بعد فوز كتيبة الشولو سيميوني على ريال مدريد بثنائية نظيفة في ذهاب ثمن نهائي كأس الملك الإسباني، توقع الجميع مواصلة أتليتكو تحديه للكبار، وانتزاعه ثلاث نقاط من فم برشلونة رغم أنف كامب نو وجماهيره الغفيرة. وانتظرت وسائل الإعلام تفوّق حامل لقب الليجا أمام فريق ميسي ورفاقه، حتى يرحل المدرب لويس انريكي في أسرع وقت ممكن، لكن جاءت الرياح الكتالونية بما لا يتوقعه معظم المتابعين، وحقق الأحمر والأزرق فوزا مستحقا مع أداء مثالي، أعاد إلى الأذهان فترة جوارديولا التاريخية.
متلازمة أتليتكو
وصل أتليتكو مدريد إلى القمة سريعاً، ولم يرض أبداً بدور الكومبارس أو صديق البطل، وأراد منذ الموسم الماضي أن يكون صاحب الكلمة العليا في بطولة الليجا الإسبانية، لذلك توصل مدربه سيميوني إلى المصل الذي نجح من خلاله في إيقاف قوة ماردي البطولة المحلية، برشلونة وريال مدريد، بتضييق المساحات أمام نجومهما وصناعة حائط فولاذي أمام مرماهما، ومن ثم ضربهما بالضغط المفاجئ والأداء العمودي المباغت، فتّش عن التحولات ولعبتها التي جعلت "الروخيبلانكوس" أحد أقوى فرق القارة العجوز خلال الآونة الأخيرة.
يتهم البعض فريق سيميوني بأنه من هواة ركن الأتوبيس أو كما يعرف باسم "Parking The Bus" لكن الفريق لا يعود إلى مناطقه بشكل مبالغ فيه، بل يحاول دائماً التواجد بكثافة عددية في وبين خطوط الملعب، لذلك يلعب أمام الفرق الهجومي بخطيّن من الدفاع، رباعي خلفي عادي وأمامه رباعي وسط متحرك وديناميكي، محوري ارتكاز بالعمق مع ثنائي شامل من الأجنحة المركبة على الأطراف، لذلك فشل البارسا في هزيمته خلال ست مباريات متتالية بالعام المنصرم.
وهي نفس الخطة التي بدأ بها الشولو في كامب نو هذه المرة، اختيار جابي وتياجو بالمنتصف، مع كوكي وأردا في مراكز الجناح، وإعطاء الحرية الكاملة لجريزمان كلاعب قاتل أثناء المرتدات خلف مهاجم صريح يجيد الضغط والعنف المشروع، لذلك كان ماندزوكيتش أساسياً على حساب توريس.
وأخيراً هناك حل
أراد المدرب السابق لبارسا، الأرجنتيني تاتا مارتينو، التعاقد مع مهاجم رقم 9 ولاعب وسط سريع لتنفيذ أفكاره الكروية في إسبانيا، لكن إدارة برشلونة رفضت الطلب واستمر الفريق دون دعم حقيقي، لذلك لم يصل أبداً المدير الفني إلى أي حلول منطقية أمام الهنود الحمر، لينتهي به الحال في النهايات بإبعاد تشافي دينامو الفريق، وإجلاسه على الدكة في مباراة الحسم نهاية الموسم الماضي.
لكن تعاقد البارسا مع سواريز وراكيتتش هذا الصيف، ورغم أن الفريق يعاني النقص في عدة مراكز، إلا أن هذا الثنائي خدم لويس إنريكي في قمة الأسبوع، لأن "هانبيال" لعب في العمق من أجل مزاحمة دفاع الأتليتي، وجعل ميسي يعود إلى مركزه القديم على الجناح الأيمن الصريح، وبالتالي لعب الأثولجرانا بجناحين هذه المرة، ميسي على اليمين ونيمار على اليسار.
لغة الأرقام قالت إن ألفيش مرر الكرة إلى ميسي 37 مرة، بينما مرر الأرجنتيني إلى البرازيلي كرات وصلت إلى الرقم 21، وهذه الإحصاءات تؤكد العمق التكتيكي لوجود الملك رقم 10 على الجناح أمام خصم بقوة أتليتكو، لأن البارسا ضرب حامل اللقب من الناحية اليمنى في أكثر من محاولة، ميسي رفقة ألفيش ويساند راكيتتش في معظم الكرات، ليصبح هناك ثلاثي صريح ضد لاعبيّن فقط من الأتليتي، وهذه الزيادة العددية تقودنا إلى سيناريو واحد.
ويتمثل هذا السيناريو في إجبار لاعب من محور الارتكاز على ترك مكانه بعمق الوسط، والتحول إلى الطرف لمساندة زملائه، وهنا يأتي الحل في أنصاف المسافات، أو فيما يعرف بالـ Half Spaces، أي الفراغات المتاحة في أضيق أركان الملعب، لذلك وجد سواريز نفسه وحيداً في أكثر من كرة، سواء بين دفاع أتليتكو ووسطه، أو بين قلبي الدفاع كلقطة الهدف الأول، مع إعطاء الإشارة الخضراء لتحركات إنييستا، اللاعب الذي يعشق هذه النوعية من المباريات.
المهاجم الحقيقي
لعب الفريقان بفكرة المهاجم الحقيقي، الرقم 9 كما يقول الكتاب، واختلف كل جانب في تطبيق مفهومه الكروي تجاه العنصر الأمامي، لذلك اختار سيميوني البدء بالكرواتي ماندزوكيتش، اللاعب البعيد عن تصدر قوائم الهدافين لكنه يقدم مردود من نوع آخر، يفيد أي فريق يلعب على الضغط القوي والتحولات الهجومية الفعّالة، لأن ماريو يجيد بشدة طريقة تضييق الخناق على صانع اللعب المتأخر للمنافس.
بوسكيتس لاعب ارتكاز دفاعي بقيمة وسط ممرر وصانع لعب حقيقي، لذلك رمى الشولو لاعبه الكرواتي على مايسترو برشلونة الشاب، حتى يمنعه من فكرة بناء الكرات من الخلف، لذلك كثرت التمريرات إلى الوراء ناحية كلاوديو برافو، وحصل الحارس على نصيب الأسد من الكرات التي تخرج إلى منتصف الملعب أو الثلث الهجومي الأخير.
أما سواريز فهو اللاعب الوحيد في تشكيلة بارسا، الذي يتحرك بشكل أفقي تجاه مرمى الأتليتي، وهذا ما ضمن للفريق التنوع داخل الملعب، من خلال فتح الأطراف عن طريق مهارات ميسي ونيمار، والقطع المستمر من الخلف إلى مركز الهجوم، عن طريق سواريز ومن بعيد راكيتتش، وإذا عدنا للهدف الثاني، سنجد أن لويزيتو يعرف طريقه جيداً، ويتحرك كالسهم تجاه الشباك دون رادع، وهذه ميزة إضافية يوفرها اللاعب القادم من ليفربول.
عودة سيميوني
الأرجنتيني مدرب لا غبار عليه، هو من صفوة المدربين خلال السنة الأخيرة، إذا لم يكن فعلاً الأكثر تميزا باستحقاق، لذلك لم يتأثر سيميوني بالطوفان الكتالوني خلال الشوط الأول، وقلب اللقاء تماماً في شوط المدربين، حينما راهن على انخفاض المردود البدني لنجوم برشلونة، وقلب دفة اللعب إلى أسفل أطراف صاحب الأرض، عن طريق عودة كوكي إلى منتصف الملعب لجعل وسط برشلونة في حالة نزال مستمر مع لاعبي أتليتكو.
وكل هذا العمل يهدف إلى إجبار راكيتتش وإنيستا على الانشغال بمعركة المنتصف، وترك الظهيرين دون مساندة، خصوصاً مع القدرة الدفاعية العادية لكل من نيمار وسواريز، لذلك حاول التركي توران كثيراً على الجناحيّن وصنع خطورة حقيقية طوال فترات الشوط الثاني، وحينما حاول ميسي العودة للخلف كثيراً لمساعدة رفاقه، اشتعلت المباراة أكثر بوقوعه في الفخ واحتساب ضربة جزاء ترجمها الرقم 9 لهدف أعاد المباراة إلى الواجهة.
حافظ لوتشو على تشكيلته، وبادر سيميوني سريعاً بإشراك توريس مكان جابي، لتتحول طريقة اللعب من 4-4-1-1 إلى 4-4-3، بوجود كوكي في الوسط وتحول ماندزوكيتش إلى الأطراف واللعب بالنينو في مركز الهجوم، لتشتعل المباراة أكثر مع محاولات من هنا وهناك، لكن كان وسط برشلونة في الموعد، الخط الذي يستحق كل التقدير خلال قمة كامب نو.
ورغم أن الأهداف الثلاثة جاءت من مثلث الهجوم، إلا أن وحدة "بوسكيتس، راكيتتش، انيستا"، أنقذت برشلونة كثيراً، ليس فقط على مستوى حيازة الكرة بل التمركز دونها، لذلك قدم أندريس الدعم الكامل على الطرف وفي العمق، مع وجود إيفان في المكان الصحيح بشكل مستمر، فنجح الوافد الجديد في الحصول على التمريرة الثانية وكسر هجمات الأتليتي، وحافظ الرسام على وحدة الأداء حتى صافرة حكم المباراة، معلناً فوز مهم لبرشلونة على طريقة، الخروج من عنق الزجاجة.
روشتة كتالونية
وضع فوز برشلونة الكبير على أتليتكو مدريد كامل الضغط على المدرب كارلو أنشيلوتي، خصوصاً مع مواجهة الإياب بين ريال مدريد وأتليتكو مدريد في ملعب سانتياجو برنابيو مساء الخميس المقبل، ويحتاج الملكي الإسباني لثلاثة أهداف نظيفة من أجل ضمان الصعود إلى ربع النهائي، ليكون العالم على موعد مع دربي جديد بين قطبي الكرة الإسبانية.
من المتوقع أن يزيد الريال من قدرته الهجومية على الأطراف، بتثبيت رودريجز وبيل على الأطراف الهجومية، مع الإضافة الخلفية من الظهيرين، وبالطبع وجود ايسكو وكروس في العمق سيسبب مزيداً من الخطورة في مختلف أرجاء الملعب، لكن هذه الأمور ستكون مخاطرة كبيرة إذا نجح الأتليتي في اختراق الوسط والضرب بالمرتدات، لذلك سيكون رهان أنشيلوتي الرئيسي على التحكم في نسق المباراة وحرمان الضيوف من الكرة تماماً، والعبرة دائماً بالنهايات.