كانت مواجهة إيطالية بحتة في البرنابيو، أليجري في ضيافة كارلو انشيلوتي، إياب ناري بكل تأكيد. مدرب ريال مدريد رجل يركز فقط في دوري الأبطال، لدرجة أنه واجه منافسيه الكبار في مختلف بطولات الدوري الذي شارك فيها خلال 71 مباراة، فاز فقط في 26 مواجهة، أما النتائج الباقية فكانت بين تعادل وهزيمة، لذلك استضاف البرنابيو نصف نهائي على خطى الأيام الخوالي للكالتشو.
الطليان
حينما يتعلق الأمر بذات الأذنين، فإن أنشيلوتي هو ملك هذه المسابقة بدون منافس، مرتين مع ميلان، ومرة مع ريال مدريد.
يقول كارلو عن كرة القدم "إنها أهم شيء ممكن ضمن قائمة الأشياء غير المهمة في الحياة" لذلك لا يسهر كارلو الليل من أجل خطة، ولا يجلس لساعات من أجل فكرة تكتيكية جديدة، بينما في مباريات خروج المغلوب بذات الأذنين، الإيطالي أبداً لا يرحم، ودائماً مرشح بقوة، مع أي فريق وضد أي منافس.
ماكسيمليانو في المقابل هو أسعد مواطني دولة تورينو، الرجل الذي جاء في ظل كونتي، لكنه تفوق عليه بالقاضية الفنية في أول موسم له، الدوري انتهى والكأس في الطريق، ووصل يوفنتوس إلى نصف النهائي لأول مرة منذ عام 2003. لذلك تحدث مارشيلو ليبي عن ماكس، ووصفه بالمدرب الشاطر الذي أعاد الكرة الإيطالية من جديد إلى الواجهة الأوروبية.
معركة الارتكاز
لعب كل فريق بطريقته الخاصة لكن في النهاية انتهى النسق التكتيكي إلى 4-4-2، لكن بتنفيذ مختلف لكل من أنشيلوتي وأليجري. فالريال استسلم تماماً لفكرة غياب لوكا مودريتش، واقتنع أنشيلوتي بصعوبة وضع راموس في الوسط، لذلك نزل بأفضل توليفة هجومية بالمنتصف، توني كروس ارتكاز وحيد أمامه ايسكو في عمق الملعب، ويعاونهما كل من جاريث بيل وخايمس رودريجز على الأطراف، مع رونالدو وبنزيمة في الهجوم.
بينما حافظ أليجري على نفس طريقته المفضلة، اللعب بأندريا بيرلو كريجستا أمام الدفاع، يرافقه ثلاثي متقدم في كل أركان المنتصف، بوجبا على اليسار، ماركيزيو على اليمين، واللاتيني فيدال في العمق، مع استمرار الثنائي كارليتوس تيفيز وموراتا في الصفوف الهجومية الأولى.
كانت المواجهة عبارة عن وسط قوي أمام آخر ثابت لا يهاب، لذلك جاءت الأمور متقاربة للغاية لكن هناك مهاجم لا يكل ولا يمل، الفارق بين الفريقين في خط الوسط كان كريم بنزيمة، الفرنسي الذي أثبت بالدليل القاطع أنه لاعب لا غنى عنه في تشكيلة الملكي، يتحرك المهاجم في كل مكان بالثلث الأخير، لا ينتظر الكرة داخل المنطقة بل يطلبها، ويعود للضغط على بيرلو أسفل الارتكاز، لذلك كانت هناك زيادة عددية مستمرة للريال أسفرت عن ضغط أكبر وتراجع إيطالي، حتى جاءت ضربة الجزاء وهدف التقدم.
مربع الأحلام
محظوظ أليجري بتركيبة الوسط التي يمتلكها، مجموعة قادرة على التكيف مع أي خطة، وتتلون فنياً وفق ظروف كل مباراة، وهذا الأمر يُحسب بشدة لعمق الفريق الذي يساعده في مثل هذه المواقف الصعبة. فماركيزيو لاعب وسط شامل، يستطيع شغل كافة أدوار لاعب الارتكاز، أما الفرنسي الشاب بوجبا، فإنه وسط يتحرك في المناطق المزدوجة بين الأطراف والمركز، لذلك هو نصف جناح ونصف لاعب وسط صريح.
أما فيدال فهو لاعب غير قابل للتصنيف، إنه "البوكس" الذي يبدأ المباراة أمام دفاعه، ثم تجده في القنوات الأمامية بين دفاعات المنافس، ثم تجده بجوار بيرلو يدافع عن مرماه بكل بسالة ممكنة، وبالتالي يُعّوض أليجري نقص لاعبي الأجنحة في فريقه، بالتركيز على "الشمولية" الكروية عن طريق نجاح لاعبي الوسط في الجمع بين أكثر من وظيفة تكتيكية في المباراة الواحدة.
وتعطي هذه الوفرة الفنية الطاقم الفني للسيدة العجوز أريحية أكبر في مباريات الذهاب والعودة، لأن الفريق يستطيع تغيير مجريات اللعب في ثوان معدودة، فمن الممكن أن تعتمد على لاعب ذكي، يمرر لزميله ثم يعود ويأخذ مكان آخر، ويقتل خطوط الخصم بتمريرة عبقرية، وهذا ما أتقنه بطل الكالتشو في الجولتين أمام حامل لقب الأبطال.
ماذا يعني الهجوم؟
الهجوم ليس بالجري أكثر أو العمل بجد بل بالتحكم في المساحات وإجبار الخصم على اللعب بطريقة لا يحبها. إذا تركت منافسك يلعب بأريحية فإنه سيلعب بثقة ويهزمك. بل يجب أن تنفذ الضغط الصحيح الذي يعتبر بمثابة أمر نفسي أكثر منه بدني. الاستراتيجية الجماعية أن يكون أحد عشر لاعباً في وضعية نشطة، فعّالة، قادرة على معارضة المنافس في كل وقت.
ورغم أن ريال مدريد لعب بشكل هجومي أكبر في المباراتين، وأضاع فرصاً أكبر من يوفنتوس، ولعب أكثر في نصف ملعب الفريق الإيطالي، إلا أن السيدة العجوز كانت الطرف الأكثر ثباتاً فيما يخص عملية التحكم في سيناريو المباراة، لذلك شاهدنا فريقاً يعرف متى يهاجم وكيف يدافع وأين يمرر، خصم يسجل الأهداف وقت ما يريد، بدأ بالتسجيل على أرضه ثم أضاف الثاني في الوقت المناسب، وتعادل خارج ملعبه بعد أقل من ربع ساعة من قراره بالهجوم على مرمى كاسياس.
الفرق العملاقة لديها الرغبة في السيطرة، حينما تهاجم، يجب أن تبقى على مسافة متوازنة، توقيت مناسب، وطرق صحيحة لالتقاط الكرة من جديد، وإذا لم تنجح في ذلك، فالكرة التي تقدمها ستفقد الكثير من التناغم والانسجام، وكرة ريال مدريد هذا العام -بعيداً عن نتيجة المباراة- لا تعبر بأي حال من الأحوال عن مفردات الفريق الكروي، إنهم "مجموعة" تلعب كرة القدم، لا أكثر ولا أقل.