عندما تتحول الكرة إلى مجرد سوق!

05 اغسطس 2023
يشهد الميركاتو الحالي حديثاً عن الأرقام والصفقات ونفقاتها (Getty)
+ الخط -

كل شيء تغير في هذا الزمن، خاصة في عالم الكرة التي تحولت الى مجال استثمار ووسيلة لربح المال بعد أن كانت وسيلة تسلية وترفيه، انتقل فيه الحديث عن مهارات اللاعبين وخطط المدربين، وإنجازات الأندية والمنتخبات، إلى حديث آخر عن الأسعار والسوق والصفقات، والخسائر والأرباح، وأخبار الانتقالات الشتوية والصيفية القياسية، لدرجة تراجع الاهتمام بالجانب الفني وتأثير التكنولوجيا على اللعبة وعلى الخطط التكتيكية والمهارات الفردية، وسط انتشار كبير لأرقام الأموال المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي تسارع إلى نقل أخبار سوق الانتقالات والاستثمارات في أوروبا والخليج على حساب التوجهات الجديدة للكرة الحديثة، رغم الثورة التي أحدثها الجيل الجديد من المدربين بقيادة بيب غوارديولا.

الحديث عن أحد أفضل اللاعبين في العالم حالياً الفرنسي كيليان مبابي لم يعد حديثاً عن فنياته ومهاراته، وإنجازاته وإخفاقاته، وقدراته في التربع على عرش الكرة الأوروبية والعالمية لخلافة ميسي ورونالدو خلال السنوات القادمة، بل اقتصر هذه الأيام على موقفه من التمديد أو الرحيل، وإمكانية انتقاله هذه الصائفة إلى فريق آخر، وقيمة صفقته التي قد تبلغ رقماً خيالياً إذا تمت باتجاه الريال أو فريق آخر، في حين لا يتحدث عن قضائه موسما أسود مع الباريسي، إلا القليل في حالة رفضه الرحيل، ما يعني حرمان عشاق الكرة من مهارات أحد أفضل اللاعبين في العالم حالياً إذا تمسك بموقفه وقرر الباريسي عدم الاعتماد عليه الموسم المقبل.

أموال الاستقطاب السعودي للنجوم العالميين خطفت بدورها الأضواء في كلّ الصفقات التي تمت لحد الآن، حيث راح الجميع يتحدث عن مبالغ الانتقالات ورواتب رونالدو وبنزيمة ورياض محرز، أكثر من الحديث عن المشروع السعودي وآفاقه وما يترتب عليه من تحول في أفضل دوري عربي وأحد أكبر الدوريات المحلية في قارة آسيا، وتداعيات ذلك على المشهد الكروي الفني الأوروبي ودورياته ومسابقاته، التي راحت من جهتها تحسب نسبة الخسائر المالية بسبب التضخم وارتفاع أسعار اللاعبين في أوروبا، أكثر من الخوض في الحسابات الفنية والخسائر المعنوية التي تخلفها ظاهرة هجرة اللاعبين نحو الشرق، وهجرة عشاق الكرة نحو دوريات غير مصنفة عالمياً.

في نهاية القرن الماضي، كنا نتحدث عن الكرة أكثر، ونتحدث عن فنيات ومهارات مارادونا وباجيو وروماريو وزيدان ورونالدو البرازيلي وبيكهام، لكن في بداية الألفية عند ظهور القطبية الثنائية بين ميسي ورونالدو، صرنا نتحدث عن الإنجازات الفردية للاعبين والأرقام القياسية التي تحطمت بفضلهما، قبل أن يتحول النقاش إلى أرقام أخرى تحسب بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني والريال السعودي بعد انتقالهما إلى أميركا والسعودية، والتحاق عدد كبير من اللاعبين بالدوري السعودي، في وقت لم يعد أحد يهتم بالمدربين وخططهم والدوريات المحلية والمسابقات القارية، التي تراجع الحديث عن آفاقها وحاجتها للتغيير من أجل تطوير اللعبة والاستثمار في مجال التكوين.

في وقت ما، كان الجميع يشتكي من تدخل السياسة في الرياضة ويتخوف من طغيان المال على مجال الكرة، لكن التغيرات المجتمعية والاقتصادية والاجتماعية الحديثة تدفع بمشاعر التخوف الى أقصى درجة، بعد أن صار الجميع يعيش على وقع أرقام صفقات أكثر من أرقام الأهداف والبطولات والألقاب والتتويجات الفردية والجماعية للاعبين والأندية والمنتخبات.