد مقبولا، بأية حال من الأحوال، البقاء على الحياد، لأن ما حدث يستهدف الجميع، ويتطلب وقفة من الجميع، ومسلمو فرنسا وأوروبا، ليسوا استثناء. وكما قال خطيب مسجد باريس في الجمعة التي تلت الأحداث: "هذه الفئة الضالة خانت الأمانة والعهود والأمّة ويجب التبرؤ والتخلص منها".
وحتى وإن كانت هذه اللحظة فارقة في الحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا، فإنها أعادت وضع موضوع الإرهاب الداخلي على الطاولة، مما يعني أن لا أحد في منآى عن التطرف، والذي يمكن أن تطاله شظاياه في أي وقت.
أسئلة
تدرك الجالية العربية الإسلامية أنها هي مَنْ عليها أن تقوم بأعمال ومجهودات لإقناع باقي الفرنسيين، خصوصا، والغربيين عموما، بسلميتها وبقناعاتها العلمانية وتبنيها قيم الجمهورية ومبادئها. وباتت هذه الجالية تدرك أن معظم المشاكل التي عرفتها فرنسا، منذ عقود، كانت طرفا رئيسا فيها. وإن من العبث، في كل مرة، استحضار ماضي فرنسا الكولونيالي، ومغامراتها العسكرية والسياسية في دول عديدة، وتفاقم العنصرية، لشرح "عجز" مزمن للمسلمين عن التأقلم في محيط متعدد، لا يشاطرهم كثيرا من رؤاهم ومواقفهم. وعلينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة الصحيحة، حتى إن كانت مؤلمة، أو صادرة من جهات نعتبرها خصما سياسيا أو أيديولوجيا أو غيرهما. فمن المفيد تماما، الانتباه إلى أن الكثير من الأخطاء المحتملة، هي مجملها تواصلي، بين الطرفين، وأن الفرنسيين من أصول مغاربية مطالبون بالعمل على أكثر من واجهة، لتفنيد الادعاءات الدارجة في الإعلام. فهل قُدّر لجاليات عربية وإسلامية في الغرب، تقترب أعدادها من عشرين مليون شخص في الاتحاد الأوروبي، أن تظل رهينة لعصابة إرهابية يقودها شخص اسمه عبد الحميد أبو عوض وآخر اسمه صلاح عبد السلام، عدو أوروبا رقم واحد؟ تعرف الجالية العربية الإسلامية في أوروبا أنها إن لم تتخذ موقفا جازما، لا مواربة فيه، من هذا الخطر الذي يتهدد، ليس المجتمعات الغربية التي يزعم مقارعتها فحسب، بل ويتهددها، أيضا، باعتباره تيارا إقصائيا واجتثاثيا لا يريد أحدا بجواره: "أنا أو الطوفان". ثم إلى متى تنتظر هذه الجالية أن يأتي ساسة نزهاء، من قبيل جان – لوك ميلونشون، عقب كل مأساة تعرفها فرنسا أو دول أوروبية أخرى، ليحذّر من مخاطر الخلط بين الأغلبية العربية الإسلامية المُسالمة والمندمجة وبين عصابات إرهابية وإجرامية خرجت من رحمها؟