أزمة المنتخب الجزائري تتواصل مع بلماضي!

12 يونيو 2021
الجزائر هزمت تونس يوم أمس (خافيير سوريانو/فرانس برس)
+ الخط -

يواصل المنتخب الجزائري لكرة القدم بقيادة جمال بلماضي سلسلة مبارياته المتتالية من دون خسارة، وقد بلغت 27 مباراة بعد فوزه على موريتانيا، ومالي، وتونس في آخر مباراة ودية خارج القواعد، فاز فيها بالنتيجة والأداء أمام فريق محترم يحتل المركز الأول في ترتيب الفيفا للمنتخبات الأفريقية، وأكد فيها مجدداً أن الخروج من أزمة النتائج الإيجابية لن يكون قريباً مهما كان اسم المنافس، في سيناريو لم يكن متوقعا قبل ثلاث سنوات عندما كان المنتخب غارقاً في أزمة نفسية وفنية، فردية وجماعية، بلغت درجة لم يسبق لها مثيل، تحولت بفعل فاعل اسمه جمال بلماضي إلى أزمة من نوع آخر تقتضي مزيداً من الجهد والتركيز في أوساط اللاعبين، وكثيراً من الوعي في أوساط الجماهير التي تدرك أن المنتخب الجزائري ليس هو الأفضل، لكنه على الأقل لم يعد هو الأسوأ مثل ما كان، وسيأتي اليوم الذي يخسر فيه أو يتعثر بعدما صارت الاطاحة به غاية كلّ المنتخبات التي تواجهه.

مواجهة تونس كانت امتحاناً جديداً للخضر، نجح فيه جمال بلماضي في الحفاظ على روح الفريق وهوية لعبه ونسقه، والحفاظ على كلّ الجزئيات التي صنعت الفارق لحد الآن على مدى ثلاث سنوات واجه فيها منتخبات من كلّ القارات، لم يخسر أمامها ولم يتراجع في مردوده، بل يتحسن كلّ مرة، ويثبت أنه لا يزال جائعاً يبحث عن الامتياز كلّ مرة من دون غرور أو استصغار للمنافسين، ومن دون أن يتأثر بالغيابات أو التغييرات التي يحدثها المدرب في مختلف المباريات، وهو الأمر الذي رفع نسق المنافسة في أوساط اللاعبين الذين تحولوا في ظرف وجيز إلى وحوش فوق أرضية الميدان، يتمتعون بثقة كبيرة في قدراتهم، ويتحلون بالالتزام والانضباط اللازمين، وكثير من الالتحام بينهم لدرجة أبهرت العالم ورفعت سقف الطموحات في أوساط اللاعبين والإعلاميين والجماهير التي صارت تعتقد بأن التأهل إلى نهائيات كأس العالم والحفاظ على اللقب القاري سيكونان تحصيل حاصل.

الكلّ يجمع على أن كلمة السر هي جمال بلماضي الذي لم يكن يتوقع أحد أنه سيقلب الموازين رأسا على عقب، ليس تشكيكاً في قدراته، لكن بالنظر للوضع المأساوي الذي وجد عليه المنتخب الجزائري في أغسطس 2018، تعيساً فنياً، ومدمراً نفسياً، تحول إلى بطل لأفريقيا سنة من بعد ذلك، ومن دون خسارة لحد الآن في سيناريو هو الأول من نوعه في تاريخ الكرة الجزائرية، التي يلقى فيه مدرب وطني إجماعاً وتأييداً من جماهير الكرة وإعلامه، وحتى من فلاسفة التحليل الذين لا يعجبهم العجب، ولا يعجبهم حتى رياض محرز الذي كانوا يطالبون بالاستغناء عن خدماته في وقت ما، وإلزامه ورفاقه بالتحلي بالروح الوطنية من أجل الالتحاق بالمنتخب، من دون أدنى تحديد لمعايير هذه الروح الوطنية، التي تمّ فرضها على اللاعبين المحترفين في وقت ما شرطاً أساسياً للالتحاق بالمنتخب، قبل أن يجعل بلماضي من نفس اللاعبين رموزاً في الالتزام والإصرار والعزيمة.

الأكيد أن المنتخب الجزائري سيخسر يوماً، لكنه سيخسر عندما يكون مردوده سيئاً، أو أمام منتخب أفضل منه، أو يخسر بسبب خيارات خاطئة للمدرب وأخطاء فنية من اللاعبين، وهو الأمر الوارد حتماً في كرة القدم، لكن الأكيد أيضاً أن الخسارة لن تكون بسبب التقصير أو عدم كفاءة المدرب واللاعبين الذين اختارهم، ولن تكون بسبب التغيير الذي حصل على رأس الاتحاد الجزائري، الذي كان يسوق له البعض ويستعمله وسيلةَ ضغط وتهديد، وكأن الذي تحقق لحد الآن كان بفضل اتحادية هي نفسها من ساهمت في تهديم المنتخب ذاته وتحطيم معنويات لاعبيه، بتواطؤ من محللين وإعلاميين طغت عليهم السلبية والعدمية والأنانية في التعامل مع مدرب ولاعبين، يرجعون تألقهم إلى ضعف المنافسين، ويريدون من محرز أن يراوغ كل اللاعبين ويسجل هاتريك في كلّ مباراة حتى يعترفوا له بتميزه.

الأكيد أيضا أن الأزمة التي يعيشها المنتخب الجزائري اليوم ستنتهي يوماً، وتتوقف سلسلة المباريات من دون خسارة، وبلماضي سيرحل يوماً، وسيأتي جيل آخر من اللاعبين، لكن التاريخ سيروي للأجيال الصاعدة واحدة من أجمل الروايات التي كتبت في ظروف صعبة من طرف جيل مبدع، يقوده مدرب متميز يحمل طموحات لا سقف لها، خاصة عندما يتحدث عن المنافسة على كأس العالم 2022، وليس مجرد التأهل من أجل المشاركة، وهو الطموح الذي يريده كلّ جزائري في كلّ المجالات لبلد يزخر بقدرات بشرية بحاجة إلى دعم وتشجيع عوض التكسير والتدمير.

المساهمون