عدنان بوظو... ما زال حاضراً في قلوب الجميع

25 أكتوبر 2020
عدنان بوظو توفي قبل 25 عاماً وبقي حاضراً في قلوب الجميع (تويتر)
+ الخط -

صوت مؤثر نفاذ، عميق رشيق، ولغة فصيحة سلسة مطواعة، سريعة الإيقاع، تتالى صورها متقافزة تقافز الكرة بين اللاعبين، وبراعة وصف تغني خيال المتابع لتجعله متفاعلاً كأنه يعيش الحدث ويراه عبر سماعه، قبل انتشار النقل التلفزيوني، وبعده، مضيفاً نكهة متميزة من خبير.
أخلص لعمله وأعطاه كلّ عزم وجهد ومثابرة دؤوبة لم تنقطع أربعين عاماً، فقطف الثمار مجداً في ميدانه لا يضاهى، وشهرة ونجومية يغبطه عليها مشاهير السياسة والفن والمجتمع. ظل معتلياً قمتها أكثر من ثلاثين عاماً، إلى أن ترجل فارساً لم يبلغ من العمر ستيناً.

مولده وأسرته ومسيرته الرياضية
ولد عدنان بوظو عام 1936 في حيّ ركن الدين الدمشقي لأسرة كردية عريقة، أغرم منذ صغره بكرة القدم ولعب في نادي بردى ثم لمنتخب دمشق معايشاً أشهر نجوم الخمسينيات والستينيات، كموسى شماس وحنين بتراكي ووائل عقاد، لكنه لم يمثل المنتخب الأول فاعتزل قبل بلوغه الثلاثين مستمراً في الإعلام والتحكيم الذي نال درجته الدولية عام 1966، إلى أن اعتزل أيضاً أواخر السبعينيات.
مسيرته في الإعلام الرياضي بدأها مبكراً أيضاً منذ سنته الجامعية الأولى، وهو ما دعاه بعد التخرج من كلية الحقوق إلى الابتعاد عن العمل في الميدان الحقوقي على أهميته ورفعة شأنه سياسياً واجتماعياً ذلك الوقت، والتوجه للتخصص في الإعلام الرياضي احترافاً مع بدء عهد الوحدة مع مصر (1958)، حيث عمل في الصحيفة الجديدة "الوحدة" محرراً لصفحتها الرياضية، ثم في الجريدة المتخصصة "الموقف الرياضي"، ومنذ عام 1982 إلى وفاته رأس تحرير الصحيفة الجديدة "الاتحاد".
الأبرز والأكثر شهرة وتأثيراً جماهيرياً في حياته كان عمله في التعليق الرياضي المباشر والذي بدأه مبكراً أيضاً منذ باشرت إذاعة دمشق في الخمسينيات نقل الأحداث الرياضية الهامة من الملاعب، واتبعتها نقلة نوعية عندما بدأ التلفزيون السوري بثه عام 1960، ليغدو عدنان بوظو أول معد ومقدم للبرامج الرياضية عبر الشاشة، وليتسلم بعدها ولأكثر من ثلاثين عاماً الدائرة الرياضية في هيئة الإذاعة والتلفزيون، محققاً فيها رصيداً فاق التوقعات، رافضاً سواها كلّ منصب أعلى في الهيكلة الوظيفية، حتى منصب المدير العام الذي عرض عليه من رأس السلطة، وبحكمة واحترام للتخصص دون انجرار لإغراءات مناصب عالية تفقده رصيده الجماهيري.
النجاحات المتتالية، والرصيد الجماهيري المتنامي محلياً وعربياً، وزيادة مشاركته في الفرق الإعلامية الموحدة الناقلة للأحداث الرياضية الكبيرة عربياً وقاريّاً ودولياً عبر تفعيل اتحاد الإذاعات العربية، لم يجرفه إلى إهمال الشأن المحلي الذي بقي أولوية لعمله. فبعد النجاح الكبير لدورة المتوسط (1987)، في اللاذقية انبرى مباشرة ليحدث نقلة نوعية مدهشة، كان رائدها، عندما أطلق البرنامج الأشهر "ملاعبنا الخضراء"، الذي بقي لسنوات حاصداً أولوية المتابعة، وأعلاها رقماً بين كلّ الإذاعات الناطقة بالعربية، بنقله بعد ظهيرة كلّ يوم جمعة جميع مباريات الدوري السوري الكروي، من جميع الملاعب في المحافظات، وبوقت واحد على الهواء مباشرة، محدثاً حالة غير مسبوقة تأخرت عنها بقية الإذاعات سنيناً، بفضل إدارته لفريق إعلامي يقوده بخبرة وحنكة من الاستديو المركزي في إذاعة دمشق، معيداً إليها انتشاراً وبريقاً سبق أن فقدت كثيراً منه قبل ذلك، ومن ثم بعده.

حادثة خاصة وذكرى أليمة
لم تكن طرق عدنان بوظو في الإعلام، على الرغم من نجاحاته، مفروشة بالورود دائماً، وواجه أحياناً بعض إدارات حاولت وضع عصيّها في عجلة تطويره المتنامي رغبة في فرض سلطتها الإدارية عليه، وهو ما لم يكن يستسلم له وإن كان يعكر صفوه أحياناً. من أمثلة ذلك ما سأسوقه لأنه كان بداية نهاية.

الحدث كان في نهاية عام 1993، كنت يومها في السنوات الأولى لعملي الإذاعي الاحترافي، الذي حرصت على تنوع ميادينه أن أستمر مع فريق عمل "ملاعبنا الخضراء"، ليس بسبب جماهيريته فحسب، بل من قبيل الوفاء للذات أولاً وللأستاذ العلم الذي أثّر من غير أن يدري في تكويني منذ الطفولة، فحببني عبر أسلوبه بالعمل الإذاعي بكليته إلى أن احترفته شاباً، فكنت سعيداً بلقائه مقدار سعادتي بالعمل معه ضمن الفريق. 
أثار ذلك الإعجاب حفيظة أحد المديرين من خصوم عدنان، خاصة عندما اعتذرت عن عدم المشاركة في برنامج اقترحه ذلك المدير، فكان أن اتخذ قراراً انفعالياً برفضه سفري ذلك الأسبوع لنقل مباراة هامة في دير الزور البعيدة، والتي كان ناديها الشهير "الفتوة" يخوض مباراة هامة، متذرعاً بنقص طارئ في مذيعي الفترة والأخبار، بل واتخذ قراره بسفر المعلق جوزيف بشور، الذي كان يعمل مع عدنان في الاستديو المركزي.
كان القرار من صلاحياته مديراً فامتثلنا له، لكن الذي حدث، وقد جعل مناوبتي في توقيت بث البرنامج (ملاعبنا الخضراء) على الهواء. أثناء إذاعتي موجزاً قصيراً للأخبار يتخلل البرنامج ويبث من استديو الهواء ذاته، لاحظت ضيقاً في ملامح "الكابتن"، كما كنا نناديه، سألته بعد انتهاء الموجز عن السبب، فقال إنه يشعر ببعض التوعك، تمنيت له السلامة وغادرت إلى غرفة المناوبة، ولم تمض دقائق إلا وفوجئت به خارج الاستديو ليعلمني بأن حالته مزعجة وأنه مضطر للمغادرة وسيعتمد عليّ بمتابعة البرنامج مكانه.
سارعت بطلب المصعد والاستعانة بزميل فني يوصله وهرعت للاستديو إنقاذاً للموقف، لم أعلن على الهواء السبب الحقيقي، بل تذرعت بطارئ سفر، وبقدر ما شكّلت الصدفة، حينها، موقف رد اعتبار شاءه القدر تجاه قرار ظنه ذلك المدير بصرفه عقوبة، بقدر ما يترك في نفسي ذكرى مؤلمة، فتلك اللحظات كما كشفت الفحوصات والتحاليل لاحقاً، كانت بداية اكتشاف المرض الخبيث في دم الرجل الذي أقدّر وأُحب.

المساهمون