تاكسي نيويورك... عندما تدفع الأزمات السائقين إلى الانتحار

نيويورك
ابتسام عازم (العربي الجديد)
ابتسام عازم
كاتبة وروائية وصحافية فلسطينية تقيم في نيويورك. مراسلة "العربي الجديد" المعتمدة في مقرّ منظمة الأمم المتحدة.
15 ديسمبر 2018
150FCC92-8B0A-40B7-A20C-467ED83574AD
+ الخط -


يعاني سائقو سيارات الأجرة في مدينة نيويورك من أزمات تهدّد عيشهم، لا سيّما مع مزاحمة تاكسيات أخرى مستحدثة راحت تجوب شوارع المدينة أخيراً

"أعمل سائق تاكسي في نيويورك منذ عام 1998، لكن هذه أصعب وأسوأ فترة بالنسبة إلى سائقي سيارات الأجرة شهدتها في حياتي منذ نحو عشرين عاماً. في بعض الأحيان، لا نربح ما يكفي لتسديد بدل الإيجار الأسبوعي المتوجّب علينا لمصلحة الكراجات صاحبة الرخصة". بهذه الكلمات يصف أحمد، وهو مهاجر باكستاني، معاناة سائقي سيارات الأجرة في نيويورك، بعد اكتساح شركات من قبيل "أوبر" و"ليفت" وغيرهما شوارع مدينة نيويورك، ومنافستها سائقي سيارات الأجرة الصفراء التي اشتهرت بها المدينة.

منذ بداية العام الذي يوشك على الانتهاء، أقدم ثمانية سائقي سيارات أجرة في مدينة نيويورك على الانتحار، معظمهم من أصول مهاجرة. وهؤلاء الذين كانوا في الخمسينيات والستينيات من عمرهم، عملوا على مدى عقود في تلك المهنة، لكنّهم عانوا مشكلات مادية وانخفاضا في المدخول، خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي راح يهدّدهم، إذ إنّهم قد يتقاعدون وهم مديونون.

واختلفت أساليب انتحارهم. روي كيم، وهو مهاجر كوريّ راح يعمل كلّ أيام الأسبوع من دون انقطاع، انتحر في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني شنقاً في شقّته. في حين أطلق دوغلاس شيفتر، وهو سائق أميركي، رصاصة في رأسه أمام مبنى البلدية في نيويورك، في أوائل فبراير/شباط الماضي. وقبل أن ينتحر الأخير، كتب على صفحته على موقع "فيسبوك" أنّ "أوبر" أغرقت شوارع نيويورك بالسيارات، وأنّه في حاجة إلى العمل ما بين 100 و120 ساعة أسبوعياً من أجل ضمان دخل كريم. يُذكر أنّ سائقي "أوبر"، وبحسب ما يبدو، ليسوا أفضل حالاً، إذ إنّهم يشكون كذلك من أجور منخفضة. بدوره، وُجد عبده صالح، وهو مهاجر يمني عمل سائق تاكسي لعقود، منتحراً شنقاً في شقته، في يونيو/حزيران الماضي. هو واجه مشكلات مادية بسبب ديون تراكمت عليه في ظلّ انخفاض الدخل، على الرغم من ساعات العمل اليومية التي تصل إلى نحو 12 ساعة.



يُكمل أحمد سرده حول ما يخبره سائقو سيارات الأجرة في نيويورك، موضحاً أنا لا أملك سيارة أجرة، بل أستأجرها أنا وسائق آخر لقاء نحو 1200 دولار في الأسبوع، أي نحو خمسة آلاف دولار في الشهر، نسدّدها لصاحبها. ويعمل كل واحد منّا 12 ساعة في اليوم، لكنّ شريكي يتحمّل أكثر منّي لأنّه يعمل في الليل". ويشير إلى أنّ "المدينة تخصم نسبة معيّنة من كل رحلة كضريبة سير، بالإضافة إلى ضرائب الدخل العادية والعالية جداً في مدينة نيويورك وتكلفة الوقود". يُذكر أنّ كل سائقي سيارات الأجرة في نيويورك يحتاجون إلى أكثر من ثلاثة آلاف دولار في الشهر، لكلّ واحد منهم، لتسديد المصاريف الأساسية لقيادة سيارة الأجرة، قبل أن يبدؤوا بتحقيق أرباح.

في الماضي، كان الاستثمار في رخصة لسيارة أجرة أو "ميدالية"، بحسب ما يُطلَق عليها، تأميناً للشيخوخة بالنسبة إلى كثيرين. كذلك، كان العمل كسائق سيارة أجرة، حتى وإن لم تكن ملكه، يؤمّن دخلاً مقبولاً وكريماً لعدد كبير. لكنّه بعد دخول شركات من قبيل "أوبر" على الخط، صار كسب العيش الكافي في نيويورك صعباً، بينما انخفضت جودة الحياة وازداد القلق.

متضامن مع سائقي سيارات الأجرة في مدينة نيويورك (درو أنغرر/ Getty)



ويقول أحمد إنّه "قبل الأزمة التي بدأنا نشهدها في السنوات الأخيرة، كنت أبدأ عملي في السادسة أو السادسة والنصف صباحاً، وأستريح لمدّة ساعة. أمّا اليوم، فأنا أقصد المدينة في الرابعة صباحاً واستراحتي صارت قصيرة، نحو ربع ساعة، وأعمل حتى الرابعة والنصف من بعد الظهر. وفي الإمكان تخيّل صعوبة ذلك، لا سيّما أنّ دخلنا انخفض تقريباً إلى النصف". ويرى أحمد أنّه من أجل الخروج من تلك الأزمة، "لا بدّ من أن تتّخذ نيويورك خطوات عدّة لإنعاش قطاع سيارات الأجرة، منها تخفيض عدد سيارات أوبر والسيارات المشابهة في المدينة. لكنّني لا أظنّ أنّهم جديّون في هذا الموضوع".



تجدر الإشارة إلى أنّ مدينة نيويورك لم تقنّن دخول سيارات "أوبر" إلى شوارعها بالطريقة اللازمة في البداية، ولم تحدّد سقفاً لها، فأغرقت تلك السيارات السوق. وتفيد إحصاءات رسمية لمدينة نيويورك بأن نحو 64 ألف سيارة مسجّلة تعمل مع "أوبر" في المدينة تقوم بنحو 400 ألف رحلة يومياً. أمّا السيارات التي تعمل مع شركة "ليفت"، فتقوم بنحو 112 ألف رحلة يومياً. وقد تخطّى عدد السيارات المسجّلة مع "أوبر" في مدينة نيويورك للمرّة الأولى في العام الماضي عدد سيارات الأجرة التقليدية الذي يتخطّى 13 ألف سيارة وتقوم بنحو 300 ألف رحلة يومياً. ويعزو البعض تعاظم شعبيّة "أوبر" والشركات المشابهة، ليس فقط إلى انخفاض تعرفتها بالمقارنة مع سيارات الأجرة العادية، بل كذلك إلى المشكلات التي تواجهها شبكة المترو في المدينة بسبب قدمها وتعطّل قطاراتها بصورة دائمة. تجدر الإشارة إلى أنّ سائقي السيارات المسجلة مع "أوبر" يحصلون على أجور متدنية لا تصل في أحيان كثيرة إلى الحدّ الأدنى للساعة.



ويحاول اتحاد سائقي سيارات الأجرة في مدينة نيويورك وجهات أخرى، نشر وعي أكبر بين السائقين وحثّهم على الحصول على مساعدة نفسية، خصوصاً أنّ عدداً لا بأس به يعاني من الاكتئاب. في سياق متصل، بدأت المدينة تدرس احتمال اتخاذ بعض الخطوات التي قد تساعد على الحدّ من تفاقم المشكلة، ومنها مساعدة أصحاب سيارات الأجرة الذين يقودون سياراتهم في سدّ قروضهم أو إنشاء صناديق مساندة، شريطة ألا تقدّم تلك المساعدات إلى أصحاب رؤوس الأموال من أمثال المحامي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مايكل كوهين، الذي يملك نحو ثلاثين رخصة لسيارات أجرة في المدينة وهو من أصحاب الملايين. كذلك سمح مجلس المدينة أخيراً بوضع حدّ أقصى لعدد السيارات المسجّلة مع "أوبر" والتطبيقات المشابهة للعمل في المدينة، وهو التشريع الأول من نوعه في المدن الأميركية الكبرى التي يواجه سائقو سيارات الأجرة فيها تحديات كبيرة. يُذكر أنّ هذه الخطوات التي اضطرت السلطات المسؤولة في المدينة إلى اتخاذها، أتت بعد انتحار عدد من سائقي سيارات الأجرة والتغطية الإعلامية التي لقيها الموضوع في وسائل الإعلام الأميركية، لكنّ كثيرين يرونها غير كافية.

ذات صلة

الصورة
طلاب جامعة كولومبيا بنيويورك خلال تنديدهم بالحرب على غزة، 30 إبريل 2024 (Getty)

سياسة

أقرت مقاطعة ناسو في ضواحي نيويورك مشروع قانون يحظر وضع الأقنعة بهدف إخفاء هوية المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين والمناهضين للحرب الإسرائيلية
الصورة
هاريس ومرشحها لمنصب نائب الرئيس تيم والز (Getty)

سياسة

اختارت مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات كامالا هاريس، حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز ليكون مرشحها لمنصب نائب الرئيس في السباق الانتخابي.
الصورة
النيابة العامة المصرية (فرانس برس)

مجتمع

انتحر المستشار أيمن سمير حسين إبراهيم عمر، الرئيس من الفئة (أ) في النيابة العامة المصرية، بإلقاء نفسه من الطابق التاسع لمبنى النيابة، يوم الأربعاء، أثناء التحقيق معه بتهمة التربح والاستيلاء على المال العام، وتلقي رشى مالية من أحد المقاولين.
الصورة

منوعات

تواجه نيويورك، المعروفة بـ"المدينة التي لا تنام"، الغرق بمعدل ميليمتر إلى ميليمترين سنوياً بفعل ثقل ناطحات السحاب والمباني الشاهقة فيها، على ما أظهرت دراسة علمية.