الظاهرة في كرة القدم الحديثة ليست فقط مَن يفوز بكأس العالم وجوائز أفضل لاعب في العالم ولقب الهداف التاريخي لكل الأوقات، ويفوز بكل البطولات مع نواديه ومنتخب بلاده، بل يمكننا أن نصنف لاعبين عرباً وأفارقة في خانة الظواهر دون أن يتوجوا بكل الألقاب الفردية والجماعية في مشاويرهم الكروية التي يتحلون فيها بالصبر والثبات ويواجهون فيها كل أنواع التحديات والصعوبات.
وهم يتألقون حتى لو لعبوا كل موسم في نادٍ ودوري مختلف، على غرار ما يفعله الدولي الجزائري إسلام سليماني الذي وقّع الأسبوع الماضي عقده الاحترافي التاسع في أوروبا، في سنّ الخامسة والثلاثين مع نادي بريست، في تحدٍّ جديد لمهاجم تعب واجتهد كثيراً، وتعرّض لكل أنواع الانتقادات والتنمر في بلده، وكان كل مرة يخرج منتصراً بفضل صبره وثقته بنفسه وإصراره على التألق وإثبات الذات كل مرة.
صحيح أن سليماني ليس رونالدو ولا ميسي ولا نيمار أو مبابي من حيث النجومية والمهارة الفردية، لكن ما يفعله لحد الآن لا يقدر عليه الكثير، على الأقل من حيث عدد الأندية التي لعب فيها بين الجزائر، البرتغال، إنكلترا، تركيا وفرنسا التي عاد إليها من بوابة نادي بريست بعد أن لعب في موناكو وليون سابقاً، ومن حيث التأقلم بسرعة مع كل الدوريات والأندية في ظرف وجيز جعله يبلغ 139 هدفاً في مشواره الاحترافي، من بينها 60 هدفاً مع سبورتينغ لشبونة البرتغالي.
ويتربع على عرش هدافي المنتخب الجزائري بأربعين هدفاً في 87 مباراة دولية على مدى عشر سنوات، شارك فيها بكأس العالم 2014، وبكأس أمم أفريقيا 2019، وهو الذي بدأ مشواره مع فريق في الدرجة الرابعة في الجزائر، قبل أن يطرق أبواب شباب بلوزداد، أحد أشهر الأندية في الجزائر، ثم يطرق أبواب الدوريات الأوروبية الكبرى.
وعاد سليماني الموسم الماضي إلى سبورتينغ لشبونة الذي كان قد تألق معه على مدى ثلاثة مواسم بين 2013 و 2016، لكنه عانى مشاكل مع مدربه روبن أموريم فرضت عليه البحث عن فريق آخر بداية هذا الموسم، فوجد في نادي بريست بوابة جديدة للتألق مع مواطنه يوسف بلايلي في دوري يعرفه جيداً بعد أن تألق فيه برفقة موناكو وليون، ووقّع لموسم واحد قابل للتجديد بعد أن رفض عروضاً خليجية كثيرة رغبة منه في الاستمرار في المستوى العالي ومواصلة تجاربه الأوروبية بسقف طموحات لم تتراجع يوماً، رغم كل الظروف الصعبة التي مرّ بها، وخاصة مع المنتخب الجزائري عندما صار احتياطياً لبغداد بونجاح، قبل أن يعود ويستعيد مكانته الأساسية ويصبح الهداف التاريخي للجزائر، وصاحب المشوار الكروي الفريد من نوعه في الجزائر من حيث عدد الأندية والدوريات التي لعب فيها.
سليماني ضحّى بثلاثة أرباع راتبه الشهري الذي كان يتقاضاه في إنكلترا والبرتغال لأجل الاستمرار في المستوى العالي مقابل 60 ألف يورو، بعد أن كان يتقاضى 250 ألف يورو شهرياً، فيما رفض عروضاً خليجية تفوق 300 ألف يورو، ورفض الاستسلام مثلما عودنا في مشواره الذي بدأه في حيّ شعبي في فريق هاوٍ، لذلك يعتبره المتتبعون ظاهرة فريدة من نوعها ومثالاً يقتدى به من طرف الشبان في زمن لم يعد فيه الشباب الصاعد قادراً على رفع أبسط التحديات، يفشل ويستسلم أمام أدنى الصعوبات والعراقيل، ويعجز عن تحقيق طموحاته في الكرة وغير الكرة لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، نفسية وفنية، بعضهم يصعد ويسقط بسرعة، والبعض الآخر لا يجرأ ولا يغامر ولا يبادر، ويعتقد أن الوصول إلى القمة نهاية العالم، دون أن يدرك أن الاستمرار فيها أكبر تحدٍّ.
إسلام سليماني في بريست الفرنسي برفقة الدوليين الجزائريين يوسف بلايلي وهاريس بلقبلة، عنوان صفحة جديدة للاعب يجب أن يشكل قدوة لكل شاب طموح يمارس لعبة لا تعرف المستحيل، لم يعد فيها السن إلا رقماً في معادلة لا تمنع التألق والتميز ورفع تحديات جديدة مهما كانت الصعوبات والتحديات.