قمة الشمال الأفريقي... المبادرة مغربية والحسم مصري بالتغييرات

30 يناير 2017
احتفال لاعبي مصر بعد إحراز هدف الفوز (Getty)
+ الخط -

فكّ الفراعنة عقدة أسود الأطلس بعد سنوات طويلة،
ليضرب المنتخب المصري موعداً مع المجد، عندما يلتقي مع نظيره البوركيني ضمن الدور نصف النهائي، ويؤكد أنه الفريق الشمال أفريقي الأنجح على مستوى القارة السمراء، حينما يتعلق الأمر بالمنافسة في البطولات المجمعة، بعد حصوله على صدارة مجموعته التي تضم منتخبات بحجم مالي وغانا، ثم فوزه الثمين على شقيقه المغربي في مباراة أشبه بنهائيات الكؤوس.

طريقة اللعب


صور مصرح باستخدامها من موقع InStat

حافظ هيكتور كوبر وهيرفي رينار على طريقة لعبهما من دون تغيير، المنتخب المغربي برسم قريب من 3-4-2-1، يهدف المدرب الفرنسي من خلاله إلى حماية مرماه بثلاثي يتحول إلى خماسي بعودة ظهيري الجنب، كذلك الخروج بالكرة من الخلف إلى الأمام بسهولة، نتيجة اتساع رقعة التمرير وتعدد زواياه، بالإضافة إلى تطبيق الضغط على حامل الكرة من الفريق المنافس، بثلاثي هجومي يدعمه لاعب ارتكاز إضافي.

بينما اختار العجوز الأرجنتيني رسمه المفضل 4-2-3-1، بحماية مرماه قدر المستطاع برباعي صريح وأمامه ثنائي محوري لا يصعد للأمام أبدا، مع محاولة استخدام لعبة التحولات عن طريق الأجنحة السريعة كصلاح وتريزيجيه، رفقة صانع لعب يتحرك باستمرار في وبين الخطوط، عبد الله السعيد بين الطرفين وخلف المهاجم الصريح على الورق والوهمي داخل الملعب، بعودته المستمرة إلى الوسط واشتراكه في الالتحامات القوية مع الدفاع المغربي.

المبادرة المغربية



بدأت المباراة متوازنة بين الفريقين، يغلب عليها الطابع الشمال أفريقي من خلال التحفظ والعودة الدفاعية، ولعب المصريون على عامل تقدم ظهيري المغرب إلى الأمام، لتتمحور معظم هجماتهم من مناطق أسفل الأطراف، لذلك كان متوقعا أن تكون أهم فرص الفريق عن طريق الثنائي صلاح وتريزيغيه، في استغلال واضح للثغرة الموجودة بين قلب الدفاع الثالث والظهير المغربي، بين حمزة منديل وسايس، كذلك درار وبنعطية.

في المقابل، اعتمد المغاربة أكثر على حرمان منافسهم من الكرة، إما بالحيازة والسيطرة عن طريق أصحاب المهارة كبوصوفة والنصيري وفيصل فجر، أو باستغلال سلاح رينار الفعال، إنه الضغط الذي شكله أسود الأطلس عن طريق شبكة خماسية قوية، تبدأ من ثنائي الارتكاز بوصوفة والأحمدي، وتنتهي بمثلث الخطورة فجر والنصيري وبوحدوز.

خنق المغاربة منافسهم المصري جيدا، يظهر هذا بوضوح من خلال كم الكرات المقطوعة في نصف ملعب الفراعنة، وزاد الأمر تعقيدا أمام حامل اللقب سبع مرات، عدم وجود لاعب ارتكاز مساند يحتفظ بالهجمة تحت الضغط، فطارق حامد ضعيف جدا في هذه اللعبة، وأحمد فتحي ترك موقعه في الظهير، ليشارك في العمق الدفاعي بالمنتصف، لذلك مثلت هذه الثنائية نقطة ضعف مصرية واضحة، وأثرت بالسلب على الجبهة اليسرى القاتلة خلال أول 60 دقيقة.

الثغرة المصرية



أدى ضعف الخروج بالهجمة من الخلف، في نصف ملعب المصريين، إلى تراجع واضح وغير مبرر، وتضاعف الضغط على اللاعب الشاب كريم حافظ في خانة اليسار، نتيجة فصل منطقة الارتكاز بالكامل عن دعم الظهيرين بسبب الضغط المغربي، ومع خلق الزيادة العددية التي أوجدها رينار على الطرف الأيمن، بتكوين قاعدة 3 ضد 2 أو 2 ضد 1 في أغلب الفترات.

يقترب بنعطية من الطرف، يتحول كظهير حقيقي لمراقبة محمود تريزيغيه، ولإتاحة الفرصة أمام نبيل درار للصعود إلى الأمام، لذلك صنع درار وفيصل فجر جبهة هجومية مثالية أمام كريم حافظ وحيدا، مما جعل المنتخب المغربي يهدد مرمى عصام الحضري في أكثر من محاولة خطيرة على يسار ملعبه.

وفي الجبهة الأخرى، قام بوصوفة بدور همزة الوصل بين الدفاع والهجوم، يحصل على الكرة من سايس وزملائه، وينقلها مباشرة إلى الثلث الهجومي الأخير، حيث يتمركز النصيري وحيدا ويقوم بوحدوز بمزاحمة حجازي وجبر وإبعادهما عن صناع لعب المغرب، هكذا كان التفوق المغربي حتى لحظة التغييرات.

خبرة كوبر



كان المغرب الطرف الأقوى والأفضل خلال الساعة الأولى، لكن منتخب مصر لم يفز فقط بالحظ كما يقول البعض، لأن الفراعنة تفوقوا بوضوح خلال آخر نصف ساعة، مع تغييرات هيكتور كوبر الناجحة، وخطأ هيرفي رينار الغريب بإبعاد المهاجم بوحدوز وإشراك عمر القادوري، ليصعد النصيري قليلا كرأس حربة، ويفقد الأسود عنصر الضغط الذي يصنعه بوحدوز أمام حجازي وجبر، ليتحرر الدفاع المصري كثيرا ويفقد نظيره المغربي جزءا رئيسيا من قوته، التفوق في ألعاب الهواء والكرات الثابتة.

هكذا جاء الانحدار المغربي في لحظات الحسم، بينما بدأ الجانب المصري في الصعود عن طريق اللعب بمحمود كهربا كرأس حربة ثان في التشكيلة، وعودة أحمد فتحي إلى اليسار مكان حافظ، وضبط الوسط تماما بلعب عبد الله السعيد كارتكاز مساند بالقرب من طارق حامد، كل هذه التغييرات في فكرة واحدة فقط.

أغلق فتحي الجبهة اليسرى بالتعاون مع حامد المائل للطرف، ونجح السعيد في الاحتفاظ بالكرة وكسر مصيدة الضغط، بينما اقترب كهربا من المرمى مع اللعب بكوكا كمهاجم وهمي مثل دور مروان محسن، يعود كثيرا إلى الخلف ويخلق الفراغ أمام القادمين إلى منطقة الجزاء، كأن مصر تحولت من 4-2-3-1 إلى 4-4-2.

شخصية مصر
"إلى كل خصم سيواجه الفراعنة، انتهبوا فمصر قد عادت"، هكذا كانت رسالة الفرنسي الخبير هيرفي رينارد مدرب المغرب بعد المباراة، حيث تحدث الرجل بشيء من الفخر لفريقه، وجانب رئيسي من التقدير تجاه منافسه، حيث إن منتخب مصر يتفوق على الجميع في الخبرة العريضة خلال هذه البطولات، حتى وإن كان هذا الجيل يشارك لأول مرة في بطولة كبيرة، بعد فترة الانتكاسة الكروية في مرحلة ما بعد 2010.

ينقص المصريون عمل أكبر على مستوى الهجوم، خصوصا في طريقة خلق الفرص والخروج بالهجمة إلى الثلث الأخير، مما يجعل عمل كوبر ضعيفا بعض الشيء في نصف ملعب الخصم، لكنه يوفر نجاحا كليا داخل نصف ملعبه، فالفريق المصري لم يستقبل أي هدف الآن طوال مشواره بالكان، 0 هدف في مرمى الحضري خلال 4 مباريات، رقم يدل على التوازن الدفاعي الفعال، ونجاح الطاقم الفني في تكوين 11 لاعبا يترجمون شخصية مدربهم داخل المستطيل الأخضر.

في النهاية، يبدو أن كرة التحفظ هي السائدة هذه الأيام، تقلّ المبادرة لتحل محلها استراتيجية رد الفعل، فالبرتغال فازت باليورو بأداء دفاعي بحت، حتى نهائي دوري الأبطال الأخير غاب عنه أكثر فريقين هجوميين، برشلونة وبايرن ميونخ، لتأتي نسخة الكان الحالية مؤكدة النظرية السابقة، في انتظار أمر واحد لتأكيدها، وصول الفرعون إلى النهائي!
المساهمون