يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كُتب حول أسرار عالم الرياضة ونجومها، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بنجم التنس الإسباني، رفائيل نادال.
خسرت في نهائي ويمبلدون 2006 أمام روجيه فيدرير، بعد أن فزت بمونت كارلو مجددا ثم روما ورولان جاروس، وكلاهما على حسابه. لم تكن الهزيمة قاسية، ففي تلك المرة كنت أشعر بالامتنان للوصول إلى النهائي، ولكن في 2007 كانت الهزيمة أمام فيدرير أيضا تركتني محطما تماما، فقد كانت في خمس مجموعات وكنت أعرف أن بمقدوري تقديم أفضل مما فعلت. لم تكن المشكلة في مستوى اللعب، وإنما الصلابة الذهنية.
خسارة قاسية
بكيت بعد الهزيمة، بدون توقف طوال نصف ساعة في غرف تغيير الملابس، ذرفت دموع الإحباط ولوم النفس، الخسارة دائما ما تكون مؤلمة، ولكن الألم يكون أكبر عندما تكون على علم بأن حظوظك في الفوز كانت قائمة وأهدرتها. فقد تغلب علي فيدرير، ولكنني لعبت دورا في الهزيمة، تأثرت ذهنيا.
توني الذي دائما ما ينتقدني حتى عندما أفوز، حاول التخفيف عني، قائلا إن الفرصة ستسنح لي مراة أخرى، ولكنني كنت أعرف أنها الأخيرة، رغم ذلك تأهلت في 2008 لنهائي البطولة التي رغم عراقتها، هي المكان الوحيد الذي يمكنني فيه الشعور بالهدوء.
بدلا من الإقامة في أجنحة بفنادق بها رفاهيات تدفعني للضحك، نستأجر منزلا مقابلا لمجمع (أول انجلاند كلوب)، مؤلف من ثلاثة طوابق يقيم فيه أقاربي وأصدقائي بدلا من أن نظل معزولين كل في غرفته، يوفر لنا المنزل مساحة مشتركة للاستمتاع سويا، كما أن السير لدقيقتين يكفينا لوصول المجمع.
رد الدين
خضت مباراة النهائي وأنا على ثقة من أنني سأفوز رغم الأمطار التي أدت إلى تأخر انطلاق المباراة، وتوقفها للمرة الثانية في المجموعة الخامسة، وفيدرير يستعد للإرسال بعد أن حسمت أول مجموعتين وخسرت التاليتين، وكنا نقدم قبل التوقف أسوأ مستوياتنا، لكنه كان يلعب بصورة أسوأ مقارنة بي، ولكن إرساله كان سلاحه الأفضل، والوحيد تقريبا.
كان التوقف في صالحه، هذا ما كان يفكر فيه توني وأخصائي العلاج الطبيعي اللذان انضما إلي في غرف تبديل الملابس، واقترب مني عمي وقال لي: "اسمع، مهما كانت فرصك قليلة في الفوز بالمباراة، قاتل حتى النهاية. المقابل كبير ويجب عليك أن تبذل قصارى جهدك. في الكثير من الأحيان لا يخوض اللاعبون لانخفاض معنوياتهم أو الإرهاق، المعركة التي تفرضها الظروف، ولكن إذا كانت هناك فرصة قاتل حتى النهاية، لن يفوز الأفضل وإنما من يتمكن من التحكم في أعصابه".
كان يبدو على وجه توني أنه متخيل أنني سأكون متأُثرا بالفرص التي أهدرتها في المجموعتين الثالثة والرابعة، ومن المستحيل رفع معنوياتي، ولكن ردي فاجأه: "هون عليك. لا تقلق أنا هادئ ويمكنني الفوز. لن أخسر. ربما يفوز فيدرير في النهاية، ولكنني لن أخسر كما فعلت العام الماضي". كنت أقصد أنني لن أهدي له الفوز.
تروي والدتي بعد ذلك أن توني عاد مذهولا من تفاؤلي وتماسكي، بل تساءل إذا ما كنت أتظاهر لأخدع نفسي أو لتهدئتهم، ولكنه رأى شيئا في عيني يؤكد أنني كنت أتحدث بجدية. وعندما توقفت الأمطار بعد نصف ساعة خرج أخصائي العلاج الطبيعي من غرف تغيير الملابس، وهو يعلم أن الوقت حان للفوز بالبطولة، وقد كان.
خير نهاية
مع آخر نقطة سقطت على العشب، وأصبح الصمت الذي يميز الملعب الرئيسي جلبة، وأنا استسلمت في النهاية لفرحة الجماهير وتركتها تغمرني لأخرج من السجن الذهني الذي كنت داخله منذ بداية المباراة حتى نهايتها. كان علي النهوض ومصافحة فيدرير الذي نجحت بعد انتظار أربع سنوات في أخذ الصدارة منه. ذرفت عيناي الدموع ولم أتمكن من احتوائها.
ولكن كان علي أن أفعل شيئا آخر لأطلق به مشاعري، ركضت نحو أحد أركان الملعب حيث كان متواجدا فريقي وصعدت من داخل الملعب للمدرجات وصولا لهم، كنت أبكي وكذلك والدي، أول من هنأني، عانقته وعانقت والدتي وتوني.