من الدرجة الثانية للمربع الذهبي.. أسرار وراء صعود موناكو

20 ابريل 2017
موناكو فاجأ الجميع هذا الموسم (Getty)
+ الخط -


حقق موناكو إنجازاً مستحقاً بالصعود إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لهذا العام، ونجح رجال المدرب ليوناردو جارديم في وضع أنفسهم داخل المربع الذهبي، كفريق رئيسي ضمن الكبار في القارة العجوز عوضاً عن برشلونة وبايرن، الثنائي الذي خرج مبكراً من المربع هذه المرة.

ولم يكن ممثل الإمارة الفرنسية ضمن قائمة الترشيحات للصعود إلى هذا الدور قبل انطلاقة البطولة، خصوصاً أنه وصل إلى مرحلة المجموعات بشق الأنفس، بعد المرور من بوابة فناربخشة ثم فياريال في الأدوار الإقصائية، ليتقمص شخصية القادمين من الخلف وينجح في حجز مقعد رئيسي في فترة الحسم من البطولة الأهم قارياً.

بداية الحكاية
"قدمنا عروضاً قوية، وسيطرنا على المباراة أمام دورتموند. كنا نبحث دائماً عن هدف آخر وهذه هي طريقتنا. المنافسون سيريدون مواجهتنا، لكن طموحنا هو الاستمتاع بالأمر ومواصلة اللعب بطريقتنا الهجومية، حتى أمام ريال مدريد أو يوفنتوس أو أتليتكو"، هكذا تحدث البرتغالي جارديم بعد إقصاء بروسيا بالفوز على الألمان ذهاباً وإياباً، ليقرر الحفاظ على النسق نفسه، بالهجوم ثم الهجوم ثم الهجوم. ومع التأكيد على ضعف حظوظ موناكو أمام الثلاثي الآخر، تستحق هذه التجربة تسليط الضوء على طريقته في الانتشار، ومعرفة الأسباب حول تحول هذا النادي من مجرد مجموعة عادية إلى ظاهرة الكرة الأوروبية بالموسم.

عرف العالم الكروي الحديث موناكو في بدايات الألفية الجديدة، حينما فاز الفريق ببطولة الدوري المحلي عام 2000، ثم وصل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في 2004، وقتها صعد نادي الإمارة على حساب ريال مدريد وتشيلسي، وخسر اللقب أمام بورتو في النهايات. بعدها انخفض نسق المشروع الكروي بالكامل حتى مجيء المُلّاك الروس الذين اشتروا النادي في 2011.

الثري الروسي ديمتري ريبولوفليف خرج ببيان رسمي عبر مكتبه في تلك الحقبة، ليقول إنه سينهي عملية شراء موناكو خلال أسبوعين. وأكد المتحدث الرسمي باسم ديمتري أنه سيهدف إلى تدعيم صفوف الفريق ليساعده على العودة قريباً إلى الدرجة الأولى في فرنسا، متوقعاً عودة الفريق إلى فئة الكبار خلال سنوات قليلة. وهذا ما حدث بالفعل، ليعود موناكو إلى مجموعة الصفوة في أوروبا، بعد أن لعب في دوري الدرجة الثانية خلال فترة انتقال ملكيته إلى ريبولوفليف.

الضربة الأولى
صعد الفريق إلى دوري الدرجة الأولى مع كلاوديو رانييري، وبدأ الدب الروسي استثماراته القوية بالتعاون مع العراب البرتغالي المعروف جورجي مينديز، ليتعاقد موناكو مع خاميس رودريغز وموتينهو وفالكاو وأبيدال وكارفالهو وتولالان وكوندوجبيا، وآخرين. وظن الجميع وقتها أن موناكو قادم لمنافسة باريس، الفريق العاصمي الذي يتمتع بقوة شرائية كبيرة في السوق الفرنسية، ليحقق موناكو المركز الثاني خلف سان جيرمان في أول موسم له بعد الصعود.

في موسم 2014-2015 توقفت الاستثمارات تماماً، وتحدث المقربون من المالك عن أنه يواجه بعض الصعوبات المالية، وسيقلل من النفقات والرواتب العالية، لذلك لجأ سريعاً إلى المدرب البرتغالي جارديم، وبدأ الفريق يبيع نجومه الكبار، خاميس إلى ريال مدريد، وفالكاو إلى إنكلترا، وكوندوجبيا يصل إلى إيطاليا، بالإضافة إلى مارسيال وكاراسكو وأيمن عبد النور ولايفن كوروزوا، الظهير الذي انتقل مباشرة من موناكو إلى باريس، لتعنون الصحافة الفرنسية وقتها: "هذا استسلام صريح" من الإمارة أمام العاصمة في كل شيء، خارج الملعب وداخله.

لم يتعلق الأمر فقط بالاقتصاد المالي لديمتري، ولكن أيضاً لمواجهة اتهامات اليويفا بشأن اللعب المالي النظيف، لذلك قام المدير الرياضي لموناكو وقتها لويس كامبوس، بدور عظيم في إنقاذ هذا المشروع، وجعله أكثر نضجاً وتطوراً على كافة الأصعدة، وفق ما قاله المحلل م. سبيرو المختص بشأن الكرة الفرنسية عبر الموقع الرسمي للدوري Ligue1.

كامبوس رجل برتغالي عمل طوال حياته كمكتشف للمواهب "سكاوت" في مختلف الفرق البرتغالية، وشغل هذا المنصب في ريال مدريد قبل أن ينتقل إلى موناكو عام 2013 ويصبح المدير الرياضي للنادي. وضع لويس قواعد النجاح الجديدة بعد بيع النجوم الكبار، وقرر برفقة جارديم الاستثمار في المواهب الصغيرة، ليضع الرجل ميزانية خاصة وضخمة لأكاديمية الشبان، مع سفره إلى كل ملاعب فرنسا من أجل مشاهدة اللاعبين عن قرب، ليبدأ الصيد البطيء على طريقته الخاصة.

فريق المواهب
يجب أن نتعاقد مع اللاعب صغير السن كبير الموهبة، يتمتع بمهارة خاصة وشخصية قابلة للنمو، وبكل تأكيد بعيداً بعض الشيء عن أعين الفرق الكبيرة التي تتجه مباشرة إلى النجوم أصحاب البريق الإعلامي، هذه هي رسالة لويس كامبوس إلى مساعديه. وبعد مونديال 2014 ورحيل معظم نجوم موناكو، اشترى الفريق سريعاً كلاً من باكايوكو من رين، ليمار من كان، فابينيو من ريو أفي، ميندي من مارسيليا، غليك من تورينو، برناردو سيلفا من بنيفكا، واستعاد كلاً من جيرمان وفالكاو مرة أخرى.

عرف جارديم وطاقمه من أين يبدأ النجاح الحقيقي، خصوصاً بعد حصوله على فريق مثالي إلى حد كبير، يمتاز باللياقة القوية والاندفاع البدني والمهارة الفائقة، مع ابتعاده عن دائرة الضوء وضغط الإعلام. فالمنافس باريس في المقابل يشتري نجوماً بأسعار فلكية، لكنه لا يبتعد كثيراً عن موناكو من حيث المستوى الفني، لأن فريق الإمارة تفوق عليه في عملية شراء اللاعبين الصغار، بالإضافة إلى تمتع الناديين بأكاديميات قوية للناشئين والصغار.

تبقى قصة كليان مبابي لتؤكد قوة موناكو على مستوى الشبان، فالفرنسي الصغير انتقل من الفريق الثاني إلى الأول في فترة قصيرة، ولعب مع المنتخب الفرنسي سريعاً، ليصبح الموهبة الأهم في أوروبا، ويحصل على الخانة الأساسية في تشكيلة نجوم دوري الأبطال لهذا الموسم، لأنه وجد بيئة خصبة للتألق، من خلال مدرب يدفع بالمواهب الصغيرة، وفريق لديه كل الدعم لأي اسم يمتاز بالقدرات التي تؤهله لمنافسة الكبار.

مونشي فياريال
رحل المدير الرياضي، لويس كامبوس، إلى ليل، حيث المشروع الجديد الذي ينتظر مارسيلو بييلسا بفارغ الصبر، لكن موناكو لم يتأثر أبداً بهذه الخطوة، لأنه تعاقد سريعاً مع "مونشي فياريال" أنطونيو كوردون، الرجل المعروف في الأوساط الإسبانية بهذا اللقب، وفق ما أفردته صحيفة سبورت الكاتلونية، حيث إن كوردون عمل لمدة 17 سنة مع فياريال، واستقطب كلاً من كازورلا، بايلي، موساكيتو، جوسيبي روسي، وباوليستا، لينطلق الغواصات سريعاً إلى مرحلة الكبار في الليغا، كل هذا خلال فترة زمنية قصيرة للغاية.

صعد أنطونيو السلم من أسفل، بدأ عمله في مدريد كمدرس بدني، ثم انتقل لوظيفة الكشاف مع بعض الفرق، حتى وصوله إلى فياريال وحصوله على ثقة الجميع بتقلد منصب المدير الرياضي للفريق. قام الفريق الإسباني بتغيير عدة مدربين، لكنه حافظ على فلسفته وأسلوبه وقوته، ذلك يعود إلى قدرات كوردون في جلب أسماء تخدم التكتيك العام، وتعوض رحيل الكبار إلى أندية أخرى سواء داخل إسبانيا أو خارجها.

كوردون لا يتحدث كثيراً إلى الإعلام، يعمل في صمت رهيب ويركز في تعاملاته على الأشخاص داخل النادي، لدرجة أن بيب غوارديولا أشار إليه بعد مباراة السيتي وموناكو في الأبطال، عندما قال في المؤتمر الصحافي: "أعرف بعض الأشخاص في مشروع موناكو، إنهم يختارون من يعمل معهم بعناية مثل أنطونيو، لذلك أرشحهم لنجاحات أخرى في المستقبل".

لم يترك الإسباني بصمته، حتى الآن، في موناكو، خصوصاً أنه جاء فقط في بداية الصيف الماضي، لكنه نجح في تعديل عقود بعض اللاعبين، وإنهاء خدمات كبار السن، ليتخلص النادي من كونتيراو وكارفالو وتولالان، بالإضافة إلى التعاقد مع الظهير الرائع سيدبي من ليل. ويركز المدير الرياضي الجديد خلال الفترة المقبلة على تعويض جارديم سريعاً بما يحتاجه، تحسباً لرحيل واحد من النجوم الكبار إلى عملاقي إسبانيا أو فرق البريميرليغ.

مستقبل مشرق
لم يكتف موناكو بالحفاظ على قوام الفريق الأول فقط، بل تعاقد خلال الصيف الأخير مع بيرتران ريوزو، الرجل الذي عمل لمدة 11 عاماً مع باريس سان جيرمان كأحد المدراء الكبار في العاصمة. وقال ريوزو إن موناكو هو أفضل مكان يمكن العمل من خلاله، لأنه يتيح الفرصة أمام الجميع للنضج والتعبير عن أنفسهم. المفارقة أن بيرتران هو أفضل مدرب شبان في فرنسا، ويملك خبرة عريضة في هذا المجال، ليكون أفضل تدعيم ممكن لمشروع موناكو
المستقبلي.

كريستيان كارلسن، المدير الرياضي السابق لموناكو خلال بداية فترة الملاك الروس، قال هو الآخر لصحيفة غارديان، إن موناكو يمتلك شبكة كشافين في كل ملاعب أوروبا تقريباً، مع عين خاصة على أفريقيا وأميركا اللاتينية. ويركز الكشافون في عملهم على المواهب التي هي بعمر أقل من 15 عاماً، حتى يسهل استمالتها وتكوين شخصيتها مع الوقت.

يقول ريوزو، مدير أكاديمية الناشئين في موناكو، عن حالة مبابي: "يستطيع التألق في أي نادٍ، لكنه حصل على الفرصة سريعاً مع موناكو فقط، لأننا نؤمن بالمغامرة ونملك الجرأة لإشراك لاعبين دون العشرين في المواجهات الحاسمة. وبعد نجاح هذا اللاعب سريعاً مع الكبار، نركز في مدارس الناشئين بالنادي على تصعيد المواهب المميزة إلى الفئات السنية الأكبر، لأننا نهدف إلى منافسة العمالقة فنياً داخل الملعب بموارد مالية أقل واهتمام إعلامي أضعف".

كانت الموجة الجديدة من مبابي وتوماس ليمار وتيموي باكايوكو هي المادة الأساسية للعناوين الرئيسية هذا الموسم. ونال هؤلاء اهتمام الجميع في إنكلترا بالأخص، ولكن مدير الأكاديمية لا يبدو قلقاً جداً ليقول: "علينا فقط أن نعرض لهم إحصاءات اللاعبين الفرنسيين الذين غادروا في وقت مبكر للذهاب إلى إنكلترا، ليعرفوا أن الصقل يحتاج للصبر وعدم التسرع". إنه مشروع يستحق الشكر حقاً.

المساهمون