هازارد... تفاصيل تكتيكية وضعته على القمة هذا الموسم

05 فبراير 2017
هازارد يتألق مع تشيلسي هذا الموسم (Getty)
+ الخط -




يضع المدرب الخطة كاملة، يرسم سيناريو المباراة بعقله، ويتخيل طريقة لعب فريقه من الألف إلى الياء، إنه لا يضع فقط الجانب النظري في العملية كالجمهور والمحللين، بل يفكر دائماً في تحويل هذه الرغبة إلى واقع ملموس داخل الملعب، لذلك تختلف مهمته عن الجميع، ويتلقى أحياناً انتقادات فارغة تتحدث فقط عن النتائج وتنسف سير اللعب، من دون أن تضع تركيزها على الجزء الأهم على الإطلاق، التفاصيل وسرها المحوري في كرة القدم.

حديث هازارد

إذا حاولنا المقارنة بين أنطونيو كونتي وجوزيه مورينيو، كيف ستكون النتيجة؟ باغت تيري هنري الجميع بهذا السؤال أثناء لقائه مع نجم تشيلسي إيدين هازارد، ليجاوب البلجيكي قائلا، "العمل التكتيكي أكبر مع أنطونيو، نعرف بالضبط ماذا سنفعل أثناء المباراة، أين سنتحرك نحن ومنافسونا بالدفاع والهجوم. مع مورينيو، كان يضع النظام الرئيسي لكن عملنا كان أقل، بالطبع نحن نعرف الكثير لأننا نلعب منذ سنوات، إلا أن الجانب التفصيلي مختلف عن الوضع الحالي".

وبتطبيق كلمات الجناح البلجيكي على الموسم الحالي للزرق في لندن، سنجد على الفور التطور الواضح في مستوى نجم الفريق من سنة إلى أخرى، فتشيلسي مورينيو عانى من هزائم متتالية مع خطة 4-2-3-1، وفشل إيدين في القيام بواجباته كاملة، بسبب انشغاله أكثر بالشق الهجومي على حساب الدفاع، لدرجة أن البرتغالي خرج على الملأ منتقداً ضعف المجهود الذي يبذله لاعبه أثناء التحول من الأمام إلى الخلف.

لكن مع الإيطالي كونتي، اختلف الوضع كثيراً، لأنه يهتم أكثر بأدق التفاصيل، يعرف أن نجمه يعشق اللعب الهجومي، لذلك قام بتحريك فريقه كقطع شطرنج، من خلال التحول إلى 3-4-2-1 وغلق الأطراف بثنائي على كل جانب، ظهير أساسي ومدافع إضافي، ما أعطى لاعبي الهجوم أريحية في نصف ملعب المنافسين، لذلك حصل هازارد على فرصة مضاعفة للتألق، بسبب حمايته التامة في كل هجمة، هكذا يكون التوازن الخططي الذي تحقق بفضل التركيز على تفصيل التفاصيل خلال التدريبات قبل وبعد كل مباراة.

تجربة فابينيو

يذاكر ليوناردو جارديم دروسه التكتيكية جيداً، ويعرف من أين يأتي التفوق في فرنسا، إنه الرجل الذي صنع فريقاً مثالياً لموناكو في الليغ 1، ليصبح الفريق الأقوى تهديفيا في كافة الدوريات الكبيرة، ويقدم نفسه كأحد كبار المنافسين على اللقب، مع حضور قوي في عصبة الأبطال الأوروبية، نتيجة الرهان على خطة 4-4-2 الهجومية، باستخدام سياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع، من خلال الضغط المتواصل على خصومه في نصف ملعبهم، والاعتماد على كوكبة مميزة من أصحاب المهارات في كل خط.

فابيو هنريكي تافاريز أو فابينيو خير مثال على ذلك، البرازيلي الذي لم يجد نفسه في إسبانيا رفقة ريال مدريد، ليسافر إلى فرنسا كظهير أيمن احتياطي في موناكو، لكن جارديم وجد فيه شيئاً مختلفاً عن البقية، ووضعه في المنتصف كلاعب وسط متكامل، يحصل على الكرة من دفاعه، ينقلها إلى نجوم الثلث الأخير، ويقوم بوظيفتي القطع والتمرير في آن واحد، نصف ارتكاز دفاعي ونصف هجومي.

يمتاز الظهير العصري بالقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة على الخط، لذلك عندما يدخل في عمق الملعب يتصرف بشكل أفضل بسبب كثرة الخيارات. هذه هي الصيحة الجديدة التي طبقها فرانك دي بوير مع بليند في أياكس من قبل، ثم استخدمها غوارديولا على نطاق أوسع بوضع فيليب لام كارتكاز ثابت، ونجح ليوناردو في إضافة عنصر المفاجأة إلى تشكيلته في موناكو، بالتركيز على ثنائية "فابينيو-باكايوكو" في المحور، شراكة تعطي فريق الإمارة قوة أكبر دفاعياً، وتجعل الهجوم أكثر تنوعاً، بوجود رباعي مرن من الرواق إلى منطقة الجزاء.

عقلية كونتي

وبالانتقال إلى تشيلسي هذا الموسم، فإن كونتي نجح في استنساخ أكثر من فابينيو في ستامفورد بريدج، لأن الإيطالي عدل من مراكز لاعبيه، وصنع نظاماً تكتيكياً محكماً ساعده على الاقتراب كثيراً من الفوز باللقب، بعد الرهان على عامل "الحركة" المستمرة في كافة أركان الملعب، ليعود موسيس من خانة الجناح إلى الظهير، ويتحول أزبليكويتا إلى قلب الدفاع الثالث، بينما يصعد ألونسو كثيرا إلى الهجوم يسارا، مع تغطية مستمرة من الثنائي ماتيتش وكانتي.

حصل هازارد على حرية كبيرة أمام آرسنال، سجل هدفاً رائعاً وكان نجم المباراة الأول، لكن ليس فقط بسبب قدراته الخاصة، نتيجة العمل الجماعي ككل وفق خطة لعب 3-4-3، والتي حطمت تكتيك فينغر منذ البداية، وأجبرته على العودة إلى مناطقه دون جديد، بسبب الخطورة المضاعفة للثلاثي الهجومي، هازارد وكوستا وبيدرو، بسبب الحماية التامة من السباعي الآخر، ثلاثي في الخلف ورباعي بالمنتصف.

لم يتفوق الزرق بسبب أخطاء دفاعات تشيلسي أو تساهل التحكيم كما قال أرسين بعد القمة، لكن متصدر الترتيب خلق الخطورة المطلوبة كلما أراد، بسبب التفاهم السريع بين لاعبيه، لذلك يقول النجم البلجيكي عن أهمية الحركة والتمركز، بأن ماتيتش كان يغطي باستمرار خلفه سابقاً، لكن الآن هناك ألونسو على الطرف، مما يسمح له بالدخول إلى العمق أثناء حيازة المنافس، ومحاولة غلق زوايا التمرير الداخلية فقط، ومن ثم الوقوف بشكل مثالي في حالة قطع الكرة، من أجل المرتدة الخاطفة.

تفاصيل التكتيك

الرغبة مهمة جداً لتحقيق النجاح، لكن وحدها لا تكفي. يجب أن يكون العمل مرتبطاً بخلق نظام قوي لتطوير اللعب الذي يشمل الجميع في الحالتين الدفاعية والهجومية، وأن تصنع فريقاً واحداً يتحرك ككتلة قريبة، بمعنى أنك ستجري أقل وتبذل مجهوداً أخف، العبرة ليست بالجري أكثر، بل بالجري بذكاء، وتشيلسي هو الفريق الإنكليزي الذي يتحرك ويتمركز ويركض بذكاء، ليس أكثر من الآخرين لكن بطريقة منظمة إلى حد كبير.

يضع المدرب كافة التفاصيل أمام عينيه، يجرب ويختار ويعيد أفكاره عدة مرات، حتى يحصل على أفضل نسخة ممكنة من نجومه، لذلك تألق إيدين هازارد هذا الموسم ليس صدفة، ولا يندرج تحت مسمى رد الدين لمدربه السابق مورينيو، ولكن هذا التفوق نتاج جماعية تشيلسي واهتمام كونتي بأدق المعلومات التي تعطي فريقه ميزة التمركز بالحركة المستمرة مع الكرة ومن دونها.

يستحق البلجيكي لقب لاعب العام في البريميرليغ لهذا الموسم، بعد تألقه في معظم المباريات، الكبيرة قبل الصغيرة، وحصوله على حرية المراوغة والتسجيل في الثلث الهجومي الأخير، بسبب تغطيته الثنائية عن طريق ماتيتش بالعمق وألونسو على اليسار، إنها الفلسفة التي أعطت الفريق اللندني العلامة الكاملة حتى الآن.





المساهمون