إجراءات العزل بدأت تثمر لكن الخبراء يحذّرون من التهاون

08 ابريل 2020
الإجراءات المعتمدة نجحت لكن يجب الإصرار عليها (Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ الإغلاق التام الذي اعتمدته دول عدة في مواجهة "كوفيد-19"، بدأ يؤتي ثماره، عن طريق الحدّ من الضغوط على المستشفيات الأوروبيّة. لكن الخبراء حذّروا من أن تقود نفحة الأوكسجين هذه، التي كان يحتاج إليها الطاقم الطبّي، إلى التراخي في مكافحة الجائحة. إذ تبخّرت الآمال الخجولة التي عُقدت في الأيام الأخيرة على انخفاض عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، بعد أن عادت الحصيلة إلى الارتفاع ابتداء من الإثنين.
غير أنّ هناك مؤشراً آخر، بدا مشجّعاً، ألا وهو استقرار عدد الحالات التي يتمّ إدخالها إلى العناية المركّزة في البلدان الأوروبية الثلاثة الأكثر تضرراً، الأمر الذي يجعل احتمال بلوغ الوباء ذروته أكثر مصداقية.
وتقول الطبيبة ماريا خوسيه سييرا، من "مركز الإنذار الصحّي الإسباني": "بدأنا نلاحظ  تراجعاً، ولو بطيئاً، في أعداد المصابين الوافدين إلى المستشفيات، ووحدات العناية المركزة".

وفي إيطاليا، واصل عدد مرضى العناية المركّزة الانخفاض، الثلاثاء، لليوم الرابع على التوالي، مع 106 مرضى أقلّ في غضون 24 ساعة. ولوحظت الديناميكيّة نفسها في فرنسا، حيث تتباطأ الزيادة الصافية في عدد مرضى العناية المركزة، مع زيادة 59 مريضاً، الثلاثاء، مقابل أكثر من 500 مريض، خلال أيام الأسبوع الماضي.

وقال وزير الصحّة الفرنسي، أوليفييه فيران، إنّ "هذا المعيار هو الأكثر أهمية، لأنه السبب في الضغط على مستشفياتنا". في منطقة رون على سبيل المثال، قال فيليب فانيمس، اختصاصي الوبائيات، الذي يعمل في "مستشفى إدوارد هيريو" في ليون، "يبدو أنّ الزيادة في عدد الحالات المؤكّدة تتباطأ".
 
"مؤشرات صغيرة"
يوضح البروفيسور فانيمس، لوكالة "فرانس برس" أنّ "هذه مؤشرات صغيرة مشجّعة، تدعونا إلى التفكير في أنّنا نبطئ منحنى الوباء". ويقول أرنو بانوس، الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية والمتخصّص في النمذجة الحاسوبية: "يبدو أنّ الإغلاق التام، إلى جانب التدبيرين الأساسيين الآخرين، وهما عدم الاختلاط الاجتماعي وسلوكيّات الوقاية الصحيّة، أثّرا على تفشّي الوباء في البلدان الثلاثة".
وتقول كاثرين هيل، عالمة الأوبئة المتقاعدة، التي تراجع يومياً منحنيات الوباء حول العالم: "هذا يقلّل من نسبة الأشخاص المصابين بالعدوى، ولكن الأمر يستغرق وقتاً أطول لنرى آثاره". لكنها حذّرت من أنّه "ما زال هناك أشخاص يُصابون بالعدوى" لأنّ فيروس كورونا ما زال منتشراً. من هنا الحاجة الماسّة إلى الإبقاء على إجراءات الاحتواء الصارم، وفق الخبراء.

ويقول جان فرانسوا دلفريسي، رئيس المجلس العلمي الفرنسي، "لأننا بدأنا نلمس أولى إشارات احتواء الوباء، يجب أن نستمرّ في ما نفعله". ويضيف البروفسور فانيمس، إنّ بين السّكان "نسبة من المصابين، لم يتمّ الكشف عنها بعد. هؤلاء لم تظهر عليهم أعراض الإصابة الشديدة أو منهم حتى من لم تظهر عليهم أيّة أعراض، ولكن من المحتمل أن ينقلوا العدوى للآخرين، وأن يضعوا غيرهم في دائرة الخطر".


الوصول إلى هضبة في منحنى الوباء 

هؤلاء المصابون المجهولون يجعلون التنبؤ باتجاه المرض صعباً. ويقوم السيناريو "المتفائل" على استقرار منحنى تقدّم الوباء، على شكل "هضبة"، وهو مصطلح يُفضّل غالباً على مصطلح "الذروة" الذي يفترض انخفاضاً سريعاً، وهو أمر غير مرجّح. ويوضح أرنو بانوس أنّ: "الهدف، هو جعل وضع "الهضبة" هذا مستقرّاً لبعض الوقت، لأنّ الإغلاق التام يتيح الاستفادة من عامل الوقت. وإذا استمرّ الالتزام بالإجراءات، فقد تميل هذه الهضبة في النهاية إلى الهبوط، ونحقّق فوزاً في معركتنا على الوباء. لكن في حال التعجّل والإسراع في تخفيف إجراءات العزل، فإنّ الخطر هو في مواجهة قفزة جديدة للوباء، وأن يعود المنحنى للارتفاع مرة أخرى".
ويضيف الخبير: "توضح لنا النماذج أنّه إذا قمت، بمجرّد وصولك إلى الهضبة، بتخفيف الضغط، فإنّ الوباء سيرتدّ عليك لأنك ستطلق أشخاصاً كانوا محميّين، سيجدون أنفسهم على احتكاك مع الفيروس". ويكمن الخوف من أن يستدعي كثيرٌ من التفاؤل التراخي.

وعليه يحذّر مفوّض الحكومة الإيطالية لفيروس كورونا، دومينيكو أركوري، من "الأوهام... لأنّنا ما زلنا بعيدين عن المخرج".
ويخشى البروفسور فانيمس من أنّ "كثرة الحديث عن إنهاء إجراءات العزل في وقت مبكّر، والكلام المرتبط بأنّ الناس سئموا من بقائهم في المنزل في هذا الطقس الجيد، وبأنّه لا ينبغي تجاهل الضغوط الاقتصادية المحتملة للإغلاق، يمكن أن يخلق وضعاً محفوفاً بالمخاطر".
ودعا فانيمس إلى "اليقظة الشديدة، مع الأخذ في الاعتبار جميع المؤشّرات الوبائية (الدخول في العناية المركّزة، وعدد المصابين والوفيات والاتصال بجهاز الإسعاف، وما إلى ذلك)".
في ووهان منطلق الوباء في الصين، رفعت السلطات، الأربعاء، إجراءات الإغلاق الصارم، بعد شهرين ونصف الشهر. والثلاثاء، كان اليوم الأول الذي لا تسجّل فيه وفيّات في البلاد، منذ ظهور المرض.

(فرانس برس)