أثارت حادثة إلغاء هدف برشلونة للاعب البولندي روبرت ليفاندوفسكي (36 عاماً)، في مباراة مع ريال سوسيداد، ضمن الجولة الثالثة عشرة من الليغا الإسبانية، جدلاً واسعاً، واتهاماتٍ عديدة طاولت حكام المباراة وحكام حجرة "الفار"، وحتى تقنية التسلل شبه الآلي.
فك شيفرة الهدف اللغز
كان روبرت ليفاندوفسكي قد أحرز هدفاً لفريقه عند الدقيقة الثالثة عشرة، إذ تمّ تأكيد صحتِه من قِبل الحكم ومساعدِه، ولكنْ سرعان ما أُلغي بداعي وجود ليفاندوفسكي في موقف تسلّل متقدماً برأس قدمِه على قدم مُدافع سوسيداد المغربي نايف أكرد عند لحظة تمرير الكرة إليه من قِبل زميلِه الهولندي فرينكي دي يونغ، وقد جاء قرار الإلغاء بعد أن طلب حكمُ حجرة "الفار" التريث، وعدم استئناف اللعب، من نقطة منتصف الملعب، ريثما يتمُّ التحقّقُ من النتائج التي توصلت إليها تقنية التسلل شبه الآلي، التي أظهرت وجود مخالفة تسلل لتدخّل ليفاندوفسكي باللعب بعد أن لمسته الكرة، ما دفع الحكم إلى إلغاء الهدف، والإعلان عن مخالفة التسلل، وسط اعتراض لاعبي برشلونة، واحتدام نقاش دار بين المدرب الألماني للفريق الكتالوني هانسي فيك والحكم كوادرا فيرنانديز عن صحة القرار المُتّخذ، لمناقشة الحالة، وحلِّ لغز القرارين المتناقضين، باحتساب الهدف، ثم إلغائه.
اعتباران أساسيان
ولا بدّ لنا عند تقييم الحالة أن ننطلق من اعتبارين أساسييْن في مادة التسلل، وهما:
- أولاً: تقييمُ مكان المهاجم ليفاندوفسكي بالنسبة لآخرِ ثاني مُدافع، وهو نايف أكرد، وأيّهما كان أقرب إلى خطّ مرمى الفريق المدافع سوسيداد.
- ثانياً: تقييم مكان المهاجم ليفاندوفسكي بناءً على الزمن أو اللحظة، التي مرّت فيها الكرة إليه من قِبل زميله دي يونغ .
- وهذا يدفعنا للتذكير بجزءين أساسييْن من مادة التسلّل رقم 11 التي تنص على ما يلي:
"يُعتبر اللاعب في موقف تسلل إذا وُجِد أيّ جزء من رأسه أوجسده أو قدميه، أقرب إلى خطّ مرمى الفريق المنافس من الكرة؛ وآخرِ ثاني منافس".
"يُعتبر اللاعب في موقف التسلل عند اللحظة التي يتمّ فيها لعب الكرة، أو لمسُها من قِبل أحد زملائه في الفريق". إذاً، هذه هي اللحظة المفصليّة والأهمُّ في عملية تقييم موقف اللاعب المهاجم، ومِن ثمّ معرفة السبب الحقيقيّ للاختلاف بالرأي بين الطرفين؛ حيث اعتبرالحكم المساعدُ أن ليفاندوفسكي كان في موقف صحيح، لا تسلّل فيه، لحظة تمرير الكرة إليه.
وجاءت اللقطة التلفزيونيّة الثابتة أيضاً لتأكد وتدعم قرار الحكم المساعد بتثبت الهدف، فيما اختلفتْ بياناتُ تقنية التسلّل شِبه الآليّ مع القرار المُتّخذ! لهذا اسمح لي أولاً، أن أتحدث بشكل مُبسّط ومختصر، عن تقنية التسلّل شبهِ الآليّ للتعرُّف إلى دورِها وإمكاناتِها العالية والآليّة المستخدمةِ لاعتماد القراراتِ الناتجة عنها.
أهميّة دور تقنية التسلّل شبه الآلي
إنّ الهدف من تقنية التسلّل شبهِ الآليِّ هو دعمُ حُكامِ الفيديو (الفار) في اتخاذ القرارات الخاصّة بالتسلّل بدقة أكبر، وفي فترة زمنية أقصر، وهي شبه آليّة، لأنّ القرار النهائيّ يبقى من صلاحيّة حكمِ الڤيديو المساعد.
أمّا الكاميرات، فتستخدِم التقنية 12 كاميرا بالغة الدقة والتي تصِل سرعتُها إلى 500 مرّة في الثانية الواحدة، واحدةٌ منها مثبّتة في سقف الملعب، وهي مخصّصةٌ لتتبّعِ الكرة، وباقي الكاميرات موزّعةٌ لتُتابِع اللاعبين، من خلال 29 نقطةِ بياناتٍ مخصّصة لكلِّ لاعب، كذلك الكرة وهي مزوّدةٌ في داخلها بجهاز استشعار، تستطيع من خلاله جمْع بيانات عن مكان الكرة، ورصْد حركتِها، وهذا كلُّه يزوِّدنا ببياناتٍ واضحة ومتناهيةِ الدِّقة، نستطيع من خلالها تتبّع حركة اللاعبين، وتحديد أماكنِ وجودِهم، كما تسمحُ لنا بمعرفة مكان الكرة، ومعرفة لحظة ركلِها، بدقة عالية أيضاً.
وأخيراً التنبيهاتُ الآليّة، إذ توفر التقنية تنبيهاتٍ لحُكام الڤيديو من خلال بيانات تتبُّعِ اللاعبين وبياناتِ الكرة، مع تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهذه التنبيهاتُ آليّةٌ، تحدث كلّما استقبل لاعبٌ في موقف تسلّل الكرة من أحد زملائه في الفريق.
آلية التعامل مع التقنية المتخصِّصة
تكون آليّة التعامل بين النتائج المقترحة من التقنية وبين كلٍّ من حُكام الفيديو وحُكام المباراة، وفقاً لما يلي:
- أن يتحقّق حُكام الفيديو خلال بضع ثوانٍ من وضعيّة التسلّل المقترحة، من قِبل التقنية، من خلال التحقّق من نقطة ركْل الكرة المحدّدةِ تلقائيّاً، ومن خطِّ التسلّل المرسوم تلقائيّا أيضاً.
- قيامُ حكم الفيديو المساعد بعدها بإبلاغ الحكم الرئيس بالقرار، تسلّل أم لا، وذلك عبْر نظام التواصل الصوتي الذي يربطُهما.
- وبعد تأكيد الحكم الرئيس وجود مخالفة تسلل أو لا، يُصدِرُ البرنامج البيانات والإحداثيات التي جمعها بمحاكات ثلاثيّة الأبعاد توضح موقع أطراف اللاعبين خلال لحظة لعب الكرة.
- بعد ذلك، تُعرض الرسوم ثلاثية الأبعاد على شاشة الملعب العملاقة، لتصبح بعدها متاحةً لمؤسسات البثّ التلفزيوني.
وبناءً على دراسة ومراجعة كلِّ الصور الثابتة والمتحركة، ومن زوايا مختلفةٍ للحالة: قبل وعند وبعد لحظة التمرير، وبناء على ما توفر من معطيات للحكم المساعد أو للمخرج التلفزيوني في لحظتها، وبعد التدقيق بالرسوم ثلاثية الأبعاد التي اعتمدتْها تقنية التسلّل شِبه الآليِّ، فإنني أرى وجود خطأ في القرار الأوّل باحتساب الهدف رغم إدراكي العميق صعوبةَ الحالة ودقة تفاصيلِها في ضل وجود تقدُّم بجزء صغير من رأس حذاء المهاجم، إضافة لعدم القدرة على معرفة لحظة لعب أو لمس الكرة المُمرّرة.
أخطاء أخرى في لقطة ليفاندوفسكي
لقد أخطأ الحكم المساعدُ في تقييم حالة التسلّل، لأنه لا يمتلك إمكانيّة التقييم الدقيق لوجود ليفاندوفسكي في موقف تسلّل، لغياب لحظة لعب أو لمس الكرة من قِبل دي يونغ بسبب التغطية الكاملة من لاعب سوسيداد رقم 4 مارتين زويمندي.
ناهيك بالنقل التلفزيوني الذي أخطأ في دعم قرار الحكم المساعد، وذلك بتثبيت الصورة في الزمن الخطأ، إذ أظهرت اللقطة الثابتة ليفاندوفسكي في موقف صحيح لا تسلّل فيه، والسبب هو عدم معرفة اللحظة الحقيقية لتمرير الكرة أيضاً، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسة لعدم قبول النتائج الصادرة عن تقنية التسلّل؛ والتشكيك بصحتها.
جدوى تقنية التسلل شبه الآلي
لقد نجحتْ التقنية المتخصِّصة فى إلغاء الهدف بداعي التسلل بما تمتلكُه من إمكاناتٍ متناهيةِ الدقة، ولكن يُعاب عليها، عند تحويل الصورة إلى رسوم ثلاثيّة الأبعاد، عدمُ تغيير ألوان أحذية اللاعبين المتنافسين لتمييز الفارق الضئيل بينها، فالقرار النهائيّ بإلغاء الهدف للحكم المعتمِد على التقنية كان صحيحاً، لوجود مخالفة تسلّل على ليفاندوفسكي، لأنّ رأس قدمه كانت متقدِّمة، بفارق بسيط، عن قدم آخر ثاني مدافع، وهو المغربي نايف أكرد.
وعليه، فإنّ إدخال تقنية التسلّل شبه الآلي إلى عالم كرة القدم جعل منافساتها أكثر عدالة، وهذا يدفعنا جميعاً للترحيب بنتائج التقنية، رغم صعوبة بعض الحالات ودقة تفاصيلها، وعدم انسجام نتائجها أحياناً، مع بساطة اللعبة، وقدرات الحُكام الإنسانية، وتقبّل اللاعبين والجماهير القرارات الناتجة عنها، وتماشياً مع المقولة: "يوم لك ويوم عليك"، نقول بدورنا: "تقنيةٌ لك وتقنية عليك".