الشباب العربي: تحديات وتطلعات

13 مارس 2016
(تورنتو: مطبوعات جامعة تورنتو، 2015)
+ الخط -
تلك اللحظة الفاصلة بين الليل والفجر تتصارع فيها العتمة مع النور في معركة خاسرة، يزحف الضوء ببطء فينمحق الليل ويلفظ أنفاسه. هذه اللحظة بحسب بسمة المومني، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة ووترلو الكندية تلتقط خروج الشباب العربي إلى الساحات والميادين للمطالبة بالتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أما ما آلت إليه الأمور اليوم فهو لحظة أخرى من لحظات الفجر الأولى التي تختلط فيها العتمة بالنور ويعتريها الغبش والتخبط في الرؤية. بدأ فجر العرب الذي وإن اعترته الدماء في سورية واليمن وليبيا إلا أنه انطلق ولن يتوقف لأن الشباب العربي لم يفرغ بعد مما شرع به.

يحمل كتاب المومني "فجر العرب: الشباب العربي وديموغرافية التغيير والثورة"، قدرا كبيرا من التفاؤل بالمستقبل يبدو في ضوء الواقع المفجع وكأنه في غير محله، لكن الكاتبة تذهب إلى أن التحولات التي طرأت في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي في منطقتنا، ستظل دينامياتها تعمل باتجاه تحقيق المزيد من التغييرات الإيجابية. شهدت هذه الحقبة ارتفاعا غير مسبوق في عدد الشباب في المنطقة العربية، ما بين سن الخامسة عشرة والثانية والعشرين، وتقضي بعض الإحصائيات بأنه الارتفاع الأعلى المسجل في العالم. إذ بلغت نسبتهم في العالم العربي 20 في المئة في عام 2012، وستظل حول 17 في المئة بحلول عام 2030.

كما شهدت المنطقة العربية خلال العشرين سنة الماضية تقلص دور الدولة باعتماد سياسات الليبرلة الاقتصادية من خصخصة وسوق مفتوحة. وهو تحول غير من شروط العقد الاجتماعي العربي الذي كان يقضي بأن "لا تمثيل سياسي، لا ضرائب"، أي لا ينبغي للشعوب العربية أن تتوقع الحصول على الديمقراطية أو الانفتاح السياسي لأن الحكومات تتكفل بتوفير الخدمات العامة والحفاظ على ضرائب الدخل في حدها الأدنى. لكن اللبرلة الاقتصادية أنهت الدعم الحكومي بما حرم الكثير من الشباب من بند مهم كان يكفله ذلك العقد، وهو القدرة على العبور إلى مرتبة البالغين ممن يعيشون بكرامة متمتعين بعمل وأسرة. لهذا لا يرى الشباب العربي حاجة تدعوه للتمسك بالصفقة الأوتوقراطية التي التزم بها جيل الآباء تجاه الدولة. إنهم بحسب المومني جيل متعلم إلى حد كبير يعاني من تحديات جمة في منطقة تسودها نسب بطالة تعتبر من بين الأعلى في العالم. على رأس تلك التحديات أنظمة سياسية واجتماعية فاسدة تسودها المحسوبية التي لا تسمح للشباب الموهوب بالتنافس على أساس الجدارة. هذه التحولات دفعت الشباب بحسب الكاتبة، إلى الاعتماد على النفس دون مساعدة الدولة باللجوء إلى إطلاق مشاريع تجارية ومالية، يبتكر فكرتها ويديرها بنفسه ويحمل على عاتقه احتمالات الخسارة فيها لتوفير مصادر للرزق يعيش من خلالها.

لم يكن مفاجئا إذا أن يرفع الشباب خلال الربيع العربي شعار "الخبز!" ليطالبوا بـ "الكرامة الاقتصادية والعمل المنتج". إن الشباب العربي بحسب المومني متعلم إلى حد كبير وعدد خريجي التعليم الجامعي ينمو بشكل مطرد.. وهي تقول إن كثيرين من بين هؤلاء ينتمون إلى ما يعرف بـ "الطبقة المبدعة" أو المجموعات الاجتماعية الاقتصادية التي تعمل على ابتكار الأفكار وبيعها في العالم. وتشير الكاتبة إلى أن العالم العربي يأتي في مرتبة عالية نسبيا فيما يخص معايير تحديد هذه "الطبقة المبدعة" التي تتضمن أكثر من واحد من بين كل خمسة من العاملين في العديد من الدول العربية بما فيها السعودية، الإمارات، قطر وسورية. في المقابل، وفي الصين مثلا، فإن أقل من 10 في المئة من القوة العاملة تعتبر ضمن تلك "الطبقة المبدعة". وهذا ما يقود البعض إلى القول إن الصين تستطيع تقليد تركيب الآي فون وانتاجه لكنها لا تملك رأس المال البشري الخاص بالخلق والإبداع.

يتميز رأس المال الديمغرافي العربي الذي تقدمه لنا المومني، بروح الإقدام على البدء في مشروعات اقتصادية ومالية والسعي وراء الأسواق لبيع منتجاتهم وخدماتهم والمشاركة بنشاط في السوق العالمي. هذه الروح المقدامة والتفكير المبدع وجدت فرصتها في ماتتيحه التكنولوجيا الرقمية اليوم من إمكانيات تتمثل في بيع المنتجات عبر الإنترنت والعثور على مستثمرين وأسواق في طول العالم وعرضه.

ترى المومني أنه كلما تعرض الإنترنت وقطاع الاتصالات لخصخصة أكبر كلما تقلصت سيطرة الحكومات أكثر على تحديد شكل ونمط استخدام الإنترنت من قبل الشباب في تدشين مشاريع للتربح في المستقبل. كما لم يعد الشباب يعتمد على الدولة في الحصول على وظيفة أو رزق أو ينظر إلى شهادته الجامعية كوسيلة للحصول على وظيفة فقط، بل أصبح التعليم غاية في ذاته وأداة لابتكار وإدارة فرص عمل يخلقها الشباب لنفسه بسلاح العلم فقط.

الشباب العربي اليوم يتمتع بروح الإقدام على المجازفة بعمل مشاريعه المالية والاقتصادية الخاصة وهو تقدمي وكوزموبوليتاني أكثر بكثير من جيل الآباء. كان الربيع العربي صحوة مزعجة للحكومات التي اعتقدت أن الوضع القائم كاف لضمان امتثال وخضوع مجتمعاتها العربية، وساد الاستبداد في دول كمصر، ليبيا، اليمن، العراق وسورية. ومثلما كانت الحكومات العربية غير مستقرة في 2010 فإنها ستظل عرضة لمزيد من الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بمزيد من التغيير. وعلى هذا، سيواصل الشباب العربي دفعه باتجاه المزيد من التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

(كاتبة وصحافية فلسطينية)

اقرأ أيضاً
الجيل الثاني من ثورات الشارع العربي

المساهمون