تشكل منطقة النقب ما يقارب نصف مساحة فلسطين التاريخية، وتقدر بثلاثة عشر مليون دونم مربع. تمتد من الفالوجة (شمالاً) وغزة (غرباً) والخليل (شرقاً) إلى أم رشرش على خليج العقبة (جنوباً)؛ فيما يُقدر عدد سكانها من العرب عام 2018 بمائتين وخمسين ألف نسمة. يعيش نصفهم في قرى لا تعترف بها إسرائيل وتمنع عنها أبسط الخدمات مثل شق الطرق والكهرباء والماء وما تبقى منهم يقطن في بلدات خططتها الحكومة لتركيز البدو تعاني من الفقر والإهمال.
لم يكن إعلان وزارة القضاة الإسرائيلية مطلع يونيو/حزيران الماضي عن تسجيل 180 ألف دونم من أراضي المواطنين العرب، بعد مصادرتها وتهجير أهلها عام 1953، كأملاك دولة، خطوة إجرائية محضة، بل شكلت الخطوة تصريحا علنيا أن إسرائيل بصدد الإجهاز على ما تبقى من أراضي النقب وحسم الأمر دون النظر إلى أي دعاوى قضائية أو صفقات تبرم.
إن أرض النقب الشاسعة لم يبق منها إلا مئات آلاف الدونمات التي يمتلكها العرب ويهددها شبح المصادرة، فسكان النقب العرب الذي بلغ تعدادهم ربع مليون ويشكلون أكثر من ثلث السكان في النقب، يعيشون على مساحة لا تتعدى نسبتها ثلاثة بالمائة من المساحة الإجمالية للنقب. فتارة تصادر السلطات الإسرائيلية الأرض من خلال آلية قانونية ابتدعتها تقوم بموجبها الدولة بتقديم "دعاوى مضادة" مطالبة العرب بإثبات ملكيتهم وفقا لمقاييس ومعايير صُممت خصيصا لتجريد العرب من ملكيتهم لأرضهم، جرى بموجبها مصادرة أكثر من مائتي ألف دونم في العقد الأخير، وتارة أخرى تصادر الأرض لإقامة المواقع والمنشآت العسكرية، كما جرى بعد التوقيع على معاهد كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، صادرت السلطات في أعقابها ثمانين ألف دونم لإقامة مطار عسكري بعد نقله من سيناء، فالمصادرة تتم في الحرب والسلم.
أما عن عمليات الهدم، ففي مقابلة سوريالية نُشرت على أحد المواقع المحلية يعبر فيها قائد لواء الجنوب في الشرطة الإسرائيلية عن "عظيم سعادته" من ازدياد وتيرة عمليات الهدم في النقب، والتي بلغت 1952 عملية هدم وذلك "بالتفاهم"، حسب وصفه. التفاهم وفقا للقاموس الإسرائيلي يعني التلويح بفرض الغرامات الباهظة والاعتقال التعسفي لإرغام الناس على هدم بيوتهم بأيديهم. لا تكتفي السلطات الإسرائيلية بهدم بيوت البدو من عرب النقب على تواضعها بل تدأب على تجريف وإبادة المحاصيل البعل التي يزرعها الناس، إذ تطاول عمليات التخريب أكثر من عشرات ألف دونم سنويا.
مشاريع استيطانية ونقلة استراتيجية
فضلا عن عمليات المصادرة، تسعى إسرائيل مؤخرا في مخططها لإحكام قبضتها على الأرض لتكثيف النشاط الاستيطاني من خلال إقامة عشرات المستوطنات في النقب، والمبادرة إلى مشاريع تطوير للبنى التحتية. ولعل أبرزها الخطة التي وضعها الجيش الإسرائيلي لنقل المعسكرات والصناعات العسكرية من منطقة المركز وشمال تل أبيب إلى النقب في ما بات يعرف بالنقلة الاستراتيجية جنوبا، في استثمار قُدرت كلفته بخمسة عشر مليار دولار، ويجري بموجبه نقل معسكرات تدريب ومراكز للاستخبارات والرصد والتنصت والسيطرة والتحكم تضم عدة قواعد عسكرية لتدريب جنود وضباط الجيش الإسرائيلي بهدف خلق منطقة جاذبة للسكان وتخفيف الاكتظاظ عن المركز.
وتعتزم إسرائيل استكمال شارع "عابر إسرائيل" الذي يتوقع أن يقضم المزيد من الأراضي العربية وينذر باقتلاع آلاف الدونمات من قرى أم بطين، بير الحمام، وخربة الوطن. كما تعمل إسرائيل على توسيع شبكة السكك الحديدية لربط مدينة ديمونا بمدينة عراد ومصادرة 4700 دونم وتهجير عشرات الآلاف أيضا. ولا تنفك الجرافات والبلدوزرات تعمل برتابة على بناء مستوطنة حيران اليهودية على أنقاض قرية أم الحيران العامرة بأهلها، والذين ما زالوا يحاولون التصدي لمخططات التهجير والترحيل.
لا تكتفي إسرائيل بالمشاريع والمصادرة، إذ تواظب من خلال الصندوق القومي اليهودي "ككال" على عمليات تشجير واسعة النطاق بذريعة محاربة التصحر، ويعتبر كثيرون أن "ككال" هو أحد الأذرع الأساسية لمساعي التهجير والترحيل وطمس معالم البلاد العربية من خلال عمليات التشجير، التي تقع غالبا بمحاذاة القرى العربية أو على ركام البلدات العربية المهجرة. وفي النقب بالذات وقرية العراقيب على وجه الخصوص، يخوض الأهالي معركة استنزاف مع "ككال" الذي يسعى لإقامة غابة للاستيلاء على الأرض وترحيل سكان القرية على غرار قرية عتير وأم الحيران.
إلى جانب ذلك، أقرت اللجنة اللوائية للتنجيم والتعدين والتحجير مخططا لإقامة منجم فوسفات على أراضي الفرعة والزعرورة قد يؤدي إلى تهجير وترحيل الآلاف، كما يعود بأضرار بيئية وصحية وخيمة، وفقا لتقرير أصدرته وزارة الصحة الإسرائيلية ذاتها.
التوازن الديموغرافي
إن المتتبع للشأن الإسرائيلي يلحظ الانشغال الدائم بقضية الزيادة السكانية والتكاثر الطبيعي عند الفلسطينيين والبدو الفلسطينيين على وجه التحديد، إذ عقدت الحكومة جلسات وأقرت قرارات، وأصدرت مراكز أبحاث الأمن القومي الدراسات التي خصصت لهذا الموضوع في ما يشبه حالة من الهوس والوسواس القهري لإحصاء كل مولود ومولدة.
وفي ما يمكن اعتباره نتائج لهذه السياسات، أظهرت إحصائيات نشرها معهد "فان لير" في تقريره السنوي حول المجتمع العربي، تراجعاً كبيراً في معدلات النمو ومعدل الخصوبة الكلي للنساء العربيات. وأشار التقرير إلى تراجع معدلات الولادات عند النساء العربيات من 4.3 في عام 2001 حتى وصلت 3.1 في عام 2013. في النقب، على وجه التحديد، أظهرت معدلات الولادة ونسبة الخصوبة تراجعا دراماتيكيا من 8.7 في عام 2001 حتى وصلت 5.3 في عام 2013. هذا بينما ارتفع معدل الخصوبة الكلي عند النساء اليهوديات في الفترة الموازية من 2.5 إلى 3 ولادات.
لا تتورع إسرائيل في حربها الديمغرافية عن اللجوء لإجراءات بيروقراطية منافية للقانون، فقد أقدمت على سحب المواطنة عن آلاف البدو في النقب بدعوى أن الجنسية "مُنحت" لهم عن طريق الخطأ.
وبعد فشل مخططات تجنيد الشباب البدو لسلخهم عن هويتهم والذين لا يتجاوز عددهم المائة سنويا، على الرغم من الكل المحفزات والمغريات التي تقدمها من قسائم سكن وفرص تشغيل، تسعى إسرائيل لبلورة قيادة بديلة وضعت لها الخطط ورصدت لها الميزانيات السخية لصناعة "البدوي الجديد".
تبقى منطقة النقب، أو كما سمّاها ابنها الباحث سلمان أبو ستة "نصف فلسطين المنسي"، بؤرة صراع يومي يحتدم بين مد وجزر، إلا أن أهلها ممن صمدوا، والذين بلغ تعدادهم ربع مليون بعدما قُدر عددهم على إثر النكبة بعشرة آلاف، ظلوا متمسكين بأرضهم وهويتهم لتتبدد أوهام بن غوريون الذي ظن يوما أن بمقدوره "تهويد" البدو.
لم يكن إعلان وزارة القضاة الإسرائيلية مطلع يونيو/حزيران الماضي عن تسجيل 180 ألف دونم من أراضي المواطنين العرب، بعد مصادرتها وتهجير أهلها عام 1953، كأملاك دولة، خطوة إجرائية محضة، بل شكلت الخطوة تصريحا علنيا أن إسرائيل بصدد الإجهاز على ما تبقى من أراضي النقب وحسم الأمر دون النظر إلى أي دعاوى قضائية أو صفقات تبرم.
إن أرض النقب الشاسعة لم يبق منها إلا مئات آلاف الدونمات التي يمتلكها العرب ويهددها شبح المصادرة، فسكان النقب العرب الذي بلغ تعدادهم ربع مليون ويشكلون أكثر من ثلث السكان في النقب، يعيشون على مساحة لا تتعدى نسبتها ثلاثة بالمائة من المساحة الإجمالية للنقب. فتارة تصادر السلطات الإسرائيلية الأرض من خلال آلية قانونية ابتدعتها تقوم بموجبها الدولة بتقديم "دعاوى مضادة" مطالبة العرب بإثبات ملكيتهم وفقا لمقاييس ومعايير صُممت خصيصا لتجريد العرب من ملكيتهم لأرضهم، جرى بموجبها مصادرة أكثر من مائتي ألف دونم في العقد الأخير، وتارة أخرى تصادر الأرض لإقامة المواقع والمنشآت العسكرية، كما جرى بعد التوقيع على معاهد كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، صادرت السلطات في أعقابها ثمانين ألف دونم لإقامة مطار عسكري بعد نقله من سيناء، فالمصادرة تتم في الحرب والسلم.
أما عن عمليات الهدم، ففي مقابلة سوريالية نُشرت على أحد المواقع المحلية يعبر فيها قائد لواء الجنوب في الشرطة الإسرائيلية عن "عظيم سعادته" من ازدياد وتيرة عمليات الهدم في النقب، والتي بلغت 1952 عملية هدم وذلك "بالتفاهم"، حسب وصفه. التفاهم وفقا للقاموس الإسرائيلي يعني التلويح بفرض الغرامات الباهظة والاعتقال التعسفي لإرغام الناس على هدم بيوتهم بأيديهم. لا تكتفي السلطات الإسرائيلية بهدم بيوت البدو من عرب النقب على تواضعها بل تدأب على تجريف وإبادة المحاصيل البعل التي يزرعها الناس، إذ تطاول عمليات التخريب أكثر من عشرات ألف دونم سنويا.
مشاريع استيطانية ونقلة استراتيجية
فضلا عن عمليات المصادرة، تسعى إسرائيل مؤخرا في مخططها لإحكام قبضتها على الأرض لتكثيف النشاط الاستيطاني من خلال إقامة عشرات المستوطنات في النقب، والمبادرة إلى مشاريع تطوير للبنى التحتية. ولعل أبرزها الخطة التي وضعها الجيش الإسرائيلي لنقل المعسكرات والصناعات العسكرية من منطقة المركز وشمال تل أبيب إلى النقب في ما بات يعرف بالنقلة الاستراتيجية جنوبا، في استثمار قُدرت كلفته بخمسة عشر مليار دولار، ويجري بموجبه نقل معسكرات تدريب ومراكز للاستخبارات والرصد والتنصت والسيطرة والتحكم تضم عدة قواعد عسكرية لتدريب جنود وضباط الجيش الإسرائيلي بهدف خلق منطقة جاذبة للسكان وتخفيف الاكتظاظ عن المركز.
وتعتزم إسرائيل استكمال شارع "عابر إسرائيل" الذي يتوقع أن يقضم المزيد من الأراضي العربية وينذر باقتلاع آلاف الدونمات من قرى أم بطين، بير الحمام، وخربة الوطن. كما تعمل إسرائيل على توسيع شبكة السكك الحديدية لربط مدينة ديمونا بمدينة عراد ومصادرة 4700 دونم وتهجير عشرات الآلاف أيضا. ولا تنفك الجرافات والبلدوزرات تعمل برتابة على بناء مستوطنة حيران اليهودية على أنقاض قرية أم الحيران العامرة بأهلها، والذين ما زالوا يحاولون التصدي لمخططات التهجير والترحيل.
لا تكتفي إسرائيل بالمشاريع والمصادرة، إذ تواظب من خلال الصندوق القومي اليهودي "ككال" على عمليات تشجير واسعة النطاق بذريعة محاربة التصحر، ويعتبر كثيرون أن "ككال" هو أحد الأذرع الأساسية لمساعي التهجير والترحيل وطمس معالم البلاد العربية من خلال عمليات التشجير، التي تقع غالبا بمحاذاة القرى العربية أو على ركام البلدات العربية المهجرة. وفي النقب بالذات وقرية العراقيب على وجه الخصوص، يخوض الأهالي معركة استنزاف مع "ككال" الذي يسعى لإقامة غابة للاستيلاء على الأرض وترحيل سكان القرية على غرار قرية عتير وأم الحيران.
إلى جانب ذلك، أقرت اللجنة اللوائية للتنجيم والتعدين والتحجير مخططا لإقامة منجم فوسفات على أراضي الفرعة والزعرورة قد يؤدي إلى تهجير وترحيل الآلاف، كما يعود بأضرار بيئية وصحية وخيمة، وفقا لتقرير أصدرته وزارة الصحة الإسرائيلية ذاتها.
التوازن الديموغرافي
إن المتتبع للشأن الإسرائيلي يلحظ الانشغال الدائم بقضية الزيادة السكانية والتكاثر الطبيعي عند الفلسطينيين والبدو الفلسطينيين على وجه التحديد، إذ عقدت الحكومة جلسات وأقرت قرارات، وأصدرت مراكز أبحاث الأمن القومي الدراسات التي خصصت لهذا الموضوع في ما يشبه حالة من الهوس والوسواس القهري لإحصاء كل مولود ومولدة.
وفي ما يمكن اعتباره نتائج لهذه السياسات، أظهرت إحصائيات نشرها معهد "فان لير" في تقريره السنوي حول المجتمع العربي، تراجعاً كبيراً في معدلات النمو ومعدل الخصوبة الكلي للنساء العربيات. وأشار التقرير إلى تراجع معدلات الولادات عند النساء العربيات من 4.3 في عام 2001 حتى وصلت 3.1 في عام 2013. في النقب، على وجه التحديد، أظهرت معدلات الولادة ونسبة الخصوبة تراجعا دراماتيكيا من 8.7 في عام 2001 حتى وصلت 5.3 في عام 2013. هذا بينما ارتفع معدل الخصوبة الكلي عند النساء اليهوديات في الفترة الموازية من 2.5 إلى 3 ولادات.
لا تتورع إسرائيل في حربها الديمغرافية عن اللجوء لإجراءات بيروقراطية منافية للقانون، فقد أقدمت على سحب المواطنة عن آلاف البدو في النقب بدعوى أن الجنسية "مُنحت" لهم عن طريق الخطأ.
وبعد فشل مخططات تجنيد الشباب البدو لسلخهم عن هويتهم والذين لا يتجاوز عددهم المائة سنويا، على الرغم من الكل المحفزات والمغريات التي تقدمها من قسائم سكن وفرص تشغيل، تسعى إسرائيل لبلورة قيادة بديلة وضعت لها الخطط ورصدت لها الميزانيات السخية لصناعة "البدوي الجديد".
تبقى منطقة النقب، أو كما سمّاها ابنها الباحث سلمان أبو ستة "نصف فلسطين المنسي"، بؤرة صراع يومي يحتدم بين مد وجزر، إلا أن أهلها ممن صمدوا، والذين بلغ تعدادهم ربع مليون بعدما قُدر عددهم على إثر النكبة بعشرة آلاف، ظلوا متمسكين بأرضهم وهويتهم لتتبدد أوهام بن غوريون الذي ظن يوما أن بمقدوره "تهويد" البدو.