- الإعلام الفرنسي وُصف بإعلام العار بسبب ترويجه لنظرية "معاداة السامية" وتجاهله الاعتداءات على العرب والمسلمين، مما يعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان.
- انتهت المباراة بالتعادل واعتُبرت انتصاراً للقضية الفلسطينية، مع تزايد التضامن الشعبي في فرنسا وأوروبا ضد الاحتلال الإسرائيلي.
توجهت كل الأنظار، الخميس الماضي، نحو ملعب فرنسا بباريس، الذي احتضن مباراة فرنسا - إسرائيل، برسم الجولة الخامسة من مسابقة دوري الأمم الأوروبية، وسط مقاطعة جماهيرية قياسية، لم يسبق لها مثيل، وحضور ضعيف لم يتجاوز خمسة عشر ألف متفرج، في ظل إجراءات أمنية استثنائية، رافقت حضور الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والرئيسين السابقين: فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي، وشخصيات برلمانية وحزبية وسياسية وإعلامية جاءت تجدد الولاء لإسرائيل والدعم لليهود، ضد ما وصفوه بمعاداة السامية، فكان المشهد بائساً في مدرجات الملعب، التي بدت شبه خالية لأول مرة، منذ تدشينه عام 1998، وهو الذي يتسع لأكثر من 80 ألف متفرج.
الكل أجمع على وصف المشهد في ملعب فرنسا بمباراة العار، التي أُريد لها أن تحمل صبغة سياسية محضة، من خلال حضور رسمي لا نشاهده إلا في نهائي كأس العالم، في وقت يدعون الغير إلى عدم خلط الرياضة بالسياسة، ووجود أمني فاق أربعة آلاف شرطي و1500 من أعوان الملاعب أمام أنظار 15 ألف متفرج فقط. ورغم ذلك فقد كان العلم الفلسطيني حاضراً، وانطلقت صافرات الاستهجان عند عزف النشيد الإسرائيلي، وحدثت مشادات في المدرجات، إثر اعتداء مشجعين إسرائيليين على فرنسيين، بينما شهد محيط الملعب تجمع عدد هائل من داعمي القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ضد آلة القتل الإسرائيلية، التي تحصد الأرواح وتدمر المباني، منذ أكثر من 400 يوم.
المشهد الإعلامي الفرنسي المنحاز لإسرائيل وُصِف بدوره بإعلام العار من غالبية الفرنسيين، الذين دعوا لمقاطعة المباراة، ومقاطعة بعض القنوات الإخبارية الفرنسية التي غذت مشاعر الحقد والكراهية من خلال التسويق لنظرية "معاداة السامية"، وهي التي لم تتحدث عن معاداة العرب والإسلام من جماهير فريق مكابي الإسرائيلي في أمستردام، وفي كل مكان وزمان عبر التاريخ، ولم تتجرأ قبل أسبوع على الدفاع عن "الدركيَّين الفرنسيَّين" اللذين اعتُدي عليهما من الشرطة الإسرائيلية في تل أبيب، ولم يتجرأ الرئيس الفرنسي ولا وزير داخليته على التنديد بالواقعة المهينة، ولم تعد تسمح باستضافة كل من يجرؤ على وصف العدوان الإسرائيلي بالإبادة الجماعية والإجرام، والتذكير بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من 70 عاماً.
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل واليهود والعرب والمسلمين، يقف الساسة في فرنسا، ومعهم وسائل الإعلام، على حد سواء، صفاً واحداً، يمارسون التضليل والتهييج والكذب والافتراء، يدافعون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ولو بقتل الأبرياء، ويبررون تضامنهم بمحاربة فكرة "معاداة السامية"، ويتهكمون على العرب والفلسطينيين والمسلمين، بدعوى مناهضة التطرف والإرهاب في فرنسا، التي تحولت فيها قيم ومبادئ "الحرية والمساواة والأخوّة"، إلى دعم قتل الفلسطينيين والمساواة بين الضحية والجلاد، والأخوّة مع الإسرائيليين واليهود دون غيرهم، في بلد غارق بالعنصرية والحقد والكراهية.
الداعمون لنتنياهو وإسرائيل واليهود كانوا في مدرجات ملعب فرنسا، والموالون لهم كلهم كانوا في استديوهات القنوات التلفزيونية الإخبارية الفرنسية، في وقت يرتفع فيه حجم التضامن وسط الأوساط الشعبية بفرنسا وكل أوروبا، أكثر مما هو عليه في بعض البلدان العربية التي استسلمت، وبدأت تتعود وتتأقلم مع الأمر الواقع الذي يكيل بمكيالين في ما يصفونه بتجنب الخلط بين السياسة والرياضة، فيمنعون الرياضيين الروس من المشاركة في المنافسات الرياضية الدولية، بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنهم يحمون الفرق والمنتخبات الإسرائيلية من موجات الغضب المتصاعدة ضدهم، بسبب الحرب على غزة، بمرافقة إعلامية وحضور لافت لرئيس الشاباك الإسرائيلي الذي أشرف بنفسه على تأمين اللاعبين والمشجعين الإسرائيليين في باريس.
أما المباراة، التي انتهت بالتعادل، فقد شكلت انتصاراً جديداً للقضية الفلسطينية وشعبها وأحرار فرنسا الذين قاطعوها، وكانت بمثابة خسارة سياسية وإعلامية لفرنسا وإسرائيل، ومن يسير في فلكهما، منذ أكثر من 400 يوم، بل أكثر من 70 عاماً من الاحتلال والتقتيل والتهجير والإبادة والتواطؤ الغربي والانبطاح العربي، الذي يقابله إصرار فلسطيني على الثبات، وإصرار الشعوب الحرة على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني في الشوارع والملاعب وبعض المنابر الإعلامية المنحازة للظلم والشر والقوة.