كيف نجحت الفرقة الكتالونية في حل العقدة الفرنسية؟

16 ابريل 2015
+ الخط -


لماذا لا يُغيّر برشلونة طريقة لعب 4-3-3؟ إجابة هذا السؤال تعني العودة سنوات طويلة للوراء، حينما جاء رينوس ميتشيلز بأحلام الكرة الشاملة إلى كتالونيا، وصنع المجد الكامل رفقة النجوم العظام، كرويف ونيكسينس والبقية، في محاولة ناجحة لإرساء مبادئ اللعبة الهجومية داخل ملعب كامب نو، لذلك من الممكن تغيير لاعب بلاعب، رحيل نجم وقدوم آخر، لكن أسلوب اللعب وشكل الأداء، عوامل غير قابلة أبداً للمس، هكذا تُعرف قواعد اللعبة في بارسا.

تشكيلة القمم
"تستطيع شراء أي لاعب، لكن من المستحيل جلب أسلوب لعب". هكذا يتحدث الايطالي الخبير أريجو ساكي عن تاريخ الفرق التي تحافظ على تقاليدها مهما مرت الأيام، وبالتالي حافظ لويس انريكي حينما جاء على نفس الخطة، مع بعض التغييرات التي تعبر عن شخصيته، على مستوى اللعب المباشر وتحسين التعامل مع الكرات الهوائية، مع ضبط عملية التحولات.

وأمام باريس، لعب لوتشو بتشكيلته الرئيسية في كل المواجهات الكبيرة، خط وسط لا يتغير أبداً، بوسكيتس في الارتكاز الدفاعي أمامه راكيتتش على اليمين وانييستا على اليسار، من أجل توفير كل الدعم لمثلث الرعب، ميسي، نيمار وسواريز. بينما جاء التغيير الوحيد في البدء بمونتويا مكان ألفيش الموقوف، وتفضيل ماتشيرانو على حساب ماتيو، خصوصاً مع غياب زلاتان ابراهيموفيتش عن جولة الذهاب.

لا بديل
قدم لوران بلان مباراتين من ذهب أمام مورينيو في ثمن النهائي، لكنه اصطدم بمشكلة الغيابات العديدة أمام برشلونة، زلاتان غير متوافر في الهجوم، والثنائي فيراتي وموتا بالعمق، لذلك ندرت أسلحة الباريسيين أمام الكتالان، لأن رأس مال هذا الفريق يكمن في عملية البناء من الخلف، واستفزاز الخصوم عن طريق الريجستا الايطالية، ورمي الكرات الماكرة إلى الأمام حيث يتواجد السويدي العملاق.

وقد كان لزاماً وجود خطة بديلة أو "النظام ب" لكن هذا لم يحدث، وحافظ المدرب الفرنسي على خطته، 4-3-3 دون أي إضافات، مجرد وضع أسماء جديدة محل القديمة، كاباي في الارتكاز بدلاً من فيراتي، ورابيوت عوضاً عن موتا، مع تحول كافاني إلى قلب الهجوم واللعب بالثنائي لافيتزي وباستوري على الأطراف.

قلة قليلة جداً من اللاعبين هي من تجيد التعامل مع ضغوطات المواجهات الكبيرة، ورغم امتلاك سان جيرمان لفريق عميق ومتنوع، إلا أن الأسماء الجديدة سقطت في فخ التكرار، ولم يأتِ أصحاب الأرض بأي حلول جديدة، لذلك ظهر في صورة الحمل الوديع أمام المارد القادم من كتالونيا.

الكونتر برسينج
هناك مقولة خاطئة خاصة باستحالة لعب المرتدات من جانب الفرق الهجومية التي تؤمن بفكرة الحيازة، وكأن لعبة التحولات خاصة فقط بالأندية الدفاعية، وهذا الأمر انتهى تماماً خلال السنوات الأخيرة، لأن المعطيات تغيرت والرفاهية الكروية انتهت بلا رجعة، أصبح هناك ما يُعرف بالهجوم أثناء الدفاع، والدفاع من وضع الهجوم، في معادلة أصبح فيها الفريق الفائز بمثابة الفعل ورد الفعل في آن واحد.

لا يوجد فيراتي، اللاعب القادر على بناء الهجمة من الخلف بهدوء يُحسد عليه، لذلك حاول البارسا تفعيل خاصية الضغط العالي على حامل الكرة في منتصف ملعب سان جيرمان، مع عدم الاكتفاء بقطع الكرة فقط، بل تنفيذ مرتدات سريعة قاتلة قبل أن يعود الدفاع الباريسي، ولنا عبرة بلقطة الهدف الأول للبرازيلي نيمار.

صحيح اللمسة الأخيرة كانت رائعة، وصناعة ميسي مبهرة، لكن العمل الحقيقي يعود إلى مجهود بوسكيتس في كسر الهجمة، ولعب دور الأخطبوط في المنتصف، مع انيستا الذي يجيد فكرة ترحيل الهجمة، بمعنى كسر نسق المنافس والتمركز في المكان الصحيح بين قاطع الكرة ومنفذ اللعبة قبل الأخيرة، لذلك رغم تراجع مستوى الرسام إلا أنه يساند ميسي كثيراً في تغيير اتجاه اللعب، وجعل تمريرات برشلونة غير متوقعة.

رد الفعل
بالغ نجوم باريس في الحفاظ على الكرة، باستوري مهاري غير طبيعي لكنه لعب بشكل سلبي أمام برشلونة، مع عدم قدرة رابيوت على ربط خطوط الفريق، لذلك جاءت معظم الخطورة عن طريق تحركات ماتويدي، أفضل لاعبي سان جيرمان خلال عصبة الأبطال، لأنه يمتاز بمهارة نادرة في فريق بلان، ألا وهي التحرك بدون الكرة، لذلك في ثواني معدودة، يتحول ماتويدي لاعب الوسط إلى مركز الجناح ويرمي كامل الضغط على أسفل الطرف الأيمن للفريق البرشلوني.

لعبة يتقنها كثيراً أصحاب الأرض، وفعلوها مراراً وتكراراً أمام تشيلسي، لكن تعامل برشلونة مع ماتويدي كان مناسباً، لأن راكيتتش ليس لاعب وسط مهاجم بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه ارتكاز مساند وريشة مائلة إلى الخط الجانبي، كلما انطلق بليز في الأمام، رافقه إيفان في الخلف، وكأن الكرواتي ظل ورفيق للفرنسي السريع.

التغييرات
حاول كل مدرب قدر المستطاع تسيير اللقاء وفق رؤيته الخاصة، والبداية كانت مع بلان الذي أشرك لوكاس مورا مكان رابيوت، لتتحول الخطة من 4-3-3 إلى 4-2-3-1، بوجود مورا ولافيتزي على الأطراف، بينهما باستوري في مركز صانع اللعب خلف المتقدم كافاني، لذلك عاد ماتويدي بضعة خطوات للخلف ليساعد كاباي في المحور، وهنا انعدمت تماماً الخطورة الفرنسية.

مورا لاعب مميز لكنه عائد للتو بعد غياب طويل، والأرجنتيني لافيتزي حاضر مع إيقاف التنفيذ، وبالتالي انعدمت خطورة سان جيرمان تماماً من الأطراف مع غياب انطلاقات ماتويدي المنشغل بالأدوار الدفاعية. وعلى النقيض من عدم توفيق أصحاب حديقة الأمراء، جاءت تغييرات انريكي موفقة تماماً، أعاد تشافي السيطرة على الوسط وتحكم تماماً في شكل المباراة.

بينما خرج راكيتتش ودخل ماتيو، ليقلب البارسا خطته على مستوى اللاعبين، ويصعد ماتشيرانو إلى خانة الارتكاز مع تحرر بوسكيتس في الوسط الهجومي بجوار هيرنانديز، وهنا انتهت المباراة بشكل كامل، لأن برشلونة تحكم في مجريات اللعب، وضبط عملية التحولات، ولم يعد هناك مفر من تألق الـ MSN.

سواريز ولويز
المعادلة سهلة وبسيطة، أعطوا الثلاثي الأمامي الحرية والأمان بتوازن الوسط، وشاهدوا الإبداع والتألق والأهداف. وعلى طريقة كرة السلة، تشافي هيرنانديز لاعب النصف ساعة الأخيرة، لذلك نزوله غيّر كثيراً من قواعد اللعبة، وساهم في حيازة أكبر على الكرة، من أجل تفرغ ميسي باستلام وتسليم التمريرات الذكية إلى الثنائي المتقدم، سواريز ونيمار أمام دفاعات سان جيرمان.

لم يخطئ بوسكيتس في معظم المناسبات وفتح قناة سريعة مع ميسي، في حضرة الكابتن رقم 6 العائد إلى الملاعب من الباب الكبير، لذلك جاءت الهدايا من كل صوب واتجاه إلى سواريز، الذي قام بدوره المرسوم بعناية فائقة الدقة، هو المهاجم رقم 9 الذي يتحرك على الطرف، ويقطع في عمق منطقة الجزاء، ورغم خبرة دافيد لويز العريضة، إلا أنه فشل تماماً في إيقاف كابتن "هانيبال" في الهدفين الثاني والثالث، ليقطع الأحمر والأزرق خطوة هامة نحو نصف النهائي.

ورغم نتيجة الذهاب المهمة للكتلان إلا أن الإياب لن يكون سهلاً، مع عودة ابراهيموفيتش وفيراتي وبقية الأسماء الباريسية، وإن كان هناك تحسن ملحوظ في دفاع وهجوم برشلونة، لتبقى المشكلة الأزلية في منطقة المنتصف التي تعاني كثيراً، وينقذها في معظم الأحيان تألق غير عادي لنجوم القارة اللاتينية في الثلث الأخير من المستطيل.

المساهمون