استثمار التصحّر في السودان

22 أكتوبر 2014
وتزداد المساحات المتصحّرة يوماً بعد يوم (Getty)
+ الخط -

يعتمد أهلنا في الريف السوداني على الأنشطة الزراعية واستغلال الموارد الطبيعية (مراع - غابات) وغيرها. وينتظر سكان المدن خيرات الريف. وتقع فيه معظم استثمارات أغنيائهم. وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على الموارد الهشة، ويؤدي إلى تدهورها، ووصولها إلى التصحّر، الذي ينتج عنه اتساع رقعة الفقر.

يتّحد العوز وقلة فرص العمل ليقلّصا من خيارات سكان الأرياف. وتزداد كثافة استغلال الموارد الطبيعية، وتزداد المساحات المتصحرة يوما بعد يوم. فالمواشي تتكاثر أكبر من قدرة المراعي، وهو ما يضعف طاقتها الإنتاجية. ورغم هذا تتواصل عمليات الرعي الجائر.

نهجم على الغابات لتوفير الوقود ومواد البناء والكلأ، ونصدّر المنتوج الغابي، ونزحف بمزارعنا وعمراننا على البيئات الطبيعية. زحف غير مرشد، لكنه برعاية أجهزة الدولة. فكيف السبيل إلى وقف كل ذلك؟ هل نعيد الفحص الدقيق لـ"رجل أفريقيا المريض"؟ أم نكتفي بالتشخيص العام، لنؤكد إصابته بالجفاف ونبحث له عن علاج؟.

جاء التشخيص المبدئي قبل أكثر من قرن وفقاً لتحذير لجنة صيانة الأراضي. يومها جلس ممثلونا ضمن من جلسوا للتوقيع على اتفاقية عالمية تقضي بقيام برامج وطنية، وإنشاء صناديق قومية لمكافحة التصحر، وتشجيع الجهود الطوعية بجانب الجهود الرسمية. لكنّنا نتلمس طريقنا في وهنٍ وضعف، وهنٍ وضعفٍ في كل شيء حولنا، إذ لا مردود لأي من الجهود المبذولة. كيف لا ونحن ننتظر أن تموّل حتى مشاركاتنا الخارجية؟

وبينما يلوذ الريف بالمدينة، تظهر موجات هجرة جديدة خارج الحدود، يباركها المسؤولون بحجة أنّها ترفع اسم البلاد في المحافل الدولية. وبينما تغيب الخطط الشاملة والمتكاملة لاستغلال الموارد بصفة مستدامة، يبقى ما أقرّ منها حبراً على ورق.

تسوء الإدارة البيئية على كافة المستويات، ويهمل الريف والقطاع التقليدي، وتغيب المعلومات وتتضارب، ويتنازع أهل الشأن هنا وهناك في أمور ثانوية لتبقى المشكلة الأم. ولعلّ أكبر المؤشرات تتجلى في عجز سياسات صيانة وحماية الموارد الطبيعية في الحدّ من خطر التصحّر.

ورد ضمن بنود اتفاقية مكافحة التصحّر حديث عن صندوق لمكافحة التصحّر! ولعلّه كان سيمثل المكوّن المحلي الأكثر تأثيراً في مشروعات المكافحة. لكن أين هو؟

أكاد أجزم أنه لو خرج علينا أحد عباقرة هذا الزمان ليصنع لنا من قضية التصحّر فرصة للاستثمار العاجل، لانطلقت كامل أجهزة الدولة، وتبعتها رؤوس الأموال المحلية لتتسابق في هذا المضمار. ولما عجزنا كل هذا العجز عن التصدي لمشكلة السودان الأولى، التصحّر.

(متخصص في شؤون البيئة)
دلالات
المساهمون