أطفال سورية يواجهون خطر الحرمان من الجنسيّة

28 نوفمبر 2014
كثيرون عاجزون عن تسجيل أطفالهم (فرانس برس)
+ الخط -

كارثةٌ جديدة تواجه آلاف العائلات السورية، التي اضطرت إلى النزوح من أماكن سكنها في بلادها واللجوء إلى دول الجوار، بحسب تقرير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. يعاني عشرات الآلاف من عدم القدرة على تسجيل أطفالهم، الذين ولدوا أخيراً في أماكن اللجوء، مما يعرض أكثر من خمسين ألف طفل لخطر انعدام الجنسية، بسبب عدم توفر إمكانية لتسجيلهم، وبالتالي حصولهم على وثائق تثبت هويتهم.

دفعت الحرب السورية، المتواصلة منذ أكثر من ثلاث سنوات، نحو ثلاثة ملايين سوري على الأقل إلى مغادرة البلاد، بالإضافة إلى إجبار ستة ملايين آخرين على الأقل على ترك منازلهم داخل سورية، بحسب مفوضية اللاجئين. حتى نازحي الداخل، يواجهون صعوبات كثيرة في تسجيل أطفالهم الذين ولدوا في المناطق التي لا تسيطر عليها قوات النظام.

أطفال غير مسجلين

فقد النظام السوري السيطرة على معظم بلدات شمال وشرق البلاد منذ نهاية العام ما قبل الماضي، بالإضافة إلى مناطق واسعة في محافظة درعا جنوبي البلاد، وريف دمشق وحمص، مما أدى إلى توقف معظم المرافق الحكومية عن العمل في هذه المناطق، بسبب تعرضها للنهب والسلب في بعض الأحيان، عدا عن احتراق بعضها بسبب القصف والاشتباكات، أو عدم حضور الموظفين الحكوميين إلى هذه الدوائر لاستقبال المراجعين.
كنتيجة، لم تتمكن العائلات، التي رزقت بمواليد جدد، والتي تقيم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، من تسجيل أبنائها، ليصبحوا من دون شهادات ميلاد. فهؤلاء عجزوا عن تأمين الأوراق اللازمة لإثبات هوياتهم.

اللاجئون السوريون في دول الجوار يعانون أيضاً من أوضاع مشابهة. فقد اضطر كثيرون إلى اللجوء إلى لبنان والأردن وتركيا والعراق، علماً بأن معظمهم لا يملكون وثائق سفر رسمية صادرة عن الحكومة السورية، مما يمنعهم من تسجيل أطفالهم الذين ولدوا في دول اللجوء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في السفارات والقنصليات السورية في دول الجوار. تجدر الإشارة إلى أنه لتسجيل المواليد في الممثليات الدبلوماسية السورية، يشترط القانون السوري أن يتم تقديم طلب التسجيل مرفقاً بجوازات سفر الوالدين، وبيان الولادة من المستشفى الذي حصلت فيها الولادة.

وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إن خمسين ألف طفل سوري على الأقل محرومون من الحصول على شهادة ميلاد. فهؤلاء ولدوا في دول الجوار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، من دون أن يكون بحوزة أهلهم أية وثائق سفر رسمية. في السياق، يوضح المحامي عارف الياسين أن هذا يعرض الأطفال المحرومين من التسجيل لخطر انعدام الجنسية، باعتبار أن شهادة الميلاد في القانون السوري تعد الوثيقة الأساسية التي يمكن من خلالها الحصول على أوراق رسمية تثبت هوية الطفل، وتمنحه الحقوق القانونية والحصول على وثائق السفر وغيرها في وقت لاحق.

بدائل

إذاً، لم يحصل الأطفال السوريون الذين ولدوا في دول الجوار والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام داخل سورية على أوراق ثبوتية، مما دفع بالأهل للبحث عن طرق بديلة لتسجيل هؤلاء الأطفال. بالرغم من المخاطر الكثيرة، عمد بعض الآباء إلى الدخول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ليحصلوا على شهادات ميلاد لأطفالهم على أساس أنهم ولدوا داخل سورية. محمد الحاج إبراهيم هو أحد هؤلاء. لجأ إلى مدينة كلس التركية القريبة من الحدود السورية. يقول: "اصطحبت ابني الذي لم يبلغ الشهر من العمر بعد، وتوجهت به إلى مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب. كان السفر متعباً واستغرق نحو عشرين ساعة، بهدف مراجعة دوائر النفوس التابعة للحكومة السورية لتسجيل طفلي الذي ولد في تركيا".
تجدر الإشارة إلى أن قلة يختارون المخاطرة على غرار إبراهيم. إذ يُهمل معظم اللاجئين الذين رزقوا بأطفال في أماكن لجوئهم متابعة تسجيل مواليدهم، مكتفين في كثير من الأحيان بتسجيلهم في اللجان التابعة لمفوضية الأمم المتحدة، من أجل الحصول على المساعدات الغذائية والعينية للأطفال، من دون الاكتراث لأوضاعهم القانونية، وعدم حصولهم على أية هوية أو بطاقة تعريف تثبت جنسيتهم السورية.

ويزداد الوضع سوءاً في ظل فقدان كثير من الأطفال آباءهم بسبب اعتقالهم من قبل قوات النظام، أو مقتلهم نتيجة القصف أو الاشتباكات المستمرة في مختلف المدن والبلدات السورية، الأمر الذي يجعل تسجيلهم شبه مستحيل. لجأت فاطمة عبد الوهاب إلى لبنان. أنجبت ابنها بعدما قتل زوجها أثناء الاشتباكات بين قوات النظام والمعارضة في مدينة حمص، مطلع العام الجاري. تقول لـ "العربي الجديد": "وصلت إلى لبنان من دون أية أوراق ثبوتية. كنت حاملاً بطفلي، وكان زوجي يقاتل مع قوات المعارضة في حمص، وقد قتل أثناء الاشتباكات. أنا عاجزة اليوم عن تسجيل طفلي، لأنني لا أملك أوراقاً تثبت زواجي أصلاً، كما أن زوجي غير موجود".

حلّ

يلفت الياسين، المقيم في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في ريف حلب، إلى أن المحاولات التي حصلت من قبل مجالس المعارضة السورية لتلافي مشكلة وجود آلاف الأطفال السوريين غير المسجلين، كانت جميعها عديمة الجدوى، موضحاً أن الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة لا تحظى بأي اعتراف دبلوماسي دولي، وبالتالي فإن الوثائق الصادرة عنها ليست لها أية قيمة قانونية. يضيف "لا توجد أية فائدة من تسجيل المواليد الجدد في دوائر هذه الحكومة والمجالس التابعة لها".
يتابع الياسين أن الحل الوحيد بالنسبة للعائلات التي ترغب بتسجيل أطفالها، الذين ولدوا في مناطق سيطرة المعارضة، التوجه إلى الدوائر السورية الحكومية التي ما زال بعضها يستقبل المراجعين في عدد من المناطق التي يتواجدون فيها، كدوائر النفوس ومحاكم البداية والأحوال المدنية، أو التوجه إلى مناطق سيطرة النظام السوري، على أن يكونوا مستعدين لخطورة هذه الرحلة، وتسجيل أبنائهم في سجلات النفوس التي تديرها مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرة النظام.