"الحياة هي أن ترمي بنفسك من مظلة وأن تجازف، أن تسقط وتنهض من كبوتك بكل قوة، وأن تتسلق الجبال لتحاكي الرغبة في تسلق قمة النفس، وإن لم تتوصل إلى ذلك، فعليك أن تعيش قانعاً ذليلاً". كلمات بسيطة لها معانٍ قوية جداً، ومأخوذة من رائعة الأديب اللاتيني باولو كويلو في رواية "فيرونيكا تقرر أن تموت"، ونستطيع أن نترجم هذه المقولة في كل مجالات الحياة، ومن بينها بكل تأكيد، كرة القدم معشوقة الجماهير، واللعبة الشعبية الأولى في العالم.
خلال الأسبوع الماضي، تداول مشجعو اللعبة مقطعاً رائعاً لأحد أهداف ويسلي شنايدر مع فريقه جالطة سراي في المنافسات التركية، هذا اللاعب الهولندي الذي يواصل التألق والإبداع في كل مكان يلعب له، وكأنه يرفض الاستسلام لعامل الزمن وأحكامه، ويحاول اكتشاف كل جديد ما دام هناك حيز للوجود، لذلك يُمثل شنايدر القيمة الأهم في كرة القدم، ألا وهي الاستمتاع بالساحرة المستديرة حتى القطرة الأخيرة.
الخروج من الجنة
انتقل شنايدر إلى ريال مدريد قادماً من مدرسة أياكس الكروية، وجاء ويسلي إلى البرنابيو محملاً بآمال عريضة مع الكتيبة الهولندية الجديدة للنادي الملكي، وحصل على بطولة الدوري المحلي مع شوستر خلال موسمه الأول، ثم خاض الموسم الثاني مع خواندي راموس، المدرب الذي صنع مجده مع إشبيلية بطريقة 4-4-2 فكررها من جديد مع الميرنجي.
لعب الهولندي كجناح صريح على الخط الجانبي من الملعب، وبعد رحيل المدرب عاد بيريز ومعه أحلام الجلاكتيكوس من جديد. استقدم الرئيس نجوماً كباراً كرونالدو، كاكا، بنزيمة مع مانويل بيلجريني المدير الفني الأول في ولاية فلورنتينو الجديدة، فكان أول القرارات الخارجية، بالاستغناء عن شنايدر، وتركه إلى إيطاليا، إذ يبني مورينيو فريق إنتر البطل.
راهن جوزيه على نجم أياكس القديم، وأكد لموراتي أن هذا اللاعب سيكون ضالته. ومع شنايدر، حلم دوري الأبطال سيتحول إلى حقيقة، وقد كان لزاماً للأفاعي بعد ذلك.
صانع اللعب الوهمي
تحول شنايدر من جناح صريح مع ريال مدريد إلى صانع اللعب ومحرك الأداء لفريق إنتر ميلانو. لعب "النيرازوري" بطريقة 4-2-3-1، ميليتو مهاجم صريح، وإيتو ثم بانديف كأجنحة هجومية، وشنايدر لاعب الوسط المهاجم خلف القناص الأرجنتيني.
صانع لعب على الورق يتحول إلى دور المهاجم المتأخر مع فريقه ثم منتخب بلاده في كأس العالم 2010. مركز جديد في التكتيك يعرف بصانع اللعب الخفي أو الـ False 10، يتحرك المهاجم الصريح إلى الطرف ويترك مساحة لكي ينطلق لاعب الوسط إلى الأمام ويلعب مكانه. فعلها شنايدر مع ميليتو وإيتو في الكالتشو، وأعادها مرة أخرى مع فان بيرسي في جنوب أفريقيا.
وفي بعض الأوقات يصبح ويسلي لاعب وسط هجومي تقليدياً، وعندما يتحول الإنتر إلى الهجوم الضاغط، يدفع المو بثنائي هجومي وخلفهم شنايدر كـ "تريكوارتيستا" أو صانع اللعب على الطريقة الإيطالية. لذلك تألق اللاعب في أكثر من مركز، وشكّل همزة الوصل المفقودة في توليفة البرتغالي، ليفوز الإنتر بالثلاثية الكبيرة، الدوري والكأس، ودوري أبطال أوروبا على حساب بايرن وبرشلونة.
تركيا
واصل الخبير المسيرة مع منتخب بلاده وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بأغلى بطولة في التاريخ، وبعد العودة إلى الأجواء المحلية الإيطالية، فقد اللاعب بوصلة التألق وتراجع مستواه حتى مرحلة الرحيل من إنتر، وتوقع الجميع عودته إلى وطنه هولندا، لكنه قرر مواصلة التحدي والذهاب هذه المرة إلى تركيا، حيث يتألق فريقها الكبير جالطة سراي.
"النجم الكبير هو الذي يعرف متى يجري بالكرة، وأين يتمركز، وكيف يوزع مجهوده على مدار المباراة". مقولة شهيرة لكبار مدربي كرة القدم، ويطبقها شنايدر داخل المستطيل الأخضر ببراعة، فاللاعب لم يعد مثل السابق على الصعيد البدني، وقلت لياقته بعض الشيء، لذلك تقدم بضع خطوات للأمام، وبدأ يحصل على مركز صانع اللعب الكلاسيكي الذي يتحرك أكثر في الثلث الهجومي الأخير، من دون واجبات دفاعية واضحة.
راهن المدرب القديم مانشيني على الثنائي الهجومي في تشكيلة جالطة، وحصل ويسلي على مركز صانع اللعب القديم، لاعب المركز 10 خلف المهاجمين وأمام لاعبي الوسط، لا يعود أبداً للخلف ويحرص على تسجيل الأهداف وصناعتها أمام المرمى. ومع المدير الفني الحالي حمزة حمزوجلو، تحولت الخطة إلى 4-2-3-1، الطريقة التي يعشقها شنايدر.
الأرقام لا تكذب
رقمياً هذا الموسم في الدوري التركي، سجل ويسلي ثمانية أهداف وصنع هدفين، ومع انخفاض قدرته على التوغل داخل منطقة الجزاء، بسبب ضعف الجانب البدني، بدأ اللاعب في استغلال مزاياه الأخرى، الخاصة بالتسديد من بعيد والوصول إلى الشباك بأقل عدد ممكن من التمريرات، رافعاً شعاره الجديد، جهد أقل ونجاعة أكبر.
سدد شنايدر 69 تسديدة على مرمى الخصوم خلال 26 مباراة بالدوري التركي، بواقع 2.6 تسديدة تقريباً في المباراة الواحدة، لذلك كانت نصف أهدافه مع فريقه من المناطق خارج منطقة الجزاء، ورغم الأصوات الخارجة التي تدعو لإراحته والتخلي عنه منذ فترة ليست بالقليلة، خطف الرقم 10 الكاميرات من الجميع، وقدم نفسه كأحد الأسماء غير القابلة للمس في تشكيلة الفريق التركي.
هو اللاعب الذي أبكى مورينيو خلال حفل البالون دور، بعد حديثه العاطفي عن مدربه القديم، واستعداده فعل أي شيء من أجل خدمته. هكذا تعامل شنايدر مع كل شخص ساهم في توهجه الكروي، مع خالص التقدير له هو شخصياً، لأنه لا يزال الرقم 1 في كل فريق يدافع عن ألوانه.