دوّن النشامى بوصولهم إلى نهائي كأس آسيا تاريخًا جديدًا للكرة الأردنية لم يسبق له مثيل، منذ أن توجوا بالميدالية الذهبية للدورة العربية التي جرت في لبنان 1997، وتحديدًا حين فاز المنتخب الأردني في المباراة النهائية على منتخب سورية بهدف "الدبور" جريس تادرس الذي زلزل الأردن فرحًا وسعادة، وصولًا إلى الإنجاز ذاته الذي تحقق بعدما نال النشامى ذهبية الدورة العربية عام 1999 في عمان، عقب مواجهة مع العراق لن ينساها التاريخ انتهت بالتعادل 4-4 وحسمها الأردنيون بفارق الركلات الترجيحية تحت قيادة المدرب الوطني الراحل محمد عوض.
كان "أبو العوض".. رجل الأحلام حينها للأردنيين، بل إن تلك اللحظات الفارقة لم تكن لتغيبَ عن عقول الجماهير الأردنية، ومع مرور سنوات وسنوات، لم يحلم الأردنيون بعدها بمثل ما امتلكوا من أحاسيس ومشاعر خالجتهم في عامنا الحالي 2024؛ إذ يبدع الأردن بكتابة التاريخ في كأس آسيا!
وربما يتساءل المتابعون كيف لجماهير كرة القدم الأردنية أن يصدقوا ما حدث، فالنشامى وصلوا إلى المباراة النهائية لكأس آسيا وهو حلم تحقق في زمن يشعر فيه الشعب الأردني بضيق صدر وحزن لا يوصف على ما يحدث في قطاع غزة المنكوب، فأهله وفلسطين قطعة القلب التي لا تفترق عنه.
وجاء تأهل الأردن في عصر كان بطله نجوم رائعون على غرار موسى التعمري الذي أطلقنا عليه لقب "تعمرينيو" ويزن النعيمات وبقية رفاقهما، وفي بطولة استضافتها قطر التي باتت "وجه الخير على العرب" ويشارك فيها عمالقة القارة الصفراء، وقف الجميع مصفقا لما فعله الأردن في نسخة الحلم الجميل ذي الواقع الأكيد.
ولم يحلم الأردنيون إطلاقًا بمثل هذا من قبل، فهذه حقيقة كتبها التاريخ بعبارة "النشامى ما منهم سلامة"، فتألقوا وأطاحوا الكبار ووصلوا باجتهاد إلى المباراة النهائية لأهم بطولة في القارة الآسيوية، وربما يتساءل أحدنا هل يكفي كل ذلك ليكون تطبيقًا واقعيًا لمعنى كلمة معجزة؟
وعاش الأردنيون بين صفحات السنين التي مضت كثيرًا على أطلال التأهل إلى كأس العالم، لكن في كل مرة لا ينجح "النشمي" في مسعاه بالمشاركة، ولو شرفياً على الأقل وتسجيل التاريخ.
ويذكر المشجع الأردني أن تصفيات مونديال البرازيل 2014 تحديداً كانت استثنائية، فهي التي حلم حينها النشميون بشرب قهوة البرازيل، لكن الأوروغواي وقفت بالمرصاد أمام تلك الأحلام في الخطوة التاريخية التي وصل إليها النشامى حينئذٍ كأكبر إنجاز يتحقق في تصفيات المونديال على الإطلاق.
ومرت الأعوام ومنتخب الكرة الأردنية يبتعد عن الأمل، بل حتى عن التفكير بالأحلام نفسها؛ إذ تراجع مستواه كثيرًا بعدما افتقد لمسات الراحل محمود الجوهري ومن قبله "أبو العوض" وعدنان حمد الذين كانت لمساتهم شافية لأمراض تعاني منها الكرة الأردنية، لكنها اختفت دون عودة.
وتواصل التراجع حتى بلغ أدنى مستوياته، فكيف لأندية خاوية الصناديق واحتراف غير مطبق إلا بالاسم فقط، وللاعبين لا يجدون من يعينهم على "لقمة العيش" أن تسألهم جميعًا عن التطور والحلم ومواكبة الكرة الآسيوية والعربية على الأقل؟ فالتفكير بالكرة القارية والعالمية يحتاج إلى مسير طويل للغاية؛ فكيف يفكر بمنتخب قوي في تلك المعادلة؟
ويدرك أهل الكرة الأردنية تلك الحقيقة، لكن وبشكل مفاجئ من دون أي مقدمات خرج الحسين عموتة من بين ركام تلك الهموم والانتقادات التي أغرقته حتى رأسه قبل أمم آسيا، لا سيما عقب نتائج مخيبة تحققت، ليظهر في الدور ثمن النهائي وصولًا إلى المربع الذهبي والآن نهائي كأس آسيا!
كان الله في عون الأردنيين على تلك "الصدمة الجميلة" التي تحولت من حلم لنائم إلى حقيقة دوّنها النشامى، وبكت بسببها فرحًا جماهير الأردن من شماله إلى جنوبه، صغيرهم وكبيرهم بعد الفوز على كوريا الجنوبية؛ فما بالكم لو توج الأردن باللقب؟!